وزارة النفط و الثروة المعدنية: لماذا تتجاهل قرارات الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش؟
مؤخراً تحدث رئيس مجلس الوزراء أمام مجلس الشعب عن نشاط الحكومة في مختلف المجالات الاقتصادية والخدمية، ومما أشار إليه في إطار مكافحة الفساد قيام الحكومة بإعفاء ( 18 ) معاون وزير وأكثر من ( 40 ) مديراً عاماً، إضافة إلى متابعة الحكومة إجراء تقييم أداء وكفاءة مدراء عامين للمؤسسات والشركات.
ويبدو أن إعفاء مدير عام الشركة العامة للفوسفات والمناجم ومدير عام المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية قد جاء في هذا الاطار.
وكأنك يا أبو زيد ما غزيت
نعم كانت هذه خطوة هامة، لكن المشكلة هي في اختيار البديل المناسب فعلاً والذي يمتلك رؤية واضحة لوقف نهب المال العام وهدر مقدرات الشركة وتنظيفها من رموز الفساد في معظم مفاصل الشركة الادارية، وهنا لا يبدومفهوماً سعي بعض الجهات السياسية النافذة ورموز الإدارة السابقة والحالية إضافة إلى الوزير السابق للنفط والثروة المعدنية «سفيان علاو» إلى تكليف شخص قد تم تكليفه سابقاً لمنصب «مدير عام»، أي أن الجهود تبذل دونكلل كي يستمر مسلسل الفساد ونهب المال العام مستمراً، اذ كيف لنا أن نفهم تبني السيد «عبد الرحمن البيريني» لشغل هذا المنصب ؟!
لقد تم تكليف المذكور أعلاه بالقرار رقم ( 4724 ) تاريخ 20-10-2010 لشغل منصب مدير عام الشركة، وتم إنهاء العمل بهذا القرار بتاريخ 16-12-2010 بالقرار رقم ( 6098 ) اي بعد مرور أقل من شهرين ؟!
ترى ما هو الجديد بعد مرور سنتين على إعفائه ليتم إعادة طرحه من جديد؟! ، وهل لا يوجد في هذه الشركة كادر مؤهل لشغل هذا المنصب ؟ ولماذا يتم تجاهل عشرات المهندسين العاملين في هذه الشركة واستبعادهم من أيدور أو وظيفة، ويتم حصر كافة المناصب الهامة بأشخاص لم يتم المس بهم أو تغييرهم ولأكثر من عشر سنوات ؟!
أسئلة كثيرة حقاً والإجابة عليها هي بديهية حقا !! نعم نحن في حالة حرب وعلى كافة المستويات والأصعدة، والحرب مع رموز الفساد لا تقل أهمية عن محاربة التنظيمات الارهابية المسلحة، حيث كل منهم وبطريقته يشكلخطراً وجودياً للدولة.
بين لعبة الأرقام والقرارات المجمدة والفساد المعلن
في العدد رقم ( 582 ) تاريخ 24-12-2012 لجريدة قاسيون وفي مقالة بعنوان:
« أين وزارة النفط والثروة المعدنية من قطاع الثروة المعدنية «، أجبنا عن التساؤلات المثارة أعلاه، وقد أوردنا أرقام القرارات الصادرة عن الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش التي أوصت جميعها بإبعاد رموز الفساد في هذهالشركة، وعدم تسليمهم أية مناصب قيادية أو إدارية فيها، ولا بأس من إعادة التذكير بها:
القرار رقم /34/284/4/ع ب تاريخ 1752000
القرار رقم /4/4/1060/18 م . ع تاريخ 20102008
القرار رقم /4/34/1221/4/ ت خ تاريخ 2182009
القرار رقم /4/34/49/4 م . ح تاريخ 1622010
جميع هذه القرارات قضت بإبعاد كل من:
ـ الجيولوجي «عبد الرحمن البيريني» - مستشار المدير العام حالياً.
ـ السيد «نجيب المرعي» - المدير المالي حالياً.
ـ المهندس «بسام إسماعيل» - المدير الفني حالياً.
ـ المهندس «محمد الحمد» - مدير الإنتاج حالياً.
ـ المهندس «غسان مخيبر» - مدير التحميل حالياً.
( 5 ) مليار ل.س تكلفة الإنتاج الوهمي للفوسفات
وهنا لا نرى ضرورة التذكير بدورهم في إنفاق قرابة الـ ( 5 ) مليار ليرة سورية على إنتاج وهمي للفوسفات، وكشف الردم للفترة بين ( 2006-2010 ) فقط وفي مديرية واحدة فقط، إضافة إلى هدر ملايين الليرات مقابلخدمات لهم وتعويضات بمعظمها غير مبررة!؟.
ترى لماذا يتم تجاهل كل هذه القرارات الصادرة من الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، ولمصلحة من عدم تنفيذ هذه القرارات وتجميدها، لا بل على العكس من ذلك تماماً تجري المحافظة عليهم والتمديد لبعضهم لأكثر من مرةلمن تنتهي خدماته بحكم السن القانوني ؟!.
لماذا؟ ، إن الجواب على هذا السؤال قد جاء في مضمون القرار رقم ( 6.س ج ) تاريخ 12-10-2008 ، الصادر عن الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، والمتعلق بملف تسويق مادة الفوسفات وتسعيرها للفترة من ( 2000وحتى العام 2007 ).
حكومة «العطري» وجهّت بتجميد ملف فساد معلن!!
أتى التقرير بنتائج مذهلة، حيث ثبت أن الفوسفات السوري يتم بيعه وتسويقه بأقل من سعره العالمي بمقدار النصف كحد أدنى، وهذا ما أثار حفيظة المسؤولين عن تسويق هذه المادة ( لجنة التسويق ويرأسها الوزير سفيانعلاو )، ما حذى بهم إلى لفلفة الموضوع، وكان التجاوب من رئيس مجلس الوزراء الأسبق «ناجي العطري» سريعاً حيث تم التوجيه إلى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بحفظ الموضوع بموجب الكتاب رقم ( 52/1 ) تاريخ4-1-2010 ، وكان هذا التوجيه استجابة لكتاب وزارة النفط رقم ( 1663/19/س ) تاريخ 2-1-2010 أي أن الاستجابة كانت فورية وخلال يومين فقط ؟؟ّ!
ترى أين تكمن الحكمة والمصلحة الوطنية في حفظ هذا التقرير حتى الآن، ولم كل هذا التهاون بثرواتنا الوطنية !
رموز الفساد مصرة على التوجّه غرباً!؟
من هنا نفهم لماذا تحاط كافة عقود بيع الفوسفات بسرية تامة، ومن غير المتاح لأحد الاطلاع على تفاصيلها، ومن هنا أيضاً نفهم لماذا تتم محاربة كافة الشركات الراغبة بشراء الفوسفات السوري من دول أوروبا الشرقية، ويتمالاكتفاء ببعض شركات أوروبا الغربية، ومن هنا نفهم سبب التعمد في تعطيل الموازين في المناجم ومديرية التحميل بطرطوس، وبالتالي تعذر معرفة كمية المنتج والمصدر من الفوسفات، ومن هنا أيضا نفهم سبب المحافظةعلى أشخاص بعينهم في لجنة الغاطس في مديرية التحميل وكذلك المخبر ... نعم الكثير من الالغاز يمكن تفسيرها بعد قراءة التقرير الأخير للتفتيش !!.
ماذا يعني أن يباع الفوسفات السوري بأقل من نصف ثمنه ؟! ، نقول وببساطة إنه في الفترة المشار إليها ومن واقع المجموعات الاحصائية للشركة للأعوام بين ( 2000-2008 )، يتبين أن كمية الفوسفات المصدرة بلغت ( 19,630 ) مليون طن وبقيمة إجمالية بلغت ( 322,867 ) مليون دولار للاعوام ( 2000-2006 )، و(347.771 ) مليون يورو للاعوام ( 2007-2008 )، وبمعدل وسطي لسعر الطن حتى بداية العام ( 2007 ) لم يتجاوز الـ ( 22 - 25 ) دولار للطن الواحد، وقد قارب الـ ( 50 ) دولار في العام ( 2007 )، وتجاوز الـ ( 150 ) دولاراً في العام ( 2008 ) أي ان السعر الطبيعي لطن الفوسفات هو ليس ( 22 - 25 ) دولاراً، علماً بأن كلفة إنتاج الطنفي شركة الفوسفات السورية أكبر مما يباع به قبل تعديل أسعارها بعد تقرير التفتيش.
(500) مليون دولار لم تدخل واردات شركة الفوسفات!!
هنا نفهم السبب في تحقيق هذه القفزة في سعر الطن إلى ( 150 ) دولاراً وخلال أشهر معدودة بعد صدور قرار الهيئة العامة للرقابة والتفتيش رقم ( 6 س.ج ) تاريخ 12-10-2008 ، وهي أقل بكثير من الأسعار الواردة منالاتحاد العربي للأسمدة والفوسفات (مقرها المغرب) ونحن عضو بها، وقد قامت بعض الشركات العربية المنتجة للفوسفات بتقديم شكوى إلى الاتحاد المذكوربسبب قيام شركة الفوسفات السورية ببيع إنتاجها بأقل من سعرهبكثير، ومن هنا نفهم دواعي وزارة النفط وطلبها من رئاسة مجلس الوزراء بحفظ الملف!!.
وبنتيجة تدقيق هذه الأرقام يتضح أن الإنتاج السوري للفوسفات بيع بأقل من ( 50 % ) من قيمته الفعلية ولسنين عديدة ولشركات محدودة أيضاً، ترى أين ذهب الفارق بين السعر الحقيقي للفوسفات وبين السعر المعلن الذي تمبموجبه البيع ؟؟!
يتضح مما تقدم أعلاه أن سعر الطن الواحد من الفوسفات هو أكثر من ( 50 ) دولاراً، وأن الكمية المصدرة لهذه الفترة لم تدخل واردات الشركة بنسبة تصل إلى ( 50 % ) في أحسن الأحوال، ما يعني أن كمية تتجاوز الـ ( 10 ) مليون طن لم تدخل قيمتها واردات الشركة، وهذه القيمة تتجاوز الـ (500) مليون دولار ؟!
ترى أين ذهبت هذه الملايين وفي أية جيوب استقرت ؟!
مع العلم ان بعض الشركات التي لم تكن ترضي «القائمين على تسويق الفوسفات» كان يتم تزويدها بفوسفات لا يتطابق مع المواصفات العقدية، ما أدى إلى عزوف تلك الشركات عن شراء الفوسفات السوري وتوجههم إلىمنتجين آخرين، وفي هذا الصدد هناك شكاوى عديدة من تلك الشركات، تم توجيهها إلى إدارة شركة الفوسفات السورية.
هل تجرؤ الحكومة الحالية على فتح «الملف الكبير»؟
أصبح الجواب واضحاً على ما تقدم أعلاه من تساؤلات، وأصبح واضحاً سبب إصرار كل من وزارة النفط وشركة الفوسفات على وجود مدير عام لهذه الشركة، وممن يتعهدون بمتابعة حفظ الموضوع، ومن هنا نلمس الجوابعن سر تجاهل قرارات الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، وعدم تنفيذ أي منها.
مما تقدم أعلاه نرى أن من واجب رئاسة مجلس الوزراء الوطني والأخلاقي مساءلة وزارة النفط وشركة الفوسفات والتحقيق معهم بمصير هذه الثروة الوطنية، ومحاسبة كل المرتكبين فيها وليس إبعادهم فقط واستبدالهم بنسخ مكررة عنهم .