يوم تراجيدي في شوارعنا تسوّل وجنون واحتيال.. وبعض الأمل المخاتل!

هذا ليس عنان قصيدة، أو زاوية وجدانية، ولكنه واقع الحال وفي أحلك صوره المأساوية، وليس بعداً عن الأمل وربما يكون مفتاحه إذا التفتنا قليلاً إلى ما يجري في هذه الشوارع الخلفية والرئيسية لمدننا التي باتت تعج بصور اجتماعية مثيرة للذعر...وهذه الالتفاتة لا تعطل أعمال مدراء ووزراء الحكومة، ويمكن حلها بطرق عقلانية تدركها الدولة وحدها، وليست الجمعيات الخيرية أو منظمات الإغاثة.

عجائز... ومكافأة العمر دمعة

العجوز الذي أراد أن لا يمد يده وبصوت عالٍ يستنجد بمال الله، وضع أمامه بعض القطع الصغيرة البائسة، بحجة بيعها، يمكن أن يعطيه المارة ما يزيد عن سعرها وكثر هم من يتركوها.
هؤلاء العجائز نسوة ورجال، ولا يخلو رصيف من أحدهم، وتختلف طرق طلبهم، من الهمس وصولاً النحيب الذي تمارسه بعض النسوة، وهن يتضرعن إلى الله ويبكين، وكثيراً لا يدركن ما يقلن لكن الغاية هي استدرار العطف والمال.
في شارع 29 أيار ثمة عجوز على كرسي متحرك وبيدها وصفة طبية، وفي نهاية المطاف عند انتهاء خروج الموظفين تطلب من أحدهم نقلها إلى شارع آخر.
في شارع الباكستان امرأتان تمشيان ولا يفصلهما سوى مترين يرددن الكلمات الراجية نفسها، والمارة يتابعون سيرهم كأنهم حفظوا الدرس عن ظهر قلب؟، ولا يعطي إلا من كان مروره للمرة الأولى من هذا الشارع.


احتيال مبتكر

أم وابنتاها، منذ أكثر من سنة يمارسن الأسلوب نفسه، ويخترن الشوارع نفسها، وبتن ممن يتندر المارة بما سيفعلنه، وببساطة يتحدى شبان علناً ماذا ستطلب تلك الفتاة.
من جسر فكتوريا إلى (سينما سيتي) وفي نهاية دوام الموظفين الذين يجتمعون أمام فندق سميراميس، تبدأ لعبة البحث عن 100 ليرة سورية من كل شخص، والسبب أنهن (مقطوعات) أي أنهن فقط يبحثن عن أجرة مواصلات يصلن بها إلى بيوتهن في الريف.
الأم وابنتاها يلبسان لباساً أنيقاً، والفتاتان يرتدين (الجينز)، ويهمسان بصوت ناعم ممكن 100 ليرة أنا مقطوعة، والبعض ممن خبرهن يبدأ بإجراءات مفاوضات وزيادة الدفع، ولكنهن لا يفعلن سوى التسول بطريقة مبتكرة قد تم اكتشافها.


تسول بـ 10 ليرات فقط

للوهلة الأولى يختلج قلبك من الألم، أمهات يتسولن فقط 10 ليرات من مال الله، وهذا لا يمكن رده، ومبلغ كهذا لا يساوي شيئاً، ولكن أحد أصحاب المحلات مقابل مبنى رئاسة الوزراء القديم يقول: هؤلاء السيدات يقفن من الصباح الباكر، ويقطعن الطريق حتى ساحة الشهبندر ذهاباً وإياباً، وبعد الظهر يجتمعن في إحدى الحدائق ويطلبن فطائر غالية للغداء.


حليب... للطفل فقط

الطفل الرضيع ليس لعبة بلاستيكية تخفيها الشابة العشرينية بل هو طفل حقيقي، ويبكي أيضاً، وهي تحمل زجاجة حليب فارغة وتصرخ: مشان الله (بس) ثمن علبة حليب.
في اليوم التالي الطفل وزجاجته، ولكن مع سيدة كبيرة تجلس على الرصيف بجانب مشفى (الشرق)، وبصوت أقل علواً سببه العمر ولكن بالوتيرة والكلمات بنفسها، والطفل يبكي.
بعدها... وعلى جدار المشفى ثمة سيدة تضع بعض أغراض وحاجيات النساء، وتبيع بصمت مطبق، وهنا تضطر للنظر للعجوز التي تقاربها سناً وهي تنوح على علبة الحليب.


أيضاً هناك من يعمل

بالرغم من المنظر الرديء لجموع الباعة، نسوةً ورجالاً وبأعمار مختلفة في البرامكة، إلا أنهم بشر يبحثون عن لقمتهم بشرف، وهذا لا يهينهم رغم ما يتركونه من أوساخ ورداءة منظر، إلا أنك لا تستطيع إلا أن تشكرهم أنهم لم يختاروا التسول وسيلة للعيش.
نسوة يبعن ما يجمعن من أعشاب الربيع الطبية، وبعض خضاره وما ينبت دون زرع (البابونج- الرشاد- العكوب) فقط بتعبهن وسكاكينهن القصيرة، وفي الصباح يفرشن بضاعتهن للمارة، وبجانبهن من يبيع بعض منتجات أرضه، وما يتسوقه، وما تنتجه الأغنام والأبقار من أنواع اللبن والحليب... هؤلاء نسوة ورجالاً وبكل الأعمار، بعض من أمل.

وزراء لا يعملون.. يتعثرون

قد يستاء البعض من تناول وزير التجارة الداخلية في أكثر ملفات (قاسيون) ولكن يجب أن يدركوا أن هذا الرجل مسؤول عن لقمتنا، ولا نتناوله بنوايا مسبقة، ولكنه يثير حوله الضجيج بتصريحاته، آخرها دعوته إلى (عدم ربط أسعار المواد والسلع الغذائية والاستهلاكية بتقلبات أسعار العملات الأجنبية، وعدم استغلال هذه الظاهرة من قبل بعض ضعاف النفوس، وضرورة تطبيق إجراءات الوزارة خاصة فيما يتعلق بتداول الفواتير، وتقيد الباعة بالأسعار واتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه أي حالة احتكار أو غش، والعمل لضمان سلامة الغذاء).. وهذا الكلام يعني اعترافاً ضمنياً بمفردات أزمة السوق التي حددها هو من خلال هذه الدعوة، ولكن السؤال الذي يطح نفسه من أجل بعض الأمل: كيف تعمل وزارته لتلافي هذه السلبيات التي تعود استغلالاً وضيق حال على المواطن، والذي وصل إلى درجة لا توصف من اليأس، والجوع؟.


بعض الأمل

الظواهر التي صورناها في هذا اليوم لها علاج حكومي بالتحديد، وهناك وزارات يمكن تحديدها هي نائمة ومسؤولة عن التخفيف من حدة هذا التدهور، وهي فقط تتحدث وتصرح وتأمل وتشير؟؟؟.
لذلك من أجل الحقيقة والبلد المرهق... على وزارات العمل... والشؤون الاجتماعية... والتجارة الداخلية... وكل الجهات والمديريات التي تتبعها أن تنظر لنا بعين الأمل، وتعمل على انتشال هؤلاء من شوارعنا بمساعدتهم وتأهيلهم والوقوف في وجه الاستغلال والاحتكار والتلاعب بلقمتنا!.