«زينة» تكشف عورة البنى التحتية والخدمات وضمائر بعض الرسميين «أبرد» من الطقس
ليست المرة الأولى، التي تنكشف بها عورة البنى التحتية في سورية، وخاصة بدمشق، حيث كان القليل من الأمطار سابقاً، كافياً لإغراق الشوارع والأزقة، وقليل من الرياح لتعطيل شبكة الكهرباء والاتصالات، ومنخفض جوي عادي، لرفع الأسعار وزيادة الاحتكار وقطع الطرقات، لكن مايشير إلى عدم مبالاة بعض الجهات الرسمية في العاصفة الأخيرة، هو إهمال مئات الأسر المرمية على الطرقات دون مأوى رغم علم هذه الجهات بما قد تؤول إليه حال هؤلاء جراء الأمطار والثلوج والبرد القارس.
ورغم التحذيرات قبل أكثر من أسبوع، وتداول نبأ اقتراب العاصفة «زينة» على وسائل الإعلام الرسمية، إلا أن ذلك لم يصبح دافعاً لوزارات الدولة، كي تقوم بتجهيز خطط خاصة بهذه العاصفة، وخاصة بما يتعلق بالنازحين في شوارع العاصمة دمشق، حيث رصدت «قاسيون» عشرات الأسر في الحدائق «شارع الثورة، المواساة، والزاهرة»، خلال اليوم الأول من العاصفة دون أي شيء يأويهم لاخيام ولا حتى أغطية.
مئات الأسر في دمشق
دون خيام أو أغطية!
وقال أحد المتطوعين بحملة أطلقها مجموعة من الشباب في دمشق لتوزيع الملابس على النازحين خلال العاصفة، إن «المشهد كان قاسياً ومؤلماً جداً، فعشرات الأطفال كانوا يتألمون من البرد، وذويهم عاجزون عن تأمين مايلزم للتدفئة، أو تأمين مأوى لهم، وعلى هذا قام بعض عناصر الجيش بنقل عدة أسر من الحدائق إلى المشافي القريبة».
وتابع «كانت هناك وعود من محافظة دمشق، لنقل الأسر الموجودة في الشوارع إلى مراكز الإيواء على الأقل خلال العاصفة الأخيرة، إلا أن ذلك لم يحدث في العديد من الأماكن»، مشيراً إلى أن «الحال في مراكز الإيواء لم يكن بالأفضل».
وأردف «لا يتم توزيع المدافئ أو تأمين مازوت التدفئة في مراكز الإيواء من قبل الجهات الحكومية، وهذا الأمر متروك للأسر النازحة ذاتها، علماً أن وضع النازحين الاقتصادي شبه معدوم، كأغلب المواطنين العاديين في سورية».
الأمم المتحدة عاجزة!
أما اللاجئون خارج سورية، فلم يكن حالهم بالأفضل، حيث توفي رجل وطفلان سوريان بين عرسال ومنطقة شبعا اللبنانية، بسبب العاصفة الثلجية التي تضرب الشرق الأوسط منذ مساء يوم الثلاثاء، وفقاً لماوثقه ناشطون حتى اليوم الثاني من «زينة».
ودخلت مياه الأمطار والسيول خيام النازحين السوريين في بلدتي الشيخ عباس والسماقية في عكار شمال لبنان وأتت المياه على المحتويات، حيث عانى النازحون طوال الليل من البرد القارس، بينما غطت الثلوج نحو 40 خيمة في مجدليون قرب مدينة بعلبك وسببت العاصفة في قطع المواصلات عنها.
وأكد لاجئون انه «هناك نقص في المواد الغذائية وفي وسائل التدفئة» مشيرين إلى مخاوف من انهيار الخيم تحت الثلوج، بينما حاول لاجئون في حوش الأمراء قرب مدينة زحلة، إزالة الثلوج عن خيمهم خوفا من انهيارها، حيث تدنت درجات الحرارة في المنطقة إلى 3 درجات مئوية.
ورغم الوضع المأساوي، قالت الأمم المتحدة إنها غير قادرة على نقل اللاجئين من المناطق التي ضربتها العاصفة الثلجية، نتيجة ضعف التمويل مقارنة بأعداد اللاجئين الكبيرة، وافتقار وكالة الإغاثة للسلطة باتخاذ القرار بحال بعض الأسر في التجمعات غير المسجلة لديها.
وقالت هديل الشالجي مسؤولة الإعلام الاقليمية بلجنة الإنقاذ الدولية إن «معظم اللاجئين قيد البحث يعيشون في مخيمات غير قانونية أو غير رسمية وإن وكالات الإغاثة تفتقر للسلطة لنقل الأشخاص داخل إي بلد».
لاخطط خاصة بالعاصفة!
النازحون واللاجئون السوريون، عانوا من كل شيء، علماً أن معاناتهم لم تبدأ ولن تنهي عند العاصفة «زينة»، وبعيداً عن حالهم، وبالقرب منهم، كان الدمشقيون في العاصمة وريفها بشكل عام، يعانون أيضاً من مختلف النواحي وهم موجودون في منازلهم، وذلك لعدم وضع خطط خاصة بالعاصفة أسوة بباقي الدول المجاورة، حيث أكدت مصادر لـ«قاسيون» في أحد مراكز طوارئ الكهرباء، إنه «لا توجد أي توجيهات خاصة بالعاصفة من قبل الوزارة، والأمور ستكون على حالها قبل وأثناء العاصفة وبعدها»، مضيفاً «نحن بحالة طوارئ دائمة منذ بداية الأزمة في البلاد، ولا جديد».
حديث المصدر، ليس صعب الإثبات، حيث أكد مواطنون في صحنايا بريف دمشق، وجديدة عرطوز، وركن الدين، وكفر سوسة بدمشق، بأن الكهرباء قطعت عن أحيائهم أو منازلهم بشكل إفرادي وجماعي، وكان الاتصال بعناصر الطوارئ غير مجد، ولم تكن هناك أي إجابة، حيث اضطر هؤلاء لإمضاء الليالي الباردة أثناء العاصفة دون تيار كهربائي، ما زاد من معاناة حصولهم على الدفء وخاصة بظل شح مادة المازوت، وعدم وصول سيارات الغاز إلى الأحياء لانقطاع الطرقات.
طرقات مقطوعة
وسيول دون منافذ تصريف!
انقطاع الطرقات، كان شيئاً منطقياً لتراكم الثلوج بشكل كثيف داخل العاصمة دمشق وريفها، ماأوقف حركة السير بالنسبة لوسائط النقل، إلا أنه وعلى الرغم من توقف تساقط الثلوج في اليوم التالي من العاصفة، إلا أن العديد من الطرقات وتحديداً في الأحياء والشوارع غير الرئيسية لم تشهد أي حركة من قبل البلديات لإزالة الثلوج المتراكمة وفتح الطرقات والأحياء المغلقة، ما دفع السكان أنفسهم للقيام بهذا العمل بجهدهم الشخصي.
أزمة الطرقات لم تتوقف عند تراكم الثلوج فحسب، بل كانت أعقد في السيول القوية، وخاصة بمناطق المخالفات، والتي أضرت بالممتلكات وبعض المنازل هناك، وذلك لسوء شبكة الصرف الصحي، وعدم وجود منافذ تسريب مطرية، ولم يكن وضع السيول مقتصراً على مناطق المخالفات، حيث عمت السيول والبرك الشوارع العريضة من دمشق، دون أي اجراءات خاصة بهذا الصدد، ما حد من حركة التنقل.
وزارة التجارة وميناء طرطوس يحاصران دمشق!
وكغيرها من الوزارات، لم تخصص وزارة التجارة الداخلية ولو حيزاً بسيطاً من الوقت لوضع خطط خاصة بهذه الأيام، حيث شعر المواطنون وكأنهم محاصرون طيلة أيام العاصفة، وأكثر ما اضطروا اليه هو مازوت التدفئة والغاز، اللذان لم يتوفرا لا قبل ولا بعد العاصفة بشكل جيد، حيث وصل سعر لتر المازوت في السوق السوداء إلى أكثر من 220 ليرة سورية، وسعر جرة الغاز إلى أكثر من 2000 ليرة ببعض المناطق إن توفرت.
وبدأت المخاوف تزداد، قبل بدء العاصفة بيوم واحد، حيث أعلن عن إغلاق مرفأ طرطوس الذي تأتي إليه ناقلات النفط، ما أنعش السوق السوداء، ودفع بعض سائقي وسائل النقل إلى التوقف عن العمل حتى انتهاء المنخفض الجوي.
وتحصل دمشق على حوالي 800 ألف لتر من المازوت يومياً وحاجتها بالأساس -خاصة فصل الشتاء- هي حوالي مليوني لتر، ماشكل عبئاً كبيراً لتأمين المادة لزوم التدفئة، حيث تبلغ حصة التدفئة من الـ800 الف لتر حوالي الـ20% فقط، الذي أعاق حصول الأسر المستحقة على المادة في فصل الشتاء الحالي، مهما اشتدت العاصفة.
ومن الطبيعي أن تكون الفوارق السابقة بالأرقام وخاصة النسبة القليلة المخصصة لتدفئة فصل الشتاء، مؤثرة سلباً على نسبة تأمين المادة لجميع المحتاجين، فأغلب الأسر بدمشق لم تحصل على مخصصاتها، وكانت نسبة تغطية مازوت التدفئة منذ بداية العام حوالي 25% فقط.
احتكار ورفع أسعار..
بعيداً عن مستلزمات التدفئة التي كانت شبه معدومة لدى الكثير من الأسر في دمشق خلال العاصفة الأخيرة، فقد استغل أصحاب المحلات والتجار الحالة الجوية، وانعدام الرقابة، لرفع أسعارهم حوالي 25% وأكثر، وفي جولة لـ «قاسيون» على أحد الأسواق الشعبية، فقد وصل سعر كيلو شرحات الدجاج إلى 1250 ليرة سورية، علماً أن سعره قبل العاصفة مابين 1000 و1100، ووصل سعر كيلو الدبوس إلى 800 ليرة علماً ان سعره كان من 650 وحتى 700، بينما وصل سعر كيلو البطاطا إلى 135 علماً ان سعره كان من 80 وحتى 100 ليرة، ووصل كيلو البندورة إلى 135 أيضاً، بينما كان مابين 90 و100 ليرة، والخيار وصل إلى 100 ليرة بارتفاع حوالي 20 ليرة عن السابق.