محطات مغلقة «حصلت على المازوت» وتجاوزات في التوزيع.. لِمَ لَمْ تفتح الملفات؟
القضية أثيرت مراراً من قبل بعض المواطنين والمعنيين، آخرها كان في عام 2013، حينما كشف علي مرعي نقيب عمال النفط والثروة المعدنية بدمشق، أن فرع ريف دمشق لشركة محروقات، زود محطات متوقفة عن العمل، وبعضها خرج من الخدمة-لكونها في مناطق ساخنة- بعشرات الملايين من ليترات المازوت، حيث تخرج الصهاريج من فرع «الجنوبية» بإذن رسمي موقع من الإدارة بدمشق، إلى محطات متوقفة عن العمل في كل من «الغوطة، المليحة، زبدين، حزرما، النشابية، ميدعا، حران العواميد، مرج السلطان، داريا، السبينة، البويضة والحجيرة».
عام 2013، دعا مرعي لفتح تحقيق بالحادثة، لكن لم يعلن عن تلك التحقيقات، ولا نتائجها، ولا إن تمت فعلاً أم لا، حتى فتحت القضية مرة أخرى الأسبوع الماضي، وهذه المرة تحت قبة البرلمان، حيث تم تزويد مجلس الشعب بأسماء محطات وقود متوقفة عن العمل منذ زمن في دمشق، إلا أنها مازالت تتلقى مخصصات من المازوت لبيعها بشيء يشبه السوق السوداء، لكن بظاهرها وكأنها شيء مرخص.
عضو في مجلس الشعب، عمار الكوش، أثار تلك القضية، مؤكداً في حديث له أن «هناك محطات وقود مغلقة بقرار رسمي من محافظ دمشق من تاريخ 1/2/2014 حتى تاريخ 1/2/2015، ولكن بالرغم من إيقافها تم توزيع المحروقات عليها».
وأضاف البرلماني السوري، أن «الوثائق التي تم إبرازها تحت قبة البرلمان، تم تحويلها إلى الجهات المعنية، ولكن لم يتم الرد حتى تاريخه»، مشيراً إلى أن الوثاق هي عبارة عن جداول، تحوي أرقام كميات المحروقات التي زودت بها هذه المحطات، منذ تاريخ 1/2/2014 حتى 1/2/2015.
(المحافظة) معنية
وشدد الكوش، على أن «ما يجري هو مخالفة كبيرة للقانون»، موضحاً أن «الخطأ قد يكون من محروقات دمشق أو من وزارة النفط، لكن المعني هو رئيس لجنة توزيع المحروقات المتمثل بمحافظ دمشق».
وطالب الكوش، بـ «محاسبة المعنيين وفق الأصول، وإحالة الملف إلى هيئة الرقابة والتفتيش، لأن المياه قد تكون تجري من تحت المحافظ من دون أن يدري»، مؤكدا أنه منذ فترة تم استدعاء محافظ دمشق للتدقيق في بعض الشكاوى السابقة المقدمة للمجلس، وفي تلك الفترة شكر المحافظ مجلس الشعب على المعلومات المقدمة إليه، وأكد حينها أن المياه لا تجري من تحته، وكما وعد بالرد ولكن حتى الآن لم يتم الرد من قبله.
لا يقولون الحقيقة للمواطن!
معاون وزير التجارة الداخلية، لشؤون الشركات والمؤسسات، عماد الأصيل، لم ينفِ تلك الظاهرة، لكنه لم يؤكدها بدقة، وكشف عن «وجود خلخلة بآلية توزيع المازوت»، مشيراً إلى وجود «ضعاف نفوس»، يتلاعبون و«يكذبون» في عملية بيع المادة وتوزيعها.
وقال: «للأسف، يمكن أن يكون هناك خلخلة من قبل مدير المحطة، والموزع، وفي بعض الحالات يكذب هؤلاء على المواطنين، بهدف بيع المادة لجهات أخرى بسعر أعلى».
وأشار الأصيل إلى تجاوزات أخرى يمكن أن تحدث في عملية توزيع المازوت، وخص هنا مازوت التدفئة، قائلاً «هناك نفوس ضعيفة» تتلاعب بآلية التسجيل «على اسمك راح واسمك أجا».
وأكد الأصيل أن وزارة التجارة الداخلية لا علاقة لها بالتوزيع، مشيراً إلى أن «كل محافظ هو رئيس لجنة التوزيع»، لكنه أكد أيضاً وجود صهاريج مازوت ترسل إلى محطة ما أو شخص ما، وتغير وجهتها، بهدف الحصول على سعر زائد.
تغيير وجهة
وقال: «هناك صهاريج تغير وجهتها المرسلة إليها، وهناك باعة يطلب منهم الذهاب إلى منطقة، ويغيرون وجهتهم إلى مناطق أخرى، لبيع المادة للتجار»، طارحاً مثال لبائع أرسل إلى ركن الدين وتوجه إلى المزة ليبيع المادة إلى مطبخ حلويات.
من الطبيعي، أن تدافع «سادكوب» عن نفسها، مقابل تلك التهم كلها، لكنها لم تستطع أن تنكر وجود بعض التجاوزات، التي تقول إنها «ضبطتها».
أين الوثائق؟
مدير محروقات دمشق سيباي عزير بتصريحات إذاعية، قال: إنه «يتم توزيع المازوت من قبل لجنة المحروقات والمحافظ، ولا يتم تزويد أية محطة متوقفة عن العمل، وكل العمل مثبت بسجلات وقيود محفوظة، يمكن لمن يشك بالأمر أن يطلع عليها، فضلاً عن أنه لم يتم تزويدنا بوثائق تثبت الشكوى».
وعند سؤاله عن الوثائق التي تحدث عنها عضو مجلس الشعب، أكد عزير أنه علم بذلك، وقرأ النبأ في الصحف، لكنه لم يزود بأية وثائق تذكر.
المازوت ممنوع للمحطات الخاصة.. إلا في حال!
عزير أكد: أن المحطات الخاصة منعت من استلام المازوت، مقابل حصول المحطات الحكومية فقط على هذه المادة، وقال: «يحق لكل محطة خاصة طلب مازوت واحد شهرياً، يعتبر طلب خدمة، بحيث يكون لها حرية التصرف بهذا الطلب، سواء رغبت في بيعه للمواطنين أو غير ذلك».
وكشف عزير عن صدور قرار بعدم تزويد المحطات الخاصة بمادة المازوت، وحصره بالمحطات العامة، أما المواطنين فيتم تخديمهم عبر ثلاثة مراكز توزيع، وهناك مركز رابع اتخذ القرار بشأن تفعليه.
حديث عزير، يؤكد أنه رغم منع تلك المحطات من الحصول على المازوت، إلا أنها مازالت تحصل عليه شهرياً دون تحديد الكمية، وهذا ما قد يفتح تساؤلاً عن مصير تلك الكميات مهما كان حجمها.
رئيس نقابة عمال النفط والثروة المعدنية في دمشق وريفها، علي مرعي، كان قد قال سابقاً: أن انتشار السوق السوداء للمحروقات، سببه محطات القطاع الخاص، التي تفضل بيعه بأسعار مضاعفة في السوق السوداء لجني أرباح خيالية على حساب حاجة المواطنين، متسائلاً: «لماذا لا يتم محاسبة محطات القطاع الخاص؟، هل هم من قاموا باستيراد المادة من الخارج؟».
ملف مطوي
في العام 2013، وعندما كشف علي مرعي نقيب عمال النفط والثروة المعدنية بدمشق، عن خلل قضية توزيع المازوت لمحطات مغلقة، عاد بداية العام الحالي، ليشير إلى ذات القضية، داعياً إلى القيام بجولات ميدانية، والاجتماع مع اللجان النقابية، والمسؤولين عن توزيع المازوت والبنزين، معتبرا أن «الإجراءات المتخذة لضبط توزيع مادتي المازوت والبنزين غير كافية، ويتم احتكارها من قبل أصحاب المحطات الخاصة وتوزيعها حسب مصالحهم».
ورغم أن مرعي كشف عن حجم «مخالفات كبيرة» سابقاً، وأكد عن معلومات تفيد بأنه تم توزيع كمية «ضخمة» بنحو 400 مليون ليتر من المازوت خلال صيف أحد الاعوام، وأشار إلى كازيتين يملكهما الشخص ذاته في الريف، حصلتا خلال شهر واحد في أحد الاعوام، على 34 طلباً، علماً أن الطلب الواحد يتسع لنحو 40 ألف ليتر مازوت، إلا أنه منذ عام 2013 وحتى اليوم، لم تصدر أية توضيحات رسمية، ولم تفتح أية تحقيقات في القضية علناً، رغم مرور أعوام عليها.
وعلى العكس، برزت الظاهرة مرة أخرى، إن ثبت حديث الكوش، وهذه المرة في دمشق، وحصلت كازيات مغلقة لمدة عام كامل، على مخصصاتها من المازوت، فكيف تصرفت بها، وأين ذهبت؟، ولِمَ لَمْ يفتح أي تحقيق في الحادثة، التي ادعى البرلماني السوري أنه يملك وثائق تثبت ذلك؟