حقوق السحب الخاصة دعاية فارغة لصندوق النقد الدولي
إيريك توسان وميلان ريفي إيريك توسان وميلان ريفي

حقوق السحب الخاصة دعاية فارغة لصندوق النقد الدولي

في أواخر آب 2021 أعلن صندوق النقد الدولي بأنّه سيضخّ في الاقتصاد العالمي مبلغ 650 مليار دولار لتلبية الاحتياجات الطارئة، وأنّ ذلك سيتمّ عبر زيادة في حقوق السحب الخاصة. لكن ما الذي يعنيه هذا؟

ترجمة: قاسيون

يفترض بأنّ الدول الـ 190 العضوة في صندوق النقد الدولي، مخولة بالحصول على عملات صعبة ليس عليها أن تعيدها، وهذه الآلية هي ما يتمّ دعوته بحقوق السحب الخاصة SDRs. لكن علينا هنا أنّ نضيف أنّ بإمكان صندوق النقد الدولي إضافة قروض يمنحها للدول التي تطلب المساعدة، وأنّ هذه القروض يجب سدادها مع فائدة، وبأنّها مرتبطة بشروط تطبيق سياسات نيوليبرالية.
عندما أعلن صندوق النقد عن حقوق سحب خاصة بقيمة 650 مليار دولار، كان واضحاً بالقول بأنّ ما ستحصل عليه الدول مرتبط بوزنها السياسي والاقتصادي الذي يمثله نصيب-حصتها «Quota share» في صندوق النقد الدولي. مثال: للولايات المتحدة 17.43 نصيب-حصّة، بينما تملك جمهورية الكونغو 0.22 نصيب-حصّة، أي أقلّ بنسبة 80%، وذلك رغم أنّ سكّان الكونغو حوالي 100 مليون، بينما سكان الولايات المتحدة 330 مليون.

هل حقوق السحب الخاصة ديون تجاه صندوق النقد الدولي؟

يجب شرح هذا: حقوق السحب الخاصة ليست أموالاً: لا يمكنك حملها أو تحويلها أو تبادلها. قيمتها محددة بسلّة من العملات التي تحوي الدولار الأمريكي واليورو واليوان الصيني والين الياباني والباوند البريطاني. لكن يمكن مبادلتها بواحدة من هذه العملات أو أكثر من خلال البنوك المركزية. بهذا المعنى تصبح حقوق السحب الخاصة ديوناً، لكن ليس تجاه صندوق النقد الدولي، بل تجاه المؤسسات التي سيتم التبادل معها. حقوق السحب الخاصة ليست منحة.
بكلام مختصر: الدولة التي لا تملك احتياطيات كافية بعملة أجنبية صعبة أو أكثر، تكفي لسداد دينها العام الخارجي لواحد أو أكثر من دائنيها، ستكون قادرة على استخدام كلّ أو جزء من حقوق السحب الخاصة المخصصة لها لسداد هذه الديون.

22

 هل في الأمر خدعة من أيّ نوع؟

بالتأكيد، يمكننا الإشارة إلى عدد من الخدع المتضمنة فيها.
يمكننا البدء بنصيب-الحصّة Quota shares. حصّة البلدان النامية الـ 135 هي 275 مليار دولار من أصل الـ 650 مليار دولار المخصصة ككل، أي بالكاد 40%. بينما ستتلقى الـ 55 دولة الثريّة 375 مليار دولار.
علاوة على ذلك، هناك لامساواة هائلة في الدخل بين الدول النامية، وهذا سيعزز هذه اللامساواة.
البلدان منخفضة الدخل أو الفقيرة، والتي يبلغ عدد سكانها 700 مليون إنسان، ستتلقى أقلّ من 21 مليار دولار. هذه مبالغ زهيدة مقارنة بمبلغ 450 مليار دولار التي يحتاجونها لمساعدة اقتصاداتهم على مدى السنوات الخمس المقبلة، وذلك وفقاً لصندوق النقد الدولي ذاته.
يمثّل مبلغ الـ 275 مليار دولار الذي ستتلقاه البلدان النامية أقلّ من 8% من ديونها العامة الخارجية، وفقط 25% من أقساط ديونها الخارجية ما بين 2020 و2022.
العامل الآخر الذي لا يجب إغفاله هو العواقب السياسية للأمر. منذ الأزمة العالمية 2007-2008، يعود صندوق النقد الدولي ليكون كالقدر على بلدان الجنوب العالمي. استخدام هذه المخصصات يعني دعم وتعزيز الموقع الرئيس للمؤسسات التي فشلت مراراً منذ إنشائها، سواء بسبب أدائها غير الديمقراطي أو إيديولوجيتها النيوليبرالية المميتة.
يمكننا فقط تخيّل الاتفاقيات المخفية التي عقدتها الدول الثريّة مع دول الجنوب العالمي من أجل تقاضي فوائد وفرض ترتيبات على المخصصات التي يفترض كونهم قد خصصوا بها دون مقابل، والتي تضع حكومات الجنوب العالمي في وضع الأسير الذي ليس لديه ترف الرفض.
أخيراً وليس آخراً، يجب أن نكون على علم بالمكان الذي ستنفق فيه هذه الأموال. في الوقت الحالي تخصص بلدان الجنوب العالمي أكثر من 25% من مواردها لسداد ديونها الخارجية، وليس لإنفاقها على الرعاية الصحية، وليس هناك من مبادرة أو آليّة للتخفيف الفعلي من ذلك.
علاوة على ذلك، فمعظم الدائنين هم من القطاع الخاص، وهم لم يمنحوا أي إعفاء أو تمديد، ما يجعل من المرجح أن يتمّ تخصيص الأموال التي ستحصل عليها دول الجنوب لسداد ديونها تجاههم، خاصة أنّ المنطق السائد حالياً في بلدان الجنوب هو محاولتها الحفاظ على مصداقيتها في الأسواق المالية وتجاه المستثمرين.
كمثال: أعلن رئيس المكسيك بالفعل بأنّه سيستخدم حقوق السحب الخاصة لسداد ديون البلاد الخارجية، وذلك بدلاً من إنفاقها على الرعاية الصحية ومكافحة الوباء الذي حصد أكثر من 260 ألف حياة في المكسيك.
لا يجب على دول الجنوب العالمي وعلى شعوبها توقّع شيء جيّد من المؤسسات المالية الدولية أمثال صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وعليهم اتخاذ إجراءاتهم السيادية، والتي باتت متاحة اليوم.

 

بتصرّف عن: The IMF’s announcement of $650 billion in Special Drawing Rights: advertising effect