العِتقُ من القَماقِم

سأبدأ الزاوية اليوم أيضاً بقول لمحمود أمين العالم أحد أشهر رواد الفكر والفلسفة في أواسط القرن الماضي، والقول هو: «ستخرج الفلسفة إلى الشوارع والأسواق والمهرجانات، وستكون الحديث اليومي للناس، ولن يكون سقراط بدعاً في التاريخ البشري، وإنما ستمتلئ أسواق المستقبل بأمثاله وبمن يفوقونه قدرة وكفاءة وعبقرية».

هذا القول وأمثاله كان الحافز لنا كشباب كي نثقف أنفسنا لنكون جديرين بمواكبة تطور الإنسانية في شتى ميادين العلم والمعرفة والإبداع والعدالة والنضال في سبيل الغد الأفضل، ولنكون أبناء بررة لشعبنا العظيم ووطننا الغالي، مجسدين قول الشاعر: «نحن الشباب لنا الغدُ..». 

لذلك لا عجب إن تداعى الوطنيون ولاسيما الشباب منهم إلى العمل بصدق وإخلاص من أجل وحدة الصف وبث الروح الوطنية في نفوس الجميع لتحل محل النزعات الانعزالية والتعصب والروح العشائرية، مناضلين في سبيل التحرر من قماقم الانغلاق الطائفية والمذهبية بمختلف أشكالها وتسمياتها.

وقد شهدت تلك المرحلة ظهور النوادي الرياضية والفنية والأدبية، ونشوء الروابط الطلابية في المدارس الإعدادية والثانوية والجامعة، لتحشد جماهير الطلبة إلى جانب المناضلين لرفعة الوطن وعزة الشعب وسأتناول اليوم عرضاً موجزاً لنشوء أول نادي في حينا في ثلاثينيات القرن العشرين، وحمل اسم نادي «كردستان» وأول من تولى رئاسة مجلس إدارته محمد متيني أبو صخر وكان مقر الإدارة في غرفة ببيت المللي ثم انتقل إلى أماكن أخرى منها بيت فؤاد ملاطه لي، وليستقر في النهاية في بناء الجمعية الخيرية الذي شغر في أواسط أربعينيات القرن المنصرم، وتسلم مفتاح البناء عمر آغا شمدين الذي سلمه بدوره إلى إدارة النادي في العام الأول بعد جلاء المحتل الفرنسي عن أرض الوطن، ومن أعضاء مجلس الإدارة يومها خالد الكردي «الزعيم» ويوسف المللي وعز الدين المللي أبو جمال الذي يعتبر أول من أحضر كرة قديمة حديثة إلى الحي، وقد مارس اللاعبون نشاطهم على ملعب ترابي أطلقوا علية اسم ملعب «كامبو» ويقع بين المشفى الايطالي والجسر الأبيض في مكان يحمل اليوم اسم جادة الرئيس حيث سكن رئيس الجمهورية السورية شكري القوتلي، كما لعبوا في مواقع فارغة في سفح قاسيون بمنطقة «الكيكية» وجسر النحاس، وفي ملعب استصلحه شباب الحي وبمساعدة كبيرة من الضابط الوطني إحسان كم الماظ الذي استشهد في القتال ضد العدو الصهيوني على أرض فلسطين، والذي ما زلت أتذكر شخصه الرائع وهو يقف بلباسه العسكري أمام سيارة الجيب المكشوفة متابعاً عمل «التراكتور» في تسوية أرض الملعب قريباً من موقع مشفى ابن النفيس، ومن خلال هذا العرض لتاريخ النادي الذي كثيراً ما زرته ومارست فيه بعض النشاطات الرياضية أيام كان بإشراف الرياضي بهجت المللي أبو علي، أصل إلى إن اسم النادي السابق استبدل بعد الجلاء ليصبح نادي «هنانو» تيمناً بأحد أبطال النضال الوطني الثائر إبراهيم هنانو.