أزمة «الغاز المنزلي».. التواطؤ مع تجار السوق السوداء والتلاعب بالكميات والأسعار تعمّقها
عادت دمشق لتعاني مجدداً من نقصان مادة الغاز المنزلي، وبدأت ملامح أزمة هذه المادة بالظهور عبر الطوابير التي اصطفت على منافذ بيع الغاز الرسمية بالتزامن مع سيطرة المسلحين على منطقة «عدرا العمالية» بريف دمشق التي تحوي على عدد لا بأس به من مستودعات الغاز
مشهد طوابير الانتظار للحصول على المواد المدعومة بات مألوفاً للسوريين خلال الأزمة الحالية، فلو انفضت لفترة، عادت بعدها مجدداً سواء للأسباب ذاتها أو لأسباب جديدة ناجمة عن النزاع المسلح والحصار الاقتصادي الواقع على البلاد، وعلى هذا النحو، تفاجأ سكان دمشق بين ليلة وضحاها بعودة أزمة الغاز المنزلي بعدما انقضت لفترة وجيزة، وعودة الغش والتلاعب بالمادة من تجار الأزمات مرة أخرى.
اسطوانة الغاز بـ2400 ليرة
واشتكى مواطنون لـ«قاسيون» من «وصول سعر اسطوانة الغاز إلى 2400 ليرة سورية في السوق السوداء وسط صعوبة الحصول عليها من مراكز التوزيع الرسمية، عدا عن وجود بائعين قاموا بخلط الغاز بالماء، بينما قام آخرون بإنقاص وزن الاسطوانة الواحدة إلى النصف».
وبحسب الشكاوى، فقد «ازداد الطلب على مادة الغاز المنزلي مؤخراً وسط موجة البرد الأخيرة، حيث يعاني السوريون من صعوبة تأمين مازوت التدفئة مع انقطاع التيار الكهربائي المتكرر، ما دفعهم للجوء إلى الغاز كحل بديل للحصول على الدفء».
وأردفوا أن «تواطؤ مراكز توزيع الغاز مع تجار السوق السوداء عاد من جديد، حيث يقوم هؤلاء بتحميل الاسطوانات أمام الملأ من مراكز التوزيع وسط حشود المواطنين المنتظرين لساعات طويلة والتي قد تنتهي بعدم حصولهم على المادة لانتهاء الكميات القليلة في المراكز».
أعمال صيانة ومشاكل استثمارية
مجموعة عوامل ساهمت في عودة أزمة الغاز المنزلي، منها توقف معمل تعبئة الغاز في جمرايا لعدة أسباب منها مشاكل عقدية مع الشركة المستثمرة، حيث أكد وزير النفط والثروة المعدنية سليمان العباس توقف معمل تعبئة الغاز في جمرايا منذ فترة إثر أعمال الصيانة التي تجري في المعمل بصورة مؤقتة بحسب وصفه.
وأشار إلى أن «الشركة المستثمرة في جمرايا أكدت أنها تريد إجراء صيانة ضرورية مؤقتة وليس وقف التشغيل مع إعادة تعويض النقص في نهاية العقد، ولذلك طلبنا إلى المعنيين في شركة محروقات إيجاد صيغة ودية خلال هذه الفترة المذكورة لحل هذا الموضوع».
ولم ينف العباس وجود مشاكل عقدية مع الشركة المستثمرة لمعمل الغاز في جمرايا، حيث نوه إلى أن «أي مشكلة عقدية مالية يمكن حلها ودياً».
تضارب رسمي في العلن
واستبعد العباس نقصان تدفق الغاز إلى دمشق في 24 كانون الأول الماضي رغم بدء بوادر الأزمة لدى كثير من المواطنين، مؤكداً «جهوزية الوزارة لمواجهة الأمر عبر رفع طاقة التعبئة في وحدة القطيفة إلى استطاعتها العظمى، وشركة آبار إضافة إلى المباشرة في التعبئة في منطقة البجاع بالقرب من الصبورة» مشيراً إلى أنه «هناك وحدة تعبئة في القطيفة تنتج نحو 10 آلاف أسطوانة يومياً ووحدة أخرى لشركة آبار تنتج بحدود 10 إلى 12 ألف أسطوانة».
حديث العباس جاء بعد أكثر من 20 يوماً من تصريح لمدير غاز دمشق وريفها سمير الدنب، الذي أكد وقوع الأزمة، قائلاً إنه «هناك صعوبات كبيرة تعترض إنتاج اسطوانات الغاز في الفترة الحالية، ترتبط بالأوضاع الأمنية على طريق دمشق- حمص، حيث أدى انقطاع الطريق إلى توقف قدوم الصهاريج المحملة بالغاز السائل من بانياس إلى وحدات التعبئة بريف دمشق، وتصل كميات محدودة عبر الصهاريج من حقل حيان، كما نسعى حالياً إلى استيراد الغاز السائل من لبنان إذا استمر الوضع على حاله».
وأردف إن «انقطاع الكهرباء لفترات طويلة يعيق عمل وحدات الغاز» مشيراً إلى أن «القدرة الإنتاجية لمعمل عدرا كانت تصل إلى 60 ألف اسطوانة عبر ثلاث ورديات، وانخفضت طاقته الإنتاجية إلى حدود 20 ألف اسطوانة قبل أن يتوقف بشكل كامل، ليتم التوجه إلى الوحدات المتنقلة وأولها كانت وحدة تعبئة جمرايا بطاقة إنتاجية تتراوح بين ستة آلاف بالحد الأدنى إلى حوالي 25 ألف اسطوانة يومياً».
وبحسب الدنب فإنه «يتم العمل على افتتاح وحدة تعبئة جديدة تنفذها محافظة دمشق باسم بجّاع على طريق قدسيا بدمشق، بطاقة إنتاج 10 آلاف اسطوانة يومياً، كما يتم التخطيط لتجهيز وحدة تعبئة جديدة في منطقة الجديدة إضافة إلى وحدة تعبئة في القنيطرة تتبع لفرع دمشق وريفها».
انخفاض الاستجرار أكثر من 60 %
وبعد حوالي 4 أيام من حديث وزير النفط، عاد مدير المؤسسة العامة للخزن والتسويق حسن مخلوف ليؤكد وجود نقصان في الغاز المنزلي عبر تصريح صحفي، وقال إن «الازدحام الحاصل أمام منافذ ومراكز بيع اسطوانات الغاز يعود إلى انخفاض نسبة استجرار المادة من وحدة جمرايا حيث كانت المؤسسة توزع عبر منافذها أكثر من 1600 الى 1700 اسطوانة غاز يومياً ولكن اليوم أصبحت كل أربعة إلى خمسة أيام ليتم بيع 1600».
وأردف مخلوف أن «سبب ايقاف استجرار المادة من وحدة جمرايا يعود إلى وجود خلاف بين وزارة النفط والشركة المستثمرة لوحدة جمرايا الأمر الذي انعكس فوراً على الطاقة الإنتاجية للوحدة».
وبدورها، أكدت لجنة محروقات ريف دمشق في تصريحاتها، انخفاض نسبة استجرار الغاز من المستودعات إلى أكثر من 60 % ، وأشارت إلى أن «الوحدات الإدارية بريف دمشق انخفض استجرارها لاعتمادها على وحدة غاز جمرايا فقط وخروج مستودعات عدرا من الخدمة».
وأضافت اللجنة بأن «أكثر من ثلثي الوحدات الإدارية بريف دمشق تنتظر دورها لاستجرار المادة من وحدة جمرايا (..) الأمر الذي فتح مجالاً أمام ضعفاء النفوس ليستغلوا نقص المادة ليتاجروا بها».
انتهاء الأزمة «إعلامياً»
وبعد يومين من تأكيدات وجود الأزمة رغم استبعاد حدوثها من قبل وزير النفط، انتهت أزمة الغاز المنزلي «إعلامياً» فقط بعد أن أخذ الموضوع كثيراً من الأخذ والرد، فرغم استمرار الشكاوى حول رفع تجار السوق السوداء لسعر اسطوانات الغاز، وعدم قدرتهم الحصول عليها عبر المنافذ الرسمية، قال مدير عام شركة «محروقات» محمود كرتلي إن «مركز تعبئة الغاز في جمرايا عاود إنتاجه الطبيعي بعد توقفه لمدة يومين فقط بسبب أعمال الصيانة» مؤكداً «عدم التخوف من توفير المادة لمراكز التوزيع ولاسيما أن الوحدات تعمل حالياً بطاقتها القصوى لإنتاج المادة لتغطي احتياجات دمشق من المادة التي تقدر بـ50 ألف أسطوانة» يومياً.
وبدوره، قال عضو المكتب التنفيذي في محافظة دمشق لقطاع التموين والتجارة الداخلية في محافظة دمشق عدنان الحكيم إن دمشق تشهد «انفراجاً كبيراً» على صعيد تأمين مادة الغاز للمواطنين وبالسعر الرسمي 1100 ليرة سورية، نافياً كل شكاوى المواطنين.
وأشار الحكيم إلى أنه يتم حالياً إنتاج 25-30 ألف أسطوانة غاز عبر ثلاث وحدات تعبئة، وأن الجهود متواصلة من المحافظة لتأمين أي طلب متزايد وحاصل على المادة، مؤكدأ «أنه تم تخصيص 2500 أسطوانة غاز توزع يومياً بموجب جدول تم إعداده من مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بدمشق حيث يشمل جميع أحياء دمشق على أن يتكرر التوزيع بكل منطقة حسب الجدول كل 15 يوماً لمرة واحدة وبكمية 2500 أسطوانة غاز».
وحول حصول بعض المواطنين على اسطوانات غاز خفيفة الوزن، أكد مصدر في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لـ«قاسيون» أن «هذا التصرف غير قانوني وهو ناجم عن تلاعب الموزعين والبائعين، فلا يوجد أي توجه بخفض وزن اسطوانة الغاز نهائياً» مشيراً إلى أن «أي شكاوى بهذا الخصوص، تتم مصادرة الاسطوانات من البائع أو الموزع وينظم به ضبط، ويتم تحويله إلى المحكمة المختصة».