حريق سينما عامودا ودروس الخلود
نسرين تيلو نسرين تيلو

حريق سينما عامودا ودروس الخلود

في يوم 13- تشرين الثاني من كل عام، تنحني الهامات إجلالاً لروح البطل محمد سعيد آغا الدقوري، الذي اقتحم النار لإنقاذ أطفال عامودا المتلظين بنار المحرقة داخل سينما عامودا غير آبه بصرخات التحذير وألسنة اللهب..

بعد اقتحامه النيران أكثر من مرة، صرخ أحدهم به محذراً: هل أولادك بينهم يا سعيد؟ فرد غير آبه بألسنة الجحيم: أبناء عامودا كلهم أبنائي...

فطوبى لروحك يا سعيد.. طوبى لروحك أيها الخالد وقد سطرت مجدك بالتضحيات قولاً وفعلاً.. باقتحامك ألسنة الموت لتنقذ طفلا تلو الآخر، تواقاً إلى إنقاذهم أو الموت معهم، وليس الاكتفاء بالسير تحت جثامينهم الغضة إلى المقابر. اجتاحك عشق الانتماء.. فأحالك إلى رجل بحجم وطن.. وضعك أمام قدرك وجهاً لوجه بين حلم ونار. واحد وخمسون عام وأنت توغل في الخلود مع أطفالك الثلاثمائة.. بعد أن أحرقت النار حلمك وأحرقت شدو أطفالك.. يمر موكب ذكراك فتنتفض عامودا المتدثرة بجراحها يخنقها الأسى والدموع تنحني أمام موكب ذكرى بطل استثنائي آثر الرحيل مع أبنائه ..

أيها الغائب المقيم بيننا، أنت لم تغادرنا بأطفالك يوم الثالث عشر إلا لتعود إلينا في الموعد نفسه لتقرأ باسم درسك البليغ في الإيثار، ولنتعلم منك ما لم نعلم. فهلا رآك الأوفياء وأنت تؤم صلوات العيد وخلفك ملائكتك الصغار أطفالك الثلاثمائة... أطفال من خيرة ما اختاره لك الله.. وألبسك بهم تاج الأبوة بلا منازع. فهلا أتقنت العيون قراءة ألوانك وأبجدية لهبك النقية؟!