إحساس جديد!
نقلت أخبار «أبو غريب» وصوره-حين ظهرت- المواطن العربي إلى حالة من الذهول.. فالديمقراطية الأمريكية، وحقوق الإنسان، وكرامة المواطن، وقداسة الروح، ظهرت بزيها الحقيقي، وظهر معها النتن الطاوي تحت الملابس الحريرية الناعمة والقبعات المدورة.
لم تفلح- وقتها- كل الجهود الإعلامية، التجميلية والترقيعية التي كلفتهم الملايين، في محاولاتها اليائسة لتطهير جزء من الصورة، تلك التي علقت في ذاكرة كل عربي وكل حر في هذا العالم الواسع، والتي ستبقى في مكانها ولن تمحى إلا.. بالقصاص العادل.
وعذراً.. فإني قد أتصور تلك الأفعال الإجرامية المرضية ممن يكنون العداء القديم لحضارتنا ولكل حضارة سبقتهم، وممن يعدون العدة للسيطرة على منطقتنا، طبعاً-ولا شك- بغية القضاء على الإرهاب فيها!
ولكن كيف لي أن أتفهم عودة تلك الصور البشعة المقززة، صور الضرب والتعذيب، صور الوحشية والإجرام، والتي جاءت برائحة أكثر نتناً، ومناظر أكثر خرقاً، فلقد خرّقت القلوب قبل أن تخرّق العيون..
كيف لنا بصورة تدخل بيتنا لتقول لنا بكل أسى، العربي أشد بأساً وأكبر مقتاً وأوسع حقداً وأعمق مرضاً، من كل أمريكي وصهيوني مارس عهره ومرضه وهوسه في بلادنا..
كيف يقبل عقلنا السليم تلك العقول المريضة التي تظهر كل خبث وبؤس، في اعتداءات وحشية على شبان وفتيات، كان الواجب أن يقدم لهم كل الحب ليكونوا البناة الحقيقيين للوطن..
أأذكر لكم صورة الشاب الذي تفتت جسده تحت عربة الشرطة، أم أعيد على مسامعكم بعد أن مر على ناظريكم مشهد اليافع الذي قتل برصاص الشرطة المصرية بكل برودة ولؤم..
أأصابكم الغثيان بمنظر الضابط العربي!! الذي يضرب الشاب العربي المصري مراراً وتكراراً على وجهه، ووجه الشاب يرتج من الألم، والضابط يعيد الجولة مراراً وتكراراً.
أم مر عليكم منظر الشابة الصغيرة المعلقة من أطرافها الأربعة كالنعجة!! مرور الكرام، ومن ثم انتقلتم إلى قناة أخرى لمشاهد أخرى..
أعتذر أشد الاعتذار من حضراتكم لإساءتي إلى مسامعكم بما ذكرت، وربما الواجب أيضاً أن تعتذر القنوات عن عرض مثل تلك الصور، ولكن.. قبل الاعتذار هل نعتذر لأنك شعرت بالغثيان مما سمعت أو رأيت، أم لأنك يا سيدي، ربما كنت قد وضعت نفسك للحظة- لحظة واحدة- مكان واحد من هؤلاء..
ثم قلت في نفسك: أنحن أشد مكراً أم من هم في القارة البعيدة، ألذي حصل في«أبو غريب» من عدو إلى عدو.. أسفل وأحقر أم من عاداك وهو ينبس بلهجتك، ويتزيى بزيك!
أتفرقون بين ما يقوم به العدو الصهيوني وعلى مر تلك السنين بالفلسطينيين، وما فعله الأمريكيون في السودان والعراق وغيرهما، مع ما يجري في مصر اليوم؟!
والله إن كنتم لا تفرقونها فإني أفرق بينها، وإن كنتم تحسبونها واحدة فأنا لا، فوالذي نفسي بيده ما هم من أبناء هذا الشعب، ولا هم من العربان، إن هم إلا مسوخ لا نستطيع الجزم بهويتهم الحقيقية، حتى يتم عقابهم بصلبهم، ومن ثم تحليل دمائهم ودراسة أدمغتهم!
ولا ندري إن كان الذي ظهر حتى الآن.. هو كل الحدث، أم إن الثورة الأبية وصمودها سيكشفان عن مسوخ آخر، ولسنا على يقين أهم في مصر وحدها أم لهم أشباه أخر!
ولكني على مثل اليقين أن عقاب هؤلاء اليوم هو البوابة لعقاب شركائهم أصحاب «أبو غريب» من الصهاينة وحلفائهم، وفي محكمتنا بعد حين، أما النجاة فهي للأسف ستكون نجاة كل ظالم وغاشم، عاش على دماء الشعوب.
أولئك المسوخ.. الذين تبلدت أحاسيسهم وماتت منذ زمن بعيد، يحاولون اليوم أن يمضوا بأحاسيسنا لما مضى من أمرهم..
فإن بدأت أحاسيسكم بالتبدل فإني أنصح بأن تنحرفوا بها، وتمارسوا من فضلكم تحكماً آنياً، فتحولونها شيئاً فشيئاً إلى مشاعر معدة لتتبرأ من كل مالم يؤمن حتى اليوم بحق الشعوب وإرادتها.. من كل من يعتبر نفسه فوق الشعوب.. سيدها ومالكها.
إحساس جديد.. إحساس بأن السيادة عادت للشعب!!
وأن لا حياة لمن لم يؤمن بإحساس الشعب!