أمّنا...الدامعة

أمّنا...الدامعة

أي كلام بمديحك ناقص، وأي محاولة لرد بعض الجميل فاشلة، وما نفعله مجرد عبث يراد منه التقرب من آلامك، ومن صرخاتك عند الولادة وعند أي مكروه يصيبنا، ولسنا سوى سلاحف تحاول مجاراة ركضك من أجل أن نكبر بلا هموم أو تعب.

 اليوم...أمهات السوريين جميعاً يبكين، وكلهن يبتهلن لنا أن تمر أيامنا بخير، وكلهن اليوم يحاولن لمس رؤوس عنيدة وعاتية، ولكنها لمسات تمسك تلابيب القلب الواثب والحزين، وجميعهن يرثين الأحباب والمفقودين والشهداء، وأسمع غناءهن الطويل الحزين، ونواحهن المديد على الوطن والأبناء والإخوة...أمهاتنا هل أنتن بخير.؟

على امتداد السنوات الأربع الأخيرة فقدت سورية الحبيبة من أمهاتها الكثيرات، ورحلت أحضان دافئة كان مقدراً لها أن تحمي أجنتها التي نبت عليها الزغب، وماتت عيون كانت تراقب عودة الصغار من المدرسة، وقلوب كانت تخفق بحب لشباب يكبرون كل يوم ليصيروا رجالاً لا قرابين.

سيمر اليوم حزيناً عند كثير من السوريين، بل أغلبهم سيشيحون بوجوههم خشية أن يرى أحد دموعهم القاتمة، وستخفي نسوة وجوهها البائسة من نظرة عابرة أو خشية على تفجع أكبر.

أمرّ اليوم (وقبل العيد بأيام) في أسواق الشام، الأم الكبرى، فأهمس في قلبي، غصات على ما يجري في هذه البلاد، التي كانت تعج بالفرح...هنا أمهات يتسولن وحيدات، وأخريات يبعن الكبريت والصابون، وأم تدور في البرامكة تصيح على المحسنين أن يرحموا عجزها، وأخرى تدعو لمن يساعدها لتدبير إيجار غرفة تأوي جثتها المتعبة.

أكاد أجزم اليوم، أن لا أمّ سورية لم يُصَب قلبها، ولم تتعمد بحزنها الأزلي، وحتى إن لم تفقد غالياً، فالوطن الجميل يغصّ بالحزانى، ويغرق بدم أبنائه، وها هي اليوم في قدّاسها وتلاوتها وهمسها وغنائها تعدّ لنا أنخاب الأسى.. وثمة جراح عميقة لا تداويها التذكارات وباقات الورد وقطع (الكاتو) الملونة.

 في هذا اليوم الجليل...الصمت هو أبلغ ما يمكن أن يقدّم لأيدي الأمهات وقلوبهن وعيونهن، ومشاركتهن هذا الأنين الطويل، والاعتذار لدموعهن السوداء، ولفرط نحيبهن الموجع...تحية لأمهات الشهداء، وللأمهات الشهيدات، وللعيون التي ترنو حزينة على ابن(بطنها) وآهات خلاصها، والرحمة لنا نحن الباقون على خطوط القلوب المتعبة.