إرهاصات رقاوية.. المفارقات الزراعية
يقولون إن الأمثال في المنطقة الشرقية، والتي تحكي بلغة المعاناة والواقع، هي لسان حال الحقائق على الأرض، ومنها: «درب سعيد... درب أخوه»!.
ونحن نقول: كل عام والزراعة والفلاح السوري راعي الزرع ومدرر الضرع.. بوزير جديد لها!.
أصبح الفلاح ومهنته حقلاً للتجريب، تمارس فيه كل الوصفات التي من الممكن الخروج منها برائحة بخور تعطّس الأنوف المزكومة كي تتفتح وتشم عبق الحياة.
لقد تحدثنا وتحدث الجميع على مدار السنين عن الزراعة في بلدنا، مع العلم بأن جميع السوريين متفقون لأول مرة على أنه منذ أكثر من خطة خمسية والزراعة مثقلة الكاهل ومكبلة المعصمين، وقيودها صعبة المراس لا يمكن أن تفلّ إلا بشق الأنفس، وهم متفقون أيضاً على أن الزراعة بشقيها النباتي والحيواني تعتبر أساس الاقتصاد، وهي اللبنة الأولى التي توضع في مدماك بناء الاقتصاد الوطني المأزوم، ولا شك أن الزراعة عانت الكثير منذ سنوات عديدة من أمور مدمرة أهمها الجفاف الذي يحكم المنطقة منذ أكثر من عقدين حتى الآن، في حين يقوم المقصرون بواجبهم بتعليق كل أخطائهم على هذا المشجب، وثانيهما الأمور المدمرة للزراعة كانت السياسات الاقتصادية التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة، والتي لا تعرف سوى تبني مصالحها الخاصة وشركاتها ومعاملها ممثلة بفريقها الاقتصادي الذي يستمد قوته ودعمه من كل الجهات عدا الجهة الشعبية، غير آبه بأحد، وشغله الشاغل نهب المال العام وسرقة ونهش لحوم الفقراء، وهو كالكواسر عندما تشم رائحة اللحم وترى لون الدم فتتحرك غرائزها ولا يروي غليلها الشيء اليسير، إلى أن أصبحت فريستها أخيراً الوطن، بما فيه من عباد.
قامت الحكومات المتعاقبة كما يعلم الجميع برفع أسعار مستلزمات الزراعة بدءاً من أسعار المحروقات وليس انتهاءً بأسعار الأسمدة والمبيدات الحشرية، التي هي بالأصل فاسدة من موطنها، وفي المقابل حافظت الحكومات على أسعار منخفضة للمحاصيل الزراعية لا تتناسب وارتفاع التكاليف أبداً.
أما الثروة الحيوانية في البلاد فقد عانت من الذبح العشوائي والتصدير المزاجي بما يرضي أهواء التجار ويحقق لهم أرباحاً لا يمكن تقديرها، بالإضافة إلى جفاف البادية وارتفاع سعر الأدوية البيطرية واللقاحات وعدم الاهتمام بالبادية السورية وبمربي الماشية، ناهيك عن ارتفاع سعر المواد العلفية وقلة وجودها في المراكز، بينما تتوافر وبكثرة في السوق السوداء المدعومة من مسؤولي الحكومة وبأسعار سياحية.. كل هذا أدى إلى التدمير المتعمد للثروة الحيوانية ورغم المناداة والتحذيرات، ولا كأنكم يا قوم تسمعون بينما الطبول تقرع والدبيكة تملأ الساحة!.
وأخيراً ذاب الثلج وبان المرج، ودارت حصادات القمح لتعلن تراجع معدلات الإنتاج البدائية عن الأعوام الماضية وأصبح (حساب السرايا بعيداً كل البعد عن حساب القرايا) والسبب أن الفلاح لم يعط الأسمدة الكافية لزراعته، وذلك لكون سعر طن سماد اليوريا أثناء الموسم وصل إلى /60/ ألف ليرة بينما سعر طن القمح بـ /20/ ألف ليرة.
ولا نعلم بماذا سيتحفنا السيد وزير الزراعة الجديد (الذي أصبح مع صدور هذا العدد رئيساً للوزراء!)، وعسى أن يكون تخفيض أسعار مستلزمات الإنتاج وتوفيرها لدى المصارف الزراعية والعمل على تحسين الواقع الزراعي هو التحفة المنتظرة، لتجنب كل ما هو إرهاص محتمل!.