ماذا يريد مزارعو الساحل من الحكومة الجديدة؟

ماذا يريد مزارعو الساحل من الحكومة الجديدة؟

رحلت الحكومة السابقة غير مأسوف عليها، وسط إجماع شعبي على أنها أكثر الحكومات فشلاً في علاج الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطن السوري، ويشهد على ذلك ازدياد معدلات الفقر والبطالة بشكل مخيف، مقابل دعم حفنة من الرأسماليين والطفيليين على حساب الغالبية الساحقة من الشعب، وهي المسؤولة بسياستها عن إفقار غالبية الشعب السوري، وخاصة الفلاحين، الشريحة الاجتماعية الأكثر تضرراً ومعاناة للظلم جراء سياسات الحكومة التي كانت منحازة لمصلحة القلة المتنفذة. هذه السياسات التي جعلت أعداداً كبيرة من أهالي الريف يهاجرون إلى المدينة طلباً للعمل، وهي التي أوصلت الأمن الغذائي لحافة الهاوية، خاصة وأن هذا الأمن الغذائي هو سلاحنا الأقوى في استقلالية القرار الوطني لموقفنا المقاوم.

الآن وبعد تشكيل الحكومة الجديدة وبدء مسيرة الإصلاحات المطلوبة، فالجميع يطالب هذه الحكومة بعودتها إلى دعم الفلاح والزراعة، وعلى الرغم من تشابه مطالب الفلاحين العامة في مختلف المحافظات السورية، فإن لمزارعي الساحل مشاكل ومطالب محددة على الحكومة الجديدة أخذها بجدية تامة، وأن تعمل على تفهم المشاكل وحلها وتحقيق المطالب تزامنا مع بدء مسيرة الإصلاحات المرتقبة.

دعم الزراعة هو مطلب وطني

إن المطلب الأول والأساسي للفلاحين هو عودة الدولة إلى دورها الرعائي الأساسي في دعم الزراعة لا يعني فقط نصف الشعب السوري العامل بالزراعة بل يعني كل مواطن في سورية، فتدهور الزراعة يعني زيادة كبيرة في عدد العاطلين عن العمل، وزيادة الهجرة من الريف إلى المدينة المزدحمة والتسبب بالخلل الديموغرافي الحاصل جراء السعي للحصول على وظيفة أو فرصة عمل، ولهذا فإن تطوير الزراعة ودعمها بكل الوسائل هو مطلب طبقي وأخلاقي ووطني، ولمعرفة هموم المزارعين ومشاكلهم ومطالبهم التقينا عدداً منهم من مناطق مختلفة في الساحل السوري، وقالوا:

وقف الاستيراد ومواجهة الاحتكار

ـ المزارع سليمان المصري من قرية العنابية قال: «لقد أصبح حال المُزارع لا يحسد عليه وسط عاصفة هوجاء من غلاء المواد الزراعية مثل النايلون والأسمدة والبذور والأدوية وغيرها، بسبب جشع التجار والسماسرة الذين يتحكمون بكل شيء، وفوق تلك المصائب تقوم الحكومة بالموافقة على استيراد الخضار من الأردن الأمر الذي يضرب إنتاجنا الوطني، ولهذا نطالب بوقف الاتفاقيات والعقود مع الدول المجاورة لمصلحة فلاحنا».

ـ المزارع نزيه سليمان من قرية برج ميعار قال: «كل شيء بيد التجار، ونتمنى من الدولة التدخل لشراء كميات من الخضار من المزارعين مباشرة لمصلحة مؤسسة الجيش وصالات البيع، وبأسعار مقبولة تحافظ على استقرار أسعار السوق لمصلحة الفلاح».

تدخل الدولة والقروض الزراعية

ـ المزارع محسن معنا من بلدة يحمور قال: «أنا مزارع حمضيات وأملك 27 دونماً، وأُعتبَر من الملكيات الكبيرة مقارنة بغيري أصحاب الملكيات الصغيرة، ومع ذلك أقول بصدق إننا نعيش بقلق وخوف على مستقبلنا ومستقبل أولادنا، فأسعار الحمضيات وخاصة الليمون الحامض في هذا العام كانت كارثة على المزارعين، وظل يتراوح لشهور بين 10 ـ 15 ل.س في سوق الهال، وإذا حسبنا الأسمدة والأدوية والتقليم والنقل وتعَبَنا طوال العام فسنكون مكسورين ومديونين، وأصبحنا نعيش حياة تقشف لكي نستطيع الاستمرار بهذه المهنة، فلماذا إهمال هذه الفئة الاجتماعية المنتِجة الأهم في المجتمع السوري؟ وإذا تحدثنا عن القروض الزراعية فحدث ولا حرج عن الروتين والمطالب التعجيزية، ما يضطر الكثير من الفلاحين لعدم التفكير بأي قرض زراعي بسبب الروتين والرشاوى التي تصل إلى ربع قيمة القرض أحياناً!».

ـ المزارع محمد عجيب من قرية حريصون ـ بانياس قال: «نتمنى من الحكومة الجديدة العودة لدعم الفلاح وإعادة النظر بالوضع الزراعي آلياً مثل تخفيض أسعار الأسمدة والمحروقات وتخفيف الروتين والبيروقراطية لطلب القروض، وأين تعويض الصقيع والعواصف التي وعد بها المصرف الزراعي كباقي دول العالم؟»

ـ أما المزارع بديع محلا من بستان الباشا (جبلة) فقد قال: «لقد أصبحت الجمعيات الفلاحية واتحاد الفلاحين شكلية بسبب تراجع الدولة عن دعم الفلاحين، وإن الانتخابات فيها تتم بالمحسوبيات وتدخل الجهات الوصائية لمصلحة فلان ضد فلان، وكذلك الإرشاديات لا تعمل شيئاً في مواكبة الأمراض وتقديم العلاج والاقتراحات اللازمة لوزارة الزراعة لمساعدة الفلاح، ولهذا فإن الثقة أصبحت مفقودة بين الفلاح والجهات الحكومية، والتي نتمنى عودتها مع الحكومة الجديدة...».

مشاكل سهل عكار

حول أوضاع سهل عكار تحدث المزارع حيدر جوهرة في قرية الدكيكة فقال: «إن أغلب المشاكل التي يعاني منها مزارعو الساحل هي متشابهة، مثل غلاء المواد الزراعية والاستيراد من الأردن وصعوبة الحصول على قروض ولكن سهل عكار يعاني من مشاكل خاصة مثل ضرورة تجفيف المستنقعات المائية للأراضي المنخفضة في الشتاء عن طريق فتح قنوات تصريف رئيسية وفرعية، وفتح الطريق الزراعية وتعبيدها، باعتبارها من المشاكل الأساسية التي يعاني منها مزارعو عكار، وضرورة معالجة وباء التربة المعروف (نيماتودا) التي تدمر المحصول وكلفة معالجتها غالية، ولهذا نتمنى دعم وزارة الزراعة بالأدوية لمعالجة هذا الوباء وكذلك معالجة ارتفاع ملوحة مياه سد الباسل بسبب المخلفات من المجارير التي تصب فيه، ويجب تشكيل لجان لدراسة هذا الموضوع ومعالجة هذه المخلفات، وهنا نسأل الحكومة: أين التعويض عن الكوارث الطبيعية؟»

مطالب تعجيزية للقرض زراعي

ـ المزارع محمد زهرة قال: «سأتحدث عن مشكلة يعاني منها كل الفلاحين، وهي قضية الحصول على قرض زراعي وشروطه الصعبة، فقد ذهبت للمصرف الزراعي في طرطوس للحصول على قرض بئر ارتوازي، فطلبوا منا هذه الشروط التعجيزية: رخصة بئر ارتوازي، بيان قيد عقاري، بيان مساحة، تصريح من رئيس الجمعية الفلاحية بأنني غير تعاوني، براءة ذمة من جميع المصارف، موافقة المختار ومدير الناحية، موافقة الرابطة الفلاحية واتحاد الفلاحين، مخطط كروكي مع مهندس محلف للكشف عن مكان البئر بالعقار، خبير ميكانيكي للكشف على حالة المحرك وصلاحيته، رهن العقار للمصرف وأجور رهن عقاري، وكفيل موظف، وأخيراً أيام طويلة من الذهاب والعودة إلى مختلف الدوائر المختصة، وليس آخراً إرضاء كل موظف في المصرف بعمولة أو رشوة، فتصوروا إذا كانت لي الرخصة والملكية أصلاً، فلماذا كل هذا الروتين الذي يكلف الوقت والمال؟ إنه الروتين والفساد، فتراجعت عن أخذ القرض، فأنا أطلب قرضاً ولا أطلب جنسية!».

اقتراحات لتسهيل القرض الزراعي

اقتراح واقعي لمسألة القروض الزراعية عرضه أكثر من مزارع، لماذا لا يختصر المصرف كل هذه الإجراءات الروتينية بإعطاء القرض لمجرد وجود ملكية أرض أو سيارة زراعية أو رخصة بئر ارتوازي بدون أية أوراق وكشوفات؟ ويطالب الفلاحين بزيادة التعويض الزراعي ليكون مضاعفاً لدونم الحمضيات والبيت البلاستيكي ليصل مثلاً إلى ثلاثة آلاف ل.س لمواجهة غلاء الأسعار، واعتبار محصول الحمضيات والبندورة المحمية هي زراعة استراتيجية لأنه يعمل بها مئات آلاف الأُسَر، ولأنها تمتص أيدي عاملة كثيرة وكذلك التأكيد على عدم الاستيراد من الأردن لأنه لدينا إنتاج كاف لكل شهور العام الزراعي وإذا كان هناك ارتفاع أسعار في الأسواق المحلية فالحق ليس على المزارع بل على التجار والسماسرة الذين يربحون أموالاً طائلة مع غياب وزارة التموين وفلتان الأسواق وغياب جمعية حماية المستهلك، وفي النهاية المتضرر هو المزارع الذي يبيع بأسعار منخفضة، والمستهلك الذي يشتري بأسعار مضاعفة، وهناك اقتراح بأن تدعم الدولة مؤسسة الخزن والتبريد وتفتح صالات جديدة لتشتري مباشرة من الأسواق بأسعار مقبولة ونبيعها مباشرة إلى المستهلك أو إلى مؤسسة الجيش، ويكون الرابح هو الوطن والمواطنون، وليس حفنة محتكرة من التجار.

ومن الاقتراحات لدعم المزارع بالقرض الزراعي دون هذا الروتين، هو التوقيع على (كمبيالات) سندات مالية في المحكمة لحفظ الدولة لحقها في حال عدم الدفع، ولا أعتقد أن المزارع سيهاجر من بلده  ويترك زراعته وكار أهله وأجداده من أجل 200 ألف ل.س، مثلاً كما يتعامل المزارعون مع التجار والسماسرة! إن المطلوب من الحكومة الجديدة إعادة النظر بشكل جذري بهذه المشاكل المتراكمة للفلاحين، والتي تحتاج إلى حلول جذرية تماشياً مع مسيرة الإصلاح المرتقبة، لكي تستعيد الحكومة ثقة الفلاح بها بعد سنوات طويلة من فقدانها.