من الذاكرة : اجتماع طارئ
أبو نبيل رفيقي القديم العزيز على قلبي اتصل بي قبل أيام وسألني «ألا تريد زيارة الرفيق الأستاذ زهير؟» فأجبته «بلى أرغب في ذلك»، فقال «لقد اتفقت معه على موعد بعد عصر الثلاثاء، وسأوافيك أمام بيتك وننطلق معاً إلى داره بساحة الشهبندر». ترددت قليلاً إزاء هذا الموعد المفاجئ، فلدي في الخامسة اجتماع حزبي ولا أستطيع التوفيق بين الموعدين، ثم حسمت التردد وقبلت أداء الزيارة
وذهبنا حسب الموعد باتجاه داره، لكن رفيقي قال: «الموعد» ليس في بيته، وإنما في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة، وهناك التقينا وتبادلنا التحيات، والمفاجأة بالنسبة لي أنه ارتقى منصة المركز ليتحف الحضور بواحدة من محاضراته الرائعة، تناول من خلالها المرحلة الأولى من ممارسته تعليم مادة التاريخ التي اتسمت بنهوض المد الوطني لجماهير شعبنا في الخمسينيات، ثم ركّز الموضوع على عرض وتحليل وشرح ديوان شعر عثر عليه بين كتبه لأحد طلابه، فأحيا في نفوس السامعين دفقة الروح الوطنية، وفي نهاية المحاضرة أفصح عن اسم الطالب وهو فاروق مردم، وتاريخ صدور الديوان عام 1962، والديوان يضم قصائد عن الثورة الجزائرية وفلسطين ونضال الشعب السوري في سبيل توطيد استقلاله الوطني في وجه من أرادوا ويريدون إعادة سورية إلى التبعية والاستعمار.
وبعد انتهاء المحاضرة بمناقشة عامة شارك فيها الكثير من الحضور، اتجهنا مع الأستاذ المؤرخ والمربي الفاضل زهير ناجي إلى بيته في الطابق الرابع لبناء يطل على ساحة الشهبندر.
ونحن نصعد الدرج سألني «كم (أصبح) عمرك؟»، قلت «أنا في السابعة والسبعين» فقال الرفيق أبو نبيل سعيد شبلي «أنا أكبر منك بأربع سنوات» فضحك الرفيق زهير وقال له «وأنا أكبر منك بأربع سنوات، فأنا في الخامسة والثمانين من عمري».
وفي البيت كنا ثلاثتنا في لقاء جدول عمله ذكريات عشناها لعشرات السنين، ففي عام 1955 كان الرفيق سعيد وهو «جابي باص» سكرتيراً لفرقتنا الحزبية وأعضاؤها طلاب وبعضهم من طلاب الأستاذ زهير، ويمتد شريط الذكريات حتى يومنا هذا.
قد يسأل سائل: هل «يعادل» هذا اللقاء الاجتماع الحزبي الذي تقدمت باعتذار مسبق عن حضوره.. وجوابي.. نعم. ولسان حالي يردد:
ها دفقة الشوق والإنشاد يخصبها
هي الشرايين في الذكرى.. هي الكبد
أحباب قلبي يظل الحزب قلعتنا
لا نعرف اليأس في تاريخنا السند
إن المبادئ كالأطواد صامدة
الظالمون إن تعصف بهم بدد