خبز الحرب.. أسمر.. وقد يحوي بعض الحشرات!
في بداية الأزمة، اعتمدت سورية على الخميرة المستوردة من إيران بعد خروج أغلب معامل الخميرة في ريف دمشق عن الخدمة، وبعدها تم استيراد خميرة صينية تحتاج لزمن أطول من التخمير، بما يتناسب مع مخابز الصين ونوعية العجين لديهم، وهنا ظهرت المشكلة منذ أشهر، نتيجة عدم مناسبة هذه الخميرة للمخابز السورية، ما تطلب القيام بعملية معايرة جديدة مع العجينة السورية والخميرة المستوردة من الصين، وهو ما تطلب وقتاً لتحسين جودة الرغيف، وذلك بحسب ما قاله سابقاً رئيس لجنة المخابز الاحتياطية، زياد هزاع.
عملية تخمير سريعة
وبحسب ما قاله أحد العاملين في الأفران لـ«قاسيون»: فإن «عملية التخمر الحقيقية والصحيحة تحتاج إلى 3 ساعات، وهذا ما لا يتم في المخابز السورية نتيجة كثرة الطلب على المادة، حيث تقوم الأفران بعملية تخمير مدتها ساعة ونصف لتنتج 13 طناً من الخبز، وفي التجربة الأولى من الخميرة الصينية، تم اخضاع العجينة لعملية التخمير المعتادة ذاتها، ما أدى لإنتاج نوعية سيئة».
وتابع «تم تلافي المشكلة بالنسبة للخميرة المستوردة من الصين، لكن المشكلة لم تحل نهائياً بالنسبة لنوع الطحين الجديد، الذي لم تعتاد عليه آلات الأفران بعد، رغم عملية المعايرة التي تمت».
هزاع أكد في آذار الماضي، أن اللون الأسمر للخبز، ناجم عن زيادة نسبة النخالة في الطحين، وهذا ما سيكون ثابتاً دون تغيير حالياً بالنسبة لجميع مخابز القطر، مؤكداً أن جودة الرغيف تحسنت عن السابق بعد تلافي مشكلة الخميرة وفقاً لتصريحاته.
خبز «طبقي»
لكن المواطنين الذين التقتهم «قاسيون»، أكدوا: بأنه لم يطرأ أي تحسين على جودة الرغيف الهش، غير القابل للاستخدام باللف أو التخزين، مشيرين إلى أن هذا النوع الأسمر من الخبز، سريع الجفاف والتفتت، ما لم ينكره مدير المخابز الآلية عثمان حامد.
وأكد حامد في تصريحات صحفية، أن النوع الجديد من الخبز، سريع الجفاف والتفتت، نتيجة إدخال النخالة إليه، وطالب المواطنين بشراء الخبز كل يوم بيومه، وعدم تخزينه، دون أن يعطي حلولاً للمشكلة، وكأن الحصول على الخبز بشكل يومي أمراً يسيراً.!
حتى قضية جفاف الرغيف وتفتته ولونه الأسمر، كانت تتفاوت بين فرن وآخر، وبين المدينة والريف، أو بين الفترة الصباحية والفترة المسائية في الفرن ذاته، بحسب الشكاوي التي وردت لـ«قاسيون» حيث قال مشتكون من مدينة دمشق: إن فرن المزة والأكرم ينتجان خبزاً أبيض، بينما ينتج فرن ساحة شمدين وابن العميد خبزاً أسمر، وقال آخرون: أن فرن جرمانا الآلي ينتج صباحاً خبزاً أفضل من الفترة المسائية، مشيرين إلى احتمال تفاوت خبرة العمال بين الفترتين.
نسبة النخالة غير ثابتة
وهنا أكدت مصادر خاصة في مديرية المخابز الآلية لـ«قاسيون»، أن نوعية الطحين التي ترد إلى الأفران متفاوتة، وتختلف من يوم إلى آخر بحسب نسبة النخالة الداخلة فيه، فهي غير ثابتة، وتابعت المصادر «أحياناً ترد إلى الأفران كميات من الطحين بنسبة نخالة قليلة، فينتج عنها خبزاً أبيض نوعاً ما، وعندما ترد كميات من الطحين بنسبة نخالة عالية ينتج المخبز خبزاً أسمر».
وهذا يشير إلى أن نسبة النخالة في الطحين ليست ثابتة، بل متغيرة تبعاً لكميات الطحين المتوفرة أو لكميات الطحين التي تريد المطاحن توفيرها.
«صراصير» في فرن جرمانا الآلي
وفي قضية أخرى، تشير إلى سوء الاهتمام بنظافة الأفران، انتشرت على صفحات التواصل الاجتماعي صوراً، قيل إنها لرغيف خبز أنتجه فرن جرمانا الآلي، يحوي حشرة «صرصار» بداخله، أي أن الحشرة دخلت في صلب الرغيف أثناء عملية التصنيع، وعندما تواصلت «قاسيون» مع صفحة الـ «فيسبوك» التي نشرت الصور، أكد مدير الصفحة أن هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، وقد تكررت الحادثة مراراً، وإحداها حدثت مع أحد العاملين بالصفحة.
وتابع «بزيارة لرئيس بلدية جرمانا، تبين لنا أيضاً، بأن الطحين الوارد إلى الفرن غير مناسب، ونسبة النخالة فيه عالية جداً»، مطالباً بفرض رقابة أكبر على الفرن الآلي الوحيد في جرمانا، نتيجة كثرة الشكاوى التي ترد إلى الصفحة التي تضم آلاف المشاركين من المدينة.
التنبه لرش المبيدات بعد ظهور الحشرة!
مدير فرن جرمانا نفى الحادثة، وأكد أن ما ظهر هو عبارة عن قشر النخالة ليس إلاّ، ما دفع العديد من المشتكين إلى المطالبة بالتحقيق حول الحادثة لعدم اقتناعهم بالرواية، مشيرين إلى أنه «حتى ظهور قشر النخالة في رغيف الخبز يعتبر مخالفة، وإشارة إلى سوء نوعية الطحين غير المنظفة جيداً من القشور».
وبدوره، مدير عام الشركة العامة للمخابز الآلية، عثمان حامد، قال: في تصريح له على إحدى الإذاعات بدمشق: إن «صور الحشرة في رغيف الخبز، كانت عبارة عن جرس إنذار، دفعنا للتنبه إلى قضية بدء ظهور الحشرات في هذا الوقت من العام، وخاصة الصراصير»، قائلاً: «لا يمكنني أن أنفي وجود حشرات داخل الفرن، ولا يمكنني أن أنفي الحادثة، لكن وبعد الشكوى ومشاهدتنا للصور أرسلنا عدة فرق لمراقبة الفرن، ولم نجد أية حشرة ضمن خط الإنتاج».
لكن حامد أكد أيضاً أن: «أحد جدران الفرن كانت مثقوبة ويمكن أن تدخل منها الحشرات، إضافة إلى وجود بعض مجارير الصرف الصحي، التي تم تزويدها بالمصافي بعد الحادثة» مشيراً إلى البدء بعملية رش الأفران.
وعاد حامد ليقول: أن «هذا الإجراء لا يعني أيضاً عدم ظهور حشرات مرة أخرى في أي من الأفران... فحشرة الصرصار يمكن أن تظهر بمنازلنا.. لكننا نؤكد بأنه لا توجد حشرات تدخل في خط الإنتاج!«.
حديث عثمان يشير فعلاً إلى وجود حالة من الإهمال في الأفران، وخاصة عند تأكيده على قضية الثقب في الجدار، أو مجارير صرف صحية دون مصافٍ، ورغم تأكيده على عدم دخول الحشرات في خط الإنتاج – أي في صلب رغيف الخبز– إلا أنه من الممكن أن تدخل قوارض أو حشرات أخرى إلى أكياس الطحين والمعدات وتخرج، أو تطحن دون أن يشعر بها أحد!
عصابات الخبز «الأسود»
مشاكل رغيف الخبز لم تنحصر في جودته ومدى سلامة تصنيعه، فما زال الحصول عليه يحتاج إلى عناء ووقت على طوابير الانتظار، وهنا بدأت قضية قديمة تظهر لكن بأساليب جديدة، وهي انتعاش السوق السوداء، وخاصة بعد رفع سعر ربطة الخبز رسمياً من 25 إلى 35 ليرة سورية.
«قاسيون» زارت أفران ابن العميد في دمشق، وتحدثت مع أحد الباعة في السوق السوداء الذي أخذ وزملائه يبيعون ربطة الخبز الواحدة بـ75 ليرة سورية، أي أكثر من ضعف السعر الرسمي، وعند سؤالنا عن السبب، قال إنه «بناءً على اتفاق مع أحد العمال في الفرن، نقوم بشراء الربطة بـ45 ليرة سورية دون كيس، ومع الكيس بـ50 ليرة سورية، مقابل استطاعتنا الحصول على الخبز أكثر من مرة على مدار الساعة».
وأردف «سابقاً كنا أكثر من شخص نقف على طابور الخبز، وأكثر من مرة خلال الساعة الواحدة، لابتياع عدة ربطات وبيعها خارج الفرن، لكن تعليمات جديدة وردت إلى الأفران ألزمتهم بعدم بيع الزبون ذاته أكثر من مرة، عدا عن حفظ العاملين في الفرن لوجوهنا نتيجة وقوفنا على الطابور بشكل متكرر، ما تطلب عقد صفقة معهم».
خبز الحرب
في الأزمة الحالية، بات الحصول على رغيف خبز صالح للاستهلاك اليومي وبسعر منخفض، من الأمور المستحيلة، فإمّا الانتظار على الطوابير للحصول على خبز سيء الجودة، أو اللجوء للسوق السوداء والحصول على الخبز السيء ذاته بسعر مضاعف، أو ابتياع الخبز الجيد من الأفران الخاصة بسعر مرتفع.