شركة إماراتية تعرض تنفيذ مشروع لبلدية الاحتلال
عندما يعلن وزير خارجية الاحتلال الصهيوني عن مباحثات سرية مع عدد من الدول العربية، تصبح الصيحات المنطلقة لحماية الأقصى المبارك، مثل الصراخ في واد عميق، لن تلق تجاوباً، ولن يلبيها أحد من الغارقين في تطبيع العلاقات مع المحتل الصهيوني، وقد كان من السهل ملاحظة رد الفعل البارد، وحتى تجاهلت غالبية الحكومات العربية الاعتداءات الصهيونية المتكررة طوال الأسبوعين الماضيين، وبالطبع فقد ظل رد الفعل الشعبي غائباً أيضاً.
ربما يقول البعض: إن الموقف الرسمي من غالبية الحكومات العربية كان على هذا النحو دوماً، وهذا صحيح إلى حد بعيد، وربما يكون ممكناً هذه الأيام استذكار الموقف، الذي وجد الشهيد القائد عبد القادر الحسيني نفسه فيه، حين طلب مساعدة اللجنة العسكرية التابعة لجامعة الدول العربية، من أجل إنقاذ القدس أيضاً، لكن التزامن لافت بين تصريحات وزير خارجية العدو عن التطبيع، والمباحثات مع دول عربية بينها السعودية والكويت، وبين استشراس الصهاينة الكبير في التعدي على الأقصى وانتهاك حرمته، حتى بدت بعض النداءات من قبيل: “الأقصى يا عرب، وأنقذوا الأقصى” مثيرة للشفقة والرثاء للحال الذي وصلنا إليه، فاقتحام الحرم القدسي، بات يومياً ومنسقاً، ويراد بذلك خلق حالة من الاعتياد وصولاً إلى تحقيق هدف التقاسم الزماني والمكاني، على غرار ما حدث في الحرم الإبراهيمي في الخليل.
ليبرمان: نتباحث سراً
وزير خارجية العدو الصهيوني أفيغدور ليبرمان قال في تصريحات نشرتها صحيفة “يديعوت أحرونوت” إن كيانه يجري مباحثات سرية مع بعض الدول العربية التي لا تعترف بـ“إسرائيل”، ومنها السعودية والكويت، ونقلت الصحيفة عن ليبرمان قوله: “للمرة الأولى يكون هناك تفاهم على أن الخطر الحقيقي لا يتمثل في إسرائيل أو اليهود أو الصهيونية.. بل في إيران والجهاد العالمي وحزب الله والقاعدة”، واعتبر وزير الخارجية الصهيوني في سياق حديثه أنّ “الأفق السياسي ليس موجوداً في الملعب الفلسطيني، بل في ملعب دول عربية معتدلة”.
وأضاف: “هناك اتصالات وهناك محادثات لكننا قريبون جداً من مرحلة لن يكون هذا فيها خفياً في غضون عام أو 18 شهراً، سيحدث هذا على الملأ”، وأكد ليبرمان أنه على اتصال مع عرب “معتدلين”، ونقلت “يديعوت” عن ليبرمان قوله أيضاً: إنّ “اتفاقات سلام” جديدة ستوقع العام 2019، وقال “أنا واثق أننا سنكون حينذاك في وضع نتمتع فيه بعلاقات ديبلوماسية كاملة مع معظم الدول العربية المعتدلة”.
تصريحات ليبرمان جاءت في أعقاب تسريبات كثيرة، عن اللقاءات السياسية وحتى الأمنية، التي تعقد بين مسؤولين صهاينة، وبين مسؤولين عرب غالبيتهم من دول الخليج، وأظهرت تلك التسريبات أشكالاً من التنسيق عالي المستوى بين هذه الأطراف، وعلى صعد مختلفة.
ولذك فإن ما قاله الوزير الصهيوني، بدا وكأنه استكمال لسياق قائم، لا حدثاً مفاجئاً أو غريباً، ليس بسبب التاريخ الطويل من الاتصالات السرية وفضائحها المتعددة، ولكن بسبب ما شهدته تلك الاتصالات من تطورات كثيرة في السنوات الأخيرة.
ومن الطبيعي أن الملتقين سراً لن يبحثوا في حال الاحتلال وجرائمه، بل في صوغ أطر لعلاقات جديدة طابعها الأساس هو التنسيق، وليسوا وحدهم من يفعل ذلك، فالقدس، على ما تقول المعلومات المتسربة من جلسات المفاوضات بين السلطة وبين الصهاينة، ليست موضوعاً أساسياً من موضوعات البحث أيضاً.
انتهاكات وتحذيرات
في مثل هذه الأحوال يزيد الصهاينة من غلوائهم وشراستهم، الانتهاكات والاعتداءات المنسقة واليومية للأقصى، والتضييق الكبير على دخول المصلين المسلمين والمسيحيين إلى القدس، دليل آخر شديد الوضوح على الاستخفاف الصهيوني بردود الفعل على ما يحدث بحق القدس عامة، والأقصى على وجه الخصوص.
واقع الحال أن عشرات من الشبان الفلسطينيين المحتشدين في الأقصى، تصدوا للمستوطنين الذين ترافقهم قوات الاحتلال، وقع عدد من الشبان جرحى خلال الاشتباكات، أثبت الشبان بدمهم إصراراً على التصدي للغزاة، لكن غاية الصهاينة من هذه الهجمات المنسقة، تكمن في خلق حالة من الاعتياد بين الفلسطينيين والعرب والمسلمين، على وجود الصهاينة شبه الدائم في باحات الأقصى، والتمهيد لتنفيذ مخططات جديدة، ضمن مشروع التهويد المستمر للقدس والأقصى.
وقد حذّرت “مؤسسة الأقصى للوقف والتراث”، من أن بلدية الاحتلال في القدس أعلنت عن إقامة مدينة ملاهٍ ضخمة على أرض مقبرة “مأمن الله” الإسلامية التاريخية في القدس، ابتداءً من شهر أيار/ مايو القادم، وذلك ضمن فعاليات ترفيهية تقوم بها البلدية، وقد تقدمت لتنفيذ المشروع “شركة إسرائيلية” من تل أبيب وأخرى من القدس، لكن اللافت في الأمر – وبحسب مصادر صحفية في كيان الاحتلال- أن شركة عالمية مقرها دبي، تقدمت هي الأخرى بطلب مقترح للمناقصة التي طرحت مؤخراً لتنفيذ هذا المشروع، وفي هذا تأكيد آخر على معنى التزامن بين تصريحات ليبرمان، والاعتداءات على المسجد الأقصى، ومدينة القدس.
وقالت المؤسسة: "إن بلدية الاحتلال في القدس أعلنت عدة مشاريع ترفيهية تنوي تنظيمها في القدس، خلال الفترة القريبة، ومن بينها إقامة مدينة ملاهٍ عملاقة، على أرض مقبرة مأمن الله – والتي استولت عليها حكومة الاحتلال، وحولت مساحة شاسعة منها إلى حديقة عامة تحت اسم حديقة الاستقلال – من بينها دولاب دائري عملاق، على أن يتم البدء بتشغيلها الشهر القادم أيضاً، وتستمر فعالياتها حتى شهر تشرين الأول، ويمكن التمديد بعدها لنصف سنة إضافية.
هذه بعض فصول الحرب التهويدية المفتوحة على مدينة القدس، والتي لم يعد يقابلها الصمت من لدن كثيرين، يعتبرون أنفسهم عرباً ومسلمين، بل إن كثيرين من الفئة نفسها أيضاً، يغطون العدوان الصهيوني، ويدعمونه.
المصدر: الثبات