في «ووندرلاند» السورية.... كلّ شيء ممكن
هذا مشهد مثير للاهتمام على الشاشات الرسمية السورية. ثُلّة من الفريق الحكومي المُصرّف للأعمال، يتقدّمها رئيس الوزراء المكلّف حديثاً بتشكيل الحكومة وائل الحلقي، لافتتاح مجمّع ترفيهي في «مشروع دُمّر»، معقل الأثرياء في ما يُسمّى «الشام الجديدة». المكان أنيق ويدلّ على الرُقي، الابتسامات عريضة والرضى واضح على الوجوه. كل شيء يوحي بالهناء في بلد ليس على ما يُرام في أي شيء.
رئيس الوزراء توّج اللحظة النوستالجية لأيام التدشين على وقع الطبول وشعارات الشبيبة بتجريب إحدى طاولات البلياردو. أمسك العصا بشكل خاطئ، ضرب فلم يُصب الكرات. لا ضير في ذلك. المهم أن يصيب الرجل كرات الملفات الثقيلة المنوطة به لتذهب نحو أهدافها. افتتاح مشروع يوفّر 2000 فرصة عمل، بحسب الأرقام الرسميّة، ليس خطأً بالتأكيد. صحيح أنّه سيبقى في متناول شريحة قليلة من الشعب السوري الذي يلهث فقط لينجو، إلا أنّه «إعمار» في النهاية. «إعادة الإعمار» شيء آخر، وهو ملف ثقيل آخر على كتفي «دولة الرئيس».
الإعلام المحلّي هرع مباشرةً إلى المكان. قام بالواجب وزيادة. احتفى بمؤشّرات «تعافي» البلاد وإصرار أغنياتها على الحياة والفرح. لعب دور «صانع البهجة» للمتسمّرين خلف الشاشات، أولئك الذين لن يفكّروا يوماً في الاقتراب من المجمّع النظيف.
لكن، من باب الفضول، أين يتبخّر هذا العنفوان الإعلامي في تلك الملفّات الثقيلة؟ لا يبدو أنّ أحداً معنيّ بالجانب المظلم من القمر. الإعلام المحلّي يتغنّى بانتصارات الجيش كل يوم، من دون أن يكترث لبعض جرحاه المحتاجين لأدوية مستمرّة وأطراف صناعية ذكيّة. هذا الإعلام لم يسمع بمجموعات «التعفيش» ومافيات الفساد المهيمنة على كثير ممّا يُقال وما لا يُقال. هو لا يعرف أنّ عشرات الشباب المثقف يهاجر يوميّاً. حريّة التعبير عنده تتمثّل بالقفز في وجوه المارّة عند ناصية شارع الحمرا الدمشقي، وإشهار الميكروفون في وجوهه.
سقف أسئلة هذا الإعلام ما زال حول الأسعار وانقطاع الكهرباء وتزفيت الطرق، وعندما أراد التشاطر والتجرّؤ، فعلها مع مرشّح خاسر لرئاسة الجمهورية. لم يهتز لرفع سعر الخبز، ولم يجد ما يضير في زيادة أسعار الوقود مرّات ومرّات. حاله كحال مجلس الشعب الذي لم يجد وقتاً لاستجواب أيّ مسؤول حتى الآن. أعضاؤه ينتظرون انشقاق أحدهم لنبش ملفاته بالأسماء والأرقام. الفارق الطبقي صار مرعباً بين فئات «الشعب الصامد»، ولا يبدو أنّ لهذا الإعلام مشكلة في تبنّي ذلك.
«خطة متكاملة لزيادة إيرادات الخزينة العامة للدولة من دون أن تؤثر الزيادة في المواطنين»، «بورصة دمشق تحقق فائضاً مالياً للمرّة الأولى بعد خمس سنوات من انطلاقتها». تقرأ المذيعة الأخبار من دون أن تُدرك أنّ عليها الاقتناع لتُقنع مشاهديها. البرامج الصباحية والمسائية تتخمنا بخبراء التغذية وعلم الاجتماع. خبراء الطفولة يتحدّثون عن وسائل تربية لا يقدرون هم أنفسهم على تحمّل تكاليفها. السهرات الفنيّة تبحث عن ضيوف بأيّ ثمن. نتعرّف إلى فتيات يحملن أوزاناً ثقيلة من البوتوكس، وينظّرن علينا في التمثيل والدراما. تغريب بريختي في فنون الانحطاط والتردّي. وعلى ذكر الدراما، تهطل علينا حفنة من المسلسلات الفريدة من نوعها. نسأل أنفسنا أثناء مشاهدة كلّ ذلك: هل نحن «بحلم ولّا بعلم»؟ في «ووندرلاند»، كلّ شيء ممكن.
علي وجيه - دمشق
المصدر: الأخبار اللبنانية