الطب مهنة إنسانية أم تجارة بأوجاع البشر؟!
بات من المؤسف القول إن أرقى المهن وأكثرها إنسانية تحولت إلى مهنة استغلالية وربحية بحتة. ومن هنا فإن الارتفاع الكبير في الأجور والمعاينات الطبية ليس بالحدث العادي، لأن الطبابة أمر يهم الناس بمختلف شرائحهم وأجور الأطباء تلعب دوراً أساسياً في نوعية العلاج التي يحصل عليها المواطنون، وطبعاً فإن اختيار الطبيب الذي يقدم العلاج الملائم للمريض ولكن بمبلغ وسعر سياحيين، سيزيد في أوجاع الشخص ويرهق كاهله حتى وإن كان هذا الطبيب من أمهر الأطباء.
هذا الأمر كان الأساس الذي دفع بوزارة الصحة سابقاً إلى إلغاء قرار يقضي بزيادة التعرفة الطبية، وإصدار قرار جديد ينص على تخفيض أجور الأطباء بنسبة تراوحت بين /30% إلى 50%/، غير أن هذا لم ينل استحسان المواطن بعد والذي يعتبر ذلك حبراً على ورق، فتطبيق القرار على أرض الواقع هو المحك وليس غيره.
فعلى الأرض لم يأبه معظم الأطباء بالقانون الجديد، ولم يعلموا به، واستمر معظم الأطباء على المنوال نفسه حيث يقبضون ما يريدونه من المرضى بغية الوصول إلى الثراء الفاحش، وبعضهم تحولوا إلى تجار ليس إلا، مستغلين حاجة المريض إليهم.
الأطباء رأوا أن إلغاء القرار القائل بزيادة التعرفة الطبية بنسبة 100% أمر غير مبرر ومجحف بحقهم، وأن القرار الجديد الذي أصدرته وزارة الصحة ليس منصفاً بحق الأطباء من الصعب تطبيقه وقد نص القرار الجديد بتحديد أجور الأطباء على النحو التالي:
أجور كشف الطبيب الاختصاصي منذ أكثر من عشر سنوات : 700 ل.س
أجور كشف الطبيب الاختصاصي منذ أقل من عشر سنوات : 500 ل.س
أجور كشف الطبيب العام الممارس منذ أكثر من عشر سنوات : 400 ل.س
أجور كشف الطبيب العام الممارس منذ أقل من عشر سنوات : 300 ل.س
غير أن معظم الأطباء تجاهلوا القرار مستغلين عدم وجود الرقابة الفعلية أو الرادع الحقيقي من وزارة الصحة، ورغم أن التعرفة موجودة لكن الأطباء لا يلتزمون بها ويتقاضون ضعفها. ومن الأمور الملحوظة وجود عدد كبير من الأطباء يتبعون نظاماً في عيادتهم يقوم على دخول المريض متوجهاً نحو السكرتيرة لتسجل اسمه، ثم يمكنه الانتظار لاستشارة الطبيب بعد دفع أجور المعاينة سلفاً، وغالباً ما تكون الأجور مرتفعة كون الطبيب مشهوداً له بالخبرة والشطارة ويملك عيادة في منطقة فخمة، لذلك فإن إقبال المرضى عليه شديد والانتظار قبل المعاينة قد يطول لساعة أو حتى ساعات، وعند وصول المريض إلى سرير المعاينة يسارع الطبيب لمعاينته من أجل اختصار الوقت قبل أن يصف له مجموعة من الأدوية والتي يعتقد أنها السبيل إلى الشفاء. وحتى وإن علم الطبيب أن الموضوع ليس من اختصاصه وأن الحل موجود عند طبيب آخر فإن ما دفعه المريض يبقى في جيب الطبيب الذي أضاع وقته الثمين في هذه المقابلة مع المريض، والذي لم يستفد شيئاً بطبيعة الحال.
أمام هذه المخالفات اكتفت وزارة الصحة بإنذار الأطباء المخالفين وإحالتهم إلى مجلس تأديبي في حال تكرار المخالفة، غير أن هذا المجلس يتألف من أطباء النقابة أصلاً، ما يعني أنهم سوف يساندونه الطبيب لا المواطن. وهذا يجعلنا نحلم ونتمنى أن نجد في المستقبل القريب قانوناً ينظم عمل هؤلاء الأطباء، ويحمي المريض من جشع استغلال البعض من هم اتخذوا من هذه المهنة الإنسانية طريقاً للربح السريع وليس لخدمة الناس والمجتمع.