: من الذاكرة حماة الوطن

جاري وصديق الطفولة والمدرسة النجار العريق أبو محمود، هو واحد من الرفاق القدامى الذين كرمهم الحزب في أكثر من مناسبة. أحمل إليه كل أسبوع صحيفة قاسيون فور صدورها ومع فنجان القهوة – وبناء على رغبته – أقرأ له الافتتاحية، لأنه لا «يكتفي» بتلخيص للوضع السياسي، أما بقية مواد الصحيفة، فتقوم حفيدته بقراءتها له، فهو يشكو ضعفاً ومرضاً في عينيه، وقد رافقته كشاهد قبل أسبوعين إلى مختار الحي للحصول على وثيقة «فقر حال» لتقديمها إلى
 

مشفى العيون بابن النفيس لإجراء عملية جراحية لعينيه. وفي لقاء هذا الأسبوع سألني بلهفة: أتذكر يا رفيق ذلك اليوم الذي التحقنا فيه بالخدمة العسكرية... من أين انطلقنا.. وإلى أين؟. فأجبته: من أمام شعبة تجنيد الصالحية بالمزرعة، وبواسطة «البوسطة» انتقلنا إلى مركز التدريب ببلدة القطيفة. فقال: تمام.. تمام.. ذاكرتك جيدة! فضحكت من أعماق قلبي وقلت له: هذا ليس كل شيء. فأنا أذكر أول مرة انطلقت أما وأنت معاً لحضور عرض عسكري بمناسبة عيد الجلاء بعد زوال ديكتاتورية الشيشكلي العسكرية، التي أنهاها جيشنا الباسل عام ة1954. وكان العرض السكري بحضور رئيس الجمهورية السورية هاشم الأتاسي.. وذكرت له بعضاً من مشاهد قطعات الجيش وهي تتوالى بكل نظام وروعة على طريق «بيروت» بين الربوة وجسر فيكتوريا، المشاة والفرسان والهجانة والمدفعية والمدرعات، مع هدير الطائرات في سماء العرض، وجماهير الشعب تدوي أصواتها بالهتافات للجيش وللوطن.
فقال وهو يستعيد الشعور بحيوية الشباب: نعم نعم.. أذكر ذلك جيداً، وأذكر أنني قلت لك يومها «حلمي أن أصبح جندياً أدافع عن شعبي ووطني، وأنك لم تكن أقل مني حماسة لتحقيق هذا الحلم». وكان ذلك قبيل انتظامنا بفرقة الترشيح الحزبية وقبل وداعه أسمعته، «وعن ظهر قلب» الدرس الأول الذي تلقيناه في مدرسة المدرعات بمعسكر القابون في الشهر السابع من عام 1957، وكان بعنوان أسس الانضباط «الفاتحة العسكرية»: (لما كانت قوة الجيش في نظامه يقتضي أن يحوز الرئيس على طاعة مرؤوسيه التامة وخضوعهم في كل الأوقات وأن تنفذ الأوامر بحذافيرها دون تردد أو تذمر، والسلطة التي تعطيها مسؤولة عنها، ولا يسمح لمرؤوس أن يحتج إلا بعد أن ينفذ ما أمر به، ولئن كانت مصلحة الخدمة تتطلب الشدة في النظام فإنها يجب أن تكون أبوية..