وجه آخر لأزمة الأدوية في سورية.. «سلل دوائية» وأدوية كاسدة وتلاعب بالفواتير
قضية فقدان الأدوية من السوق السورية، مازالت تراوح مكانها بخصوص أنواع معينة تعود للسوق بشكل قليل ثم لا تلبث أن تختفي، ورغم تحذيرات الصيادلة وشكاوى المواطنين من فقدان هذه الأنواع أو شحها، إلا أن ذلك لم يردع تجار «الإنسانية» من استغلال حاجة المرضى لزيادة أرباحهم
وفي الآونة الأخيرة، برزت قضية جديدة لم تكن موجودة فترة انقطاع أنواع معينة من الأدوية بداية الأزمة السورية، وعلل البعض ظهور هذا النوع من الاستغلال نتيجة دراسة التجار لحاجة السوق من أنواع أدوية معينة بعد أزمات دوائية سابقة، وكانت الطريقة هذه المرة عبر ما أطلق اصطلاحاً عليها بين الصيادلة «السلة الدوائية».
وسابقاً، اقتصر الاستغلال على احتكار بعض المستودعات والشركات لأنواع معينة من الأدوية خالقين أزمة بهذا النوع بالترافق مع مطالبهم لرفع أسعار الأدوية بحجة عدم توافق الأسعار الحالية مع الغلاء الحاصل، وفي المنحى ذاته قام صيادلة حينها بإخفاء مخازينهم من الأدوية الحساسة انتظاراً لرفع الأسعار.
دواء مفقود مقابل مئات «الكاسدة»
أما في الوقت الحالي، وبعد استقرار أسعار الأدوية بعض الشيء، كانت أغلب الشكاوى مقدمة من «صيادلة» حول استغلال أصحاب المستودعات لهم عبر ما يدعى «سلل» دوائية، وبحسب صيادلة اشتكوا لصحيفة «قاسيون» فإن «بعض أصحاب المستودعات يقومون ببيع الصيادلة مئات الأدوية غير المطلوبة في السوق وغير المعروفة مقابل الحصول على عدد قليل من علب الأدوية المفقودة أو قليلة التواجد في الأسواق».
وبحسب الصيادلة فإن «المستودعات هذه لا تعطي الصيدلي أي نوع من الأدوية المفقودة أو قليلة التواجد في الأسواق إلا مع شراء الأدوية (الكاسدة) في طلب شراء واحد» مشيرين إلى أنه «حتى الأدوية المطلوبة متواجدة بعدد يتراوح من 3 علب إلى عشر فقط ضمن السلة، وهذا ما يدفع الصيادلة إلى بيع المواطنين كميات قليلة من الدواء عبر الشرائح».
تلاعب بالفواتير وأدوية مفقودة!
وتابع الصيادلة إن «استغلال أصحاب المستودعات لم يقف عند هذا الحد، بل يقوم بعضهم ببيع أنواع أدوية معينة بسعر دواء آخر غير مفقود وسعره مرتفع، ويقومون بتسجيله على الفواتير على أنه الدواء ذو السعر المرتفع، وعلى هذا النحو يتورط الصيدلي ببيع الدواء بسعر مخالف للسعر المقرر من وزارة الصحة، وفي الوقت ذاته لا يمكنه الاشتكاء على المستودع كون الفواتير التي يحملها لا تثبت الادعاء».
وأكد الصيادلة لـ«قاسيون» أن «السوق المحلية تفتقر إلى بعض أصناف الأدوية، ما دفع الموزعين إلى توزيع كميات قليلة من هذه الأدوية للصيادلة بمعدل 3 أو حتى علبة واحدة، في حال لم يتم استغلالهم عبر السلل الدوائية» مشيرين إلى أن «أصناف الأدوية هذه منخفضة في المعامل أو المستودعات، أو محتكرة بانتظار رفع سعر الأدوية لتعويض الخسارة التي لحقت بهم نتيجة الأحداث الحالية».
ومن أهم الأدوية المحلية المفقودة أو القليلة في السوق السورية بحسب الصيادلة: شراب السعلة «هوستاجيل» و«ديان» و«ياسمين» لشركة آسيا، تقلص تواجدها إلى علبة واحدة.
اسبرين عيار 162 «مقطوع»، وعيار 81 متواجد بكميات قليلة.
أدوية المرخيات العضلية متوفر منها «كاريزول» فقط.
القطرات العينية «توبرابيوتك» لشركة «دلتا» غير متوفرة.
التحاميل النسائية مقطوعة بشكل كامل، عدا تحاميل شركة «تاميكو» بشكل قليل.
خافض الحرارة «تيمبرا» لشركة يونيفارما متذبذبة الانقطاع.
دواء «أورونال» من شركة «قنواتي» للرمل والبحصة متذبذب الانقطاع.
أدوية الإختلاج «فالبرون لشركة ابن حيان وديباكين» متوفر ويمكن للصيدلي أن يتواجد لديه بشرط شراء عرض بقيمة 16000 ليرة سورية ليحصل على 5 علب فقط.
وضبط مؤخراً مستودع للأدوية بمنطقة كشكول- الدويلعة يحوي على 15 طناً من الأدوية المسروقة، ووفقاً لموقع «تشرين أون لاين»، تم سحب عينات من كميات الأدوية الموجودة، والتي يُستخدم بعضها في علاج الأمراض المزمنة، للتأكد منها والتحقيق مع صاحب المعمل.
إغلاق 5 مستودعات تتعامل بـ«السلل»
وعلى هذا، قال الخازن في نقابة صيادلة سورية طلال عجلاني في تصريحات صحفية إنه «يتم التعاون حالياً مع وزارة الصحة في الكشف على المستودعات التي توزع السلل الدوائية، وقد تم تحويل بعض مدراء المستودعات للتفتيش، بالإضافة إلى إغلاق خمسة مستودعات مخالفة حتى الآن».
وبالسياق ذاته، أكد عجلاني «هناك أكثر من 12 – 15 معمل أدوية خارجاً عن الخدمة، وحتى المعامل التي هي ضمن الخدمة لا تنتج أكثر من 30 بالمئة من طاقتها الأساسية»، مشيراً إلى «صعوبات النقل التي أدت إلى انقطاع أصناف معينة من الأدوية بعيداً عن إرادة النقابة».
وطالب وزارة الصناعة «بإلغاء البيروقراطية وتسريع وتسهيل المعاملات وخاصة ً ما يتعلق بالكشف الحسي المطلوب لإعادة تجديد ترخيص المعامل، مع العلم بأن أغلب هذه المعامل موجودة في الأرياف والطريق غالباً لا يكون آمناً».
وأشار إلى إنه «لابد من إعادة النظر بتكلفة أسعار بعض الأدوية المرتفعة الثمن إضافةً إلى موضوع الاهتمام بالاستيراد بعيداً عن التركيز على الإنتاج المحلي الذي يكون أقل كلفة من المستورد بكثير».
الحكومة «لا تستجيب»!
وكان رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية وغرفة صناعة حلب طالب مراراً ومنذ بداية الأزمة السورية بحماية المدن والمناطق الصناعية دون أي جدوى، وبناءً على عدم الاستجابة، قامت غرفة صناعة حلب بتأسيس مكتب السلامة المهنية، لتنظيم عملية الحراسة الأمنية الضرورية للمدينة الصناعية بالاعتماد على كوادر مدربة، إلا أن ذلك لم يحل المشكلة في ظل غياب دعم حكومي.
وعاتب الشهابي في تصريحات صحفية سابقة الحكومة لتأخرها بحماية المنشآت، قائلاً «نحن عاتبون على الحكومة لأنها أهملت المعامل والمدن الصناعية، فهنالك أربع مدن صناعية رئيسية.. بحلب فقط يوجد 44 منطقة صناعية وجميع هذه المناطق خارجة عن سيطرة الدولة».
وتابع «عند بدء عمليات النهب والتخريب بحلب لم تقم الدولة بحماية المعامل والمنشآت الصناعية، مع أننا طالبنا بمذكرات عديدة وأجرينا اتصالات مع الحكومات ولكن قوبلنا بالتذرع بأسباب عديدة منها «لا يوجد عدد كافٍ من القوات لحماية المناطق الصناعية».
وأكد شهابي مراراً أن «المدينة الصناعية لا تحتاج إلى أكثر من 200 فرد مختص لحمايتها ولكن هناك تقاعساً من المحافظة يرافقه عدم رغبة واهتمام حكومي رغم استهداف المدن الصناعية منذ بدايات الأزمة الحالية من المتآمرين على سورية الذي جاهروا بنياتهم، ولكن الحكومة لم تعرنا أي اهتمام».
قرار متأخر مازال «قيد الدراسة»!
منذ أن اتخذت الحكومة السورية قراراً وافقت بموجبه للصناعيين وأصحاب المهن والمعامل التي توجد بمناطق المواجهات الساخنة على نقل منشآتهم إلى المناطق الآمنة والتي تتوفر فيها عوامل الاستقرار والأمان على حد تعبيرها، لم يتم اتخاذ أي اجراء جدي بهذا الخصوص وحتى أن القرار بصيغته النهائية لم يصدر.
وبعد حوالي 3 أعوام من الأزمة واستهداف المنشآت الصناعة والمطالبة بحمايتها والخسائر التي تكبدتها، أصدرت وزارة الإدارة المحلية أيار العام الماضي تعميماً، يتضمن شروط نقل منشآت صناعية من مناطق «ساخنة» إلى أخرى «آمنة»، مشيرة إلى وجود 68 منطقة صناعية، وأراض زراعية يمكن نقل المنشأت إليها.
ومنذ أيار الماضي، لم تتحقق أية انجازات عملية بهذا الصدد، ففي شهر شباط الحالي قالت مصادر المؤسسة العامة للمناطق الحرة إن الدراسة الخاصة بانتقال المنشآت الصناعية في المناطق التي تشهد توتراً إلى المناطق الحرة قد رفعت إلى رئاسة مجلس الوزراء لتتم مناقشتها في اللجنة الاقتصادية تمهيداً لإقرارها أو إدخال بعض التعديلات عليها وفق ما تراه اللجنة الحكومية مناسباً.
وإلى اليوم، لا تزال المنشآت الصناعية ومنها معامل الأدوية التي تقع في أماكن ساخنة، تنتظر صدور القرار المتأخر أساساً، في ظل أزمات دوائية تشهدها سورية بين الحين والآخر.