آخر المشافي الحكومية المجانية في دمشق
ماهر فرج ماهر فرج

آخر المشافي الحكومية المجانية في دمشق

بين الأزمة التي تعيشها سورية وما يرافقها من ارتفاع في المتطلبات الحياتية والصحية، يبقى المواطن السوري صاحب الدخل المحدود أو شبه المعدوم الخاسر الوحيد، نتيجة ظروفه الاقتصادية المتردية والتي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم منذ بداية الأزمة وحتى الآن، الأمر الذي يفرض عليه الوقوع تحت سلطة البيروقراطية والروتين الناجم عن سوء التنظيم الإداري والتخطيط وعدم إيلاء الاهتمام للمبادرات البناءة التي تساهم في القضاء على المظاهر السلبية وترمم الضعف الملحوظ في إدارة المرافق العامة لدولة، إضافة لبعض المظاهر التي توحي باقتراب عهد الخصخصة لبعض المرافق العامة لكن تحت أسماء مختلفة عن السابق باعتبار كلمة «خصخصة» تقلق المواطن، ولاسيما إذا ما ارتبط بقطاع الصحة والعلاج المجاني الذي كانت تكفله الدولة للمواطن فيما سبق والتي بدأت تضيق في وجه المواطن السوري في وقت صعب اجتماعيا واقتصادياً.

مشافي الهيئات في دمشق

لم يبق في محافظة دمشق سوى مشفى واحد يقدم العلاج بصورة مجانية بشكل كامل، بعد أن تحولت مشفى المجتهد إلى ما يعرف باسم هيئة مستقلة بمعنى أنها لم تعد تابعة في تمويلها والرقابة عليها من وزارة الصحة، بل تمول نفسها ذاتياً من خلال الأجور الرمزية التي تتقاضاها من مراجعيها المرضى، كما أنها تراقب أداءها بنفسها، رغم بعض القصص التي دارت حول هذه المشفى في ما مضى رغم أنها كانت تحت رقابة وزارة الصحة، ورغم أن أجورها رمزية كما يقال إلا أن تطبيق هذه الخطوة ربما جاء في وقت يحتاج فيه المواطن في سورية لأية مساعدة ولو كانت بسيطة خصوصاً في ظل الأزمة وما يرافقها من صعاب معيشية تواجه المواطن، خصوصاً في وقت باتت دمشق ملجأ لعدد كبير من المواطنين المهجرين من المحافظات السورية الأخرى والذين استقروا في دمشق، الأمر الذي أدى إلى تضاعف عدد سكان مدينة دمشق خمس أو ست مرات عن العدد الأصلي المرتفع أصلاً، ومعظم المهجرين من ذوي الدخل المحدود أو المعدوم بشكل أخص بعد أن أجبروا على ترك محافظاتهم وبذلك ترك مصادر رزقهم، ومعظمهم متواجدون في دمشق دون عمل، يعتمدون في تأمين متطلباتهم اليومية على المساعدات التي تأتيهم من هنا وهناك، بذلك فإنهم بأمس الحاجة لمشافي مجانية لعلاج عدد كبير من الإصابات الناجمة عن العنف والعنف المضاد التي تشهده معظم المدن والقرى السورية، فهل يعقل أن يبدأ تحويل مشافي دمشق إلى ما يعرف باسم الهيئات المستقلة في هذا الوقت بالذات؟ وهل يستطيع مشفى واحد وهو «ابن النفيس» تحمل هذا الضغط الهائل من المرضى؟ فبرغم من أن أجور مشفى المجتهد رمزية إلا أن وضع المواطن في سورية عموماً ودمشق خصوصاً لا يسمح له بتحمل هذه الأجور الرمزية في الوقت الحاضر، وهو بحاجة ماسة في هذا الوقت لأي مساعدة بدل أن نزيد الضغوط عليه.

سلبيات المشافي الحكومية

رغم أن المشافي الحكومية تقدم خدمات طبية مجانية للمواطن والتي بدأت تضيق مساحتها لمصلحة مشافي الهيئات، فعلى المواطن الفقير تحمل ما تعانيه هذه المشافي من بيروقراطية وروتين وسوء التنظيم الإداري، وضعف الإمكانات والكوادر الطبية البشرية القادرة على تحمل الأعداد الهائلة من المرضى، خصوصاً بعد تحويل عدد كبير من المشافي الحكومية إلى ما يعرف بالهيئات، بالإضافة إلى عدم قدرة ما بقي من مشافي عامة مجانية على معالجة لكل الأمراض لأن لكل مشفى اختصاص أو أثنين أساسيات تختص بهم إلى جانب معالجة بعض الأمراض البسيطة، بذلك فأن عدداً كبيراً من المواطنين الذين يحتاجون إلى رعاية طبية في بعض الأمراض التي تعالجها مشافي الهيئات، سيحرمون من الرعاية الطبية المجانية، رغم ضعف إمكانياتهم المادية وحاجتهم لها في لظروف الحالية.

ومن أهم المشاكل التي يعانيها الموطن الذي يلجأ للمشافي الحكومية التي لا تزال حتى الآن مجانية.

مشكلة تأجيل العمليات الجراحية للمرضى المحتاجين لعمل جراحي بحجة أن هناك دوراً على المرضى التقيد به نتيجة عدم وجود تجهيزات وكوادر بشرية كافية.

عدم قدرة هذه المشافي على تأمين معظم العلاج، أي الأدوية التي تكفي لجميع المراجعين وخصوصاً في ظل الأزمة التي تعصف بسورية وتزايد عدد المصابين نتيجة العنف والعنف المضاد.

اعتماد هذه المشافي على أطباء مقيمين من الطلاب أو الأطباء الجدد التي تنقصهم الخبرة خارج أوقات الدوام الرسمي، ما قد يتسبب في أخطاء في تشخيص الحالة، خصوصاً أنه في بعض الأوقات يقوم الأطباء المقيمين من مراحل متقدمة ممن تنقصهم الخبرة بالإشراف على عمل الأطباء المقيمين الجدد خصوصاً في أوقات الدوام ما بعد الظهر وفي الليل، ما قد يعرض المرض إلى الخطر.

الأرشيف والمشافي

اعتادت المشافي في سورية على إتلاف أرشيفها كل خمس سنوات على الأقل، بسبب اعتمادهم في أرشفة الحالات المرضية التي ترد إليهم على سجلات ورقية تحتاج بعد تراكمها عبر عدة سنوات إلى مساحة كبيرة لحفظها، كما أن هذه السجلات الورقية تتعرض للاهتراء بمرور الوقت.

كما أن إتلاف هذه المشافي للأرشيف يدل على عدم تقدير لأهميته وما يقدمه من معلومات مهمة في تدريب الأطباء الجدد، وهو في حال الرجوع إليه لتدريب الأطباء الجدد سيكون غير قادر على تقديم التوصيف والتشخيص الكامل لكل حالة بسبب اعتماده المعلومات المكتوبة وافتقاره للصور التوضيحية والتي غالباً ما تكون غير صالحة نتيجة التخزين لمدة طويلة بطرق تقليدية، رغم وجود الحواسب الإلكترونية في هذه المشافي، والتي تتيح أمكانية تخزين المعلومات والصور الطبية التشخيصية للمريض قبل وأثناء وبعد العلاج على قرص صلب وبذلك لن يحتاج الأرشيف لغرف كبيرة لتخزين الأرشيف. كما أنه يمكن أستخدامه في تدريب الأطباء الجدد من خلال عرض الحالات المرضية وتقديم المعلومات كافية والوافية عنها من خلال الصوت والصورة الواضحة خصوصاً لتدريب الأطباء الجدد على الحالات النادرة التي قد لا تصادفهم في فترة تدريبهم، إلا أن معظم المشافي الحكومية وربما الخاصة في سورية مازالت تعتمد في أرشفة بيانات مرضاها على السجلات الورقية رغم كل سلبياتها.

مبادرة تستحق الاهتمام

بما أن أمراض العظام من الأمراض التي تتطلب علاج فورياً ارتأت «قاسيون» مناقشة ما تعانيه المشافي الحكومية وسبب عدم قدرتها على تقديم العلاج الفوري خصوصاً فيما يتعلق بتأجيل العمليات، مع رئيس شعبة العظمية في مشفى «ابن النفيس» الدكتور «رامز أورفه لي» خصوصاً بعد سماعها بالحلول التي وضعتها شعبة العظمية في هذه المشفى لتلافي معظم المشاكل التي تعاني منها المشافي في سورية.

يقول أورفه لي: «إن البيروقراطية والروتين الذي يصادفه المريض في المشافي الحكومية هو نتيجة الضغط في أعداد المرضى الواردة إلى المشفى ورغم أن معظم المشافي الحكومية المجانية  في سورية مجهزة بأحدث التجهيزات وبأكفاء الكوادر إلا أنها لا تستطيع تحمل الضغط الذي يواجهها في أعداد المرضى، يرجع السبب إلى قلة الكوادر البشرية والأعداد الكبيرة من المرضى الذين يلجؤون إلى المشافي الحكومية لتلقي العلاج المجاني، مما يتطلب تأجيل بعض الحالات المرضية خصوصاً التي تتطلب إجراء عمل جراحي ووضعها على سجلات الدور حتى لا يأخذ أحد المرضى دور غيره».

أما في ما يتعلق بالطريقة التي تعمل بها شعبة العظمية في مشفى ابن النفيس، فيقول الدكتور «رامز»: «حاولنا في شعبة العظمية تفادي معظم المشاكل التي تصادف المواطن عند لجوئه إلى المشافي الحكومية المجانية بهدف تأمين الخدمة الصحية الجيدة والسريعة، خلال اتباع مجموعة من الخطوات التنظيمية البسيطة، وخصوصاً الحالات المستعجلة التي لا يمكن، لأن أمراض العظمية في مجملها لا يمكن التأخر مثل الكسر في العظم والذي قد يأخذ وضعية خاطئة فيما لو تأخر في علاجه لأن العظام تقوم ترميم نفسها تلقائياً؛

أولاً- قمنا بتقسيم الحالات التي تتوجب إجراء عمل جراحي إلى نوعين، حالات جراحية مستعجلة إسعافي؛ وحالات باردة يمكن تأجيلها إما لعدم خطورتها ولا يترك تأجيلها مضاعفات سلبية على حالة المريض، أو لأسباب صحية تتعلق بالمريض لأنهم يعانون من أمراض أخرى قد تتأثر في حال علاج أمراض العظام مثل كبار السن الذين يعانون من أمراض مزمنة كـ(الضغط، القلب، السكري)، حتى يتم ضبط الأمراض المزمنة التي يعانون منها تفادياً لأية أخطار قد يتعرضون لها خلال علاج أمراض العظام التي يعانون منها، والأولوية دائما للحالات الاسعافية.

ثانياً- أما فيما يتعلق بأهمية الأرشيف وضرورة تنظيمه والاحتفاظ به في كل مشفى، فقد بدأنا في شعبة العظمية بمبادرة شخصية بإعداد أرشيف رقمي على الحاسب الالكتروني خاص بمرضى الشعبة، يكون فيه لكل مريض صفحة الكترونية يخزن فيها كل معلوماته الشخصية وتوصيف كامل ومكتوب لحالته المرضية بما في ذلك نوع المرض وإجراءات علاجه مرفقاً بصور أشعة قبل العلاج، وتبقى محفوظة لدينا مدى الحياة، والفائدة التي نجنيها من هذه الطريقة في تخزين بيانات المرضى، عدم الحاجة إلى أماكن ضخمة لحفظ الأرشيف المتراكم كما في حالة السجلات الورقية، نستطيع الرجوع إليها عند الحاجة بسرعة ودون جهد لأي سبب كانت».

ويضيف أورفه لي: «لهذه الطريقة في تخزين بيانات المرضى فائدة كبيرة في تدريب الأطباء الجدد المقيمين في المشفى اطلاعهم عليها بين الفينة والآخرة من خلال محاضرات نجريها لهم بشكل أسبوعي ودوري، خصوصاً الحالات التي قد لا يصادفها الطبيب المقيم في فترته، نحن بذلك بدل أن ننتظر المقيم حتى يتسنى  له مصادفة نشرحها له بشكل عملي، نقوم بعرضها عليه من خلال الحالات التي تم تخزين معلومات الحالة المرضية بشكل كامل مع الصور التوضيحية الطبية، وخلال هذه المحاضرات نقوم بعرض بعض الحالات على الطبيب المقيم لتأكد من معلوماته ومدى تقدمه في تدريبه، إضافة إلى الحالات التي يساهم مع الطبيب الرئيسي المشرف على تدريبه في علاجها بذلك نكون قد قدمنا المنفعة ونقلنا كماً كبيراً من المعلومات للأطباء الجدد بأقل وقت وجهد وهذا ما سيساهم في تطوير وتحسين أداء شعبة العظمية في مشفى أبن النفيس خصوصاً وفي المشافي الأخرى عموماً».

ويختم رئيس شعبة العظمية في ابن النفيس حديثه لـ «قاسيون» بالقول: «بفضل هذا الخطوات تمكنت شعبة العظمية من إجراء أكثر من 400 عملية جراحية في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام 2012».

ويبدو في نهاية المطاف أن المبادرات النوعية التي تستطيع الكوادر الوطنية تقديمها لتطوير المشافي في البلاد قادرة على تحسين وضع الخدمات الصحية وتطوير مستوياتها، نحو تقديمها بأفضل شكل للمواطن السوري في كل المحافظات، وهذا ما يتطلع الجميع إلى رؤيته أمراً واقعاً لا محالة.