بالتسوّل نحمي لبنان: السعودية لم توقّع «المكرمة»... وعودة إلى روسيا
صحيح أن لجنة الدفاع النيابية أقرت مشروع قانون الخطة الخمسية لتسليح الجيش، معدلاً، لكن هذا المشروع لا يزال بحاجة إلى وقت طويل قبل أن يبصر النور على شكل قانون ساري المفعول. القوى السياسية لا تحمل أصلاً همّ هذا المشروع. مصدرها الوحيد لتعزيز القدرات الدفاعية للجيش هو الهبات والمكرمات. التسول هو سبيل السلطة الحصريّ لحماية لبنان
فيما يُكرّر السّاسة اللبنانيون منذ سنوات لازمة تسليح الجيش، لم تظهر حتّى الآن النية الحقيقية لذلك. فرغم أن مشروع قانون الخطة الخمسية لتسليح المؤسسة العسكرية أقرته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في نيسان 2013، إلا أنه لم يبصر النور بعد. جُل ما في الأمر أن لجنة الدفاع النيابية أقرته، ولا يزال بحاجة لإقرار في الهيئة العامة لمجلس النواب. هذا المشروع يتحدّث عن إنفاق لبناني على الجيش، لكن ليس بهدف تسليحه بما يجسر الهوة بينه وبين جيش العدو الإسرائيلي.
فالأسباب الموجبة لمشروع القانون تتحدّث عن إقامة مبانٍ وصيانة المتقادم منها، وعن شبكة اتصالات متطورة، وعن مخازن للآليات والأسلحة والذخائر، وعن عتاد متخصص للقوات البحرية... يظهر من هذه الخطة التي تبلغ قيمتها ملياراً و600 مليون دولار أميركي أن المراد هو تحديث ما في حوزة الجيش، لا أكثر.
هذه الخطة التي ينبغي لها أن تُموّل على مدى خمس سنوات، من الميزانية العامة، التي لم تُقر بعد، تُظهر تباطؤ النظام السياسي اللبناني، وغياب أي نية جدية لديه للإنفاق على القدرات الدفاعية للجيش اللبناني. المراد في هذا السياق هو التسليح بواسطة التسوّل، وانتظار الهبات والمكرمات والمساعدات.
مشروع الخطة الخمسية لم يرَ النور. وتريد بعض القوى السياسية، بحسب مصادر نيابية، إحالة كل ما فيها على الهبة السعودية البالغة 3 مليارات ليرة لبنانية. وبالتالي، لن تدفع السلطلة اللبنانية قرشاً واحداً لبناء قدرات دفاعية جدية.
وبحسب المصادر، فإن الولايات المتحدة الأميركية، وهي المساهم الأبرز في المساعدات التي يحصل عليها الجيش اللبناني سنوياً، عبّرت عن امتعاضها من تقاعس الحكومة اللبنانية عن الإنفاق على التسلح. صحيح أن الأميركيين يرفضون حتى اليوم تسليح لبنان بمنظومات دفاعية نوعية، وصحيح أيضاً أنهم ضغطوا على «حلفائهم» في لبنان لمنع تنويع مصادر التسلح اللبناني (السفير الأميركي الحالي ديفيد هايل شارك شخصياً عام 2008 في منع حصول لبنان على هبة عسكرية روسية، بحسب ما كشفت وثائق «ويكيليكس»)، لكن واشنطن لا تريد أن تتحمّل وحدها عبء ما تقدّمه للجيش، مهما كان ضئيلاً، بحسب مصادر سياسية. ولهذا السبب، تضيف مصادر معنية بالملف، أنّ الأميركيون حثّوا الجانب اللبناني على إقرار قانون الخطة الخمسية، لعلمهم بأن معظم ما سيشتريه الجيش سيكون من مخازنهم. لم تُقر الخطة، فأتت «مكرمة» الملك السعودي التي أعلنها بالنيابة عنه الرئيس السابق للجمهورية ميشال سليمان، والبالغة ثلاثة مليارات دولار. لكن تنفيذ هذه الهبة، دونه عقبات. ففضلاً عن «السمسرة» التي لم تجد من يتبناها بعد، ثمة مشكلة تقنية تتعلق بعدم وجود سلاح فرنسي في حوزة الجيش، واستهلاك جزء كبير من الهبة لصيانة ما سيجري شراؤه. كذلك، برزت مشكلتان سياسيتان في هذه القضية: الأولى أن الولايات المتحدة ليست راضية عن كون فرنسا هي التي «ستقطف» هذه الهبة؛ والثانية أن السعودية لا تزال ترفض توقيع عقد بينها وبين السلطات الفرنسية، للمباشرة بتنفيذ «الطلبيات» اللبنانية. الجانب السعودي يتهرّب كلما سئل عن الموضوع، ويرمي الكرة في الملعب اللبناني. لكن مصادر لبنانية وفرنسية تؤكد أن الرياض لم تخرج الملف من الأدراج بعد.
أقفل باب التسول هذا إلى حين. وتقول بعض الشخصيات السياسية اللبنانية إن مملكة آل سعود لن تفتحه إلا بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية. أمام هذا الواقع، وفي ظل غياب أي نية لدى الجانب اللبناني لدفع قرش واحد على بناء جيش حديث، لم يكن هناك من بد سوى انتظار «حسنة» ما. فظهر الملك السعودي مجدداً، مانحاً هذه المرة شرف إعلان المكرمة للرئيس سعد الحريري. مليار ليرة، نصفها للجيش اللبناني. سريعاً، ستُصرف 500 مليون دولار أميركي، لشراء عدد من الطائرات، تكفي، بحسب مصادر معنية، لسد حاجة لبنان في مجال مكافحة الإرهاب. ويجري الحديث هنا عن نحو 7 طائرات كحد أقصى، قيمة كل منها (مع الصيانة) نحو 15 مليون دولار اميركي. وهذه الطائرات تُستخدم للاستطاع، ولأعمال هجومية في إطار مساندة القوات البرية. وهذه الطائرات أميركية الصنع، شبيهة بطائرة «سيسنا» (ذات مروحة أمامية)، لكنها أحدث منها وأكثر قدرة على المناورة.
كذلك ستُستخدم لشراء دبابات وآليات نقل جنود وذخائر ومعدات عسكرية أخرى. وبحسب مصادر معنية، فإن هذه الصفة في طريقها إلى التنفيذ سريعاً، ومن دون عقبات.
وبما أن الطبقة الحاكمة لا تزال مصرة على عدم دفع «مال لبناني» لتسليح الجيش، قررت قيادته التوجه إلى روسيا مجدداً، للطلب من موسكو إعادة العمل بالهبة التي عرضتها على لبنان عام 2008. حينذاك، «فتحت روسيا مخازنها»، وأعلنت موافقتها على منح لبنان طائرات ميغ ــ 29. لكن الجانب اللبناني رفض الهبة، بسبب الضغط الأميركي الذي استجاب له كل من سليمان والحريري ووزير الدفاع حينذاك الياس المر. وئدَت هبة الـ«ميغ»، فعادت روسيا إلى عرض آخر: 6 طائرات مروحية هجومية متطورة، وكتيبة دبابات حديثة نسبياً، ومدافع ذات أعيرة مختلفة، إضافة إلى ذخائر ومعدات عسكرية. هذا العرض أيضاً بقي رهين الإذعان اللبناني للأوامر الأميركية. فالحكومات المتعاقبة منذ عام 2008 لم تقم بما يجب عليها لقبول الهبة. كذلك، إنّ مجلس النواب اللبناني لم يوقع بعد اتفاقية التعاون العسكري بين لبنان وروسيا. رغم ذلك، ستطرق قيادة الجيش باب موسكو قريباً، للبحث في إمكان الحصول على هذه المساعدات، وتحديث عشرات الدبابات السوفياتية القديمة (بعضها زمن طراز تي ــ 54) التي لا يزال يستخدمها الجيش، والتي يشارك في صيانتها وتوفير قطع الغيار لها الجيش السوري.
الجانب الروسي لا يزال يبدي استعداده لمساعدة الجانب اللبناني. وبحسب مصادر دبلوماسية، «بات الروس اليوم أكثر اقتناعاً من ذي قبل بضرورة تعزيز قدرات الجيش اللبناني لمكافحة خطر الإرهاب في المنطقة».
خلاصة الأمر، بحسب مصادر متابعة لهذا الملف، أن «العقل السياسي اللبناني لم يضع في باله يوماً، بنداً اسمه «تسليح الجيش». الأمر متروك للهبات والمكرمات. حتى اليوم، لا تجد السلطة أي جدوى من إنفاق المليارات على قطاع تراه «غير منتج». ليس في الحكم رجال دولة، بل محاسبجية».
المصدر: الأخبار