تعيين سوزان رايس مستشارة للأمن القومي
إعلان الرئيس اوباما تعيين المندوب الأميركي الدائم لدى الامم المتحدة، سوزان رايس، مستشارة للأمن القومي لم يفاجئ أحداً، سيما وأنها من المقربين سياسيا له.
رمى اوباما في تعيين رايس إلى مكافأتها بعدما أضحت شخصية مثيرة للجدل، على خلفية تصريحاتها حول احداث البعثة الأميركية في بنغازي. كما ان اختيارها يقصد به توجيه صفعة لخصومه الجمهوريين في مجلس الشيوخ، الذين أقاموا سداً قاطعا ضد تزكيتها لمنصب وزير الخارجية آنذاك. منصب رايس الجديد لا يشترط مصادقة مجلس الشيوخ، وبهذا تفلت من مقصلة الجمهوريين.
لزمن قريب اعتبرت رايس خلفا مناسبا لوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون لحين حادثة بنغازي واطلاقها تصريحات عدة توصف الحادث بانه عفوي حفزه شريط فيديو مناهض للاسلام والمسلمين؛ التحقيقات اللاحقة اثبتت بطلان فرضية تصريحاتها. عندئذ، قرر الرئيس اوباما سحب ترشيحها للمنصب لتفادي جلسات رسمية محرجة كان سيجريها مجلس الشيوخ.
ليست المرة الاولى التي يثار فيها الجدل حول رايس. ففي عام 1996، شغلت منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون الافريقية، ابان فترة مادلين اولبرايت، اذ ناشدت رايس الرئيس بيل كلينتون رفض العرض السوداني نيته تسليم اسامة بن لادن، الذي اقام هناك آنئذ، للسلطات الاميركية. دلت التحقيقات المتتالية لعامي 1996 و 1997 على رفض رايس، وامتدادا وزارة الخارجية، طلبات عدة تقدم بها مكتب التحقيقات الفيدرالي للتدقيق في معلومات تتعلق بنشاطات ارهابية على صلة ببن لادن.
لا زال البعض يعتبر آراءها حول مسائل الارهاب خلافية ومثيرة للجدل. للدلالة، في العام 2005 شاركت رايس ببحث اكاديمي استند الى فرضية ان الارهاب "يشكل خطرا تكمن جذوره في مشاعر الاضطهاد والحرمان معا،" وليس بدافع الحقد نحو الغرب.
اسهامات رايس الادبية وتصرفاتها العملية في قضيتي بنغازي والسودان تقود الى استنتاج مشاطرتها الرئيس اوباما الرأي بأن الحرب على الارهاب قد انتهت.
مؤهلات منصب مستشار الامن القومي تتطلب توفر الاستقامة وتوجهات فكرية مستقلة، ومعارضة الانزلاق نحو الخيارات الجاهزة المقدمة من الاجهزة الاستخبارية، عند الضرورة، بل الغوص عميقا في المجال الاستخباري للتحقق من صدقية المعلومات قبل تقديمها للرئيس. سلوك رايس في المسألتين المشار اليهما، بنغازي والسودان، تدل على تبعيتها للرواية الرسمية الصادرة عن وزارة الخارجية؛ الأمر الذي يؤشر على ثغرة حقيقية لاهليتها وتكشف مكامن الضعف في المؤهلات المطلوبة لمنصب بهذه الخطورة. وهنا يبرز السؤال حول دورها الحقيقي المطلوب لصياغة سياسة الأمن القومي للسنوات الثلاث المتبقية للرئيس اوباما.
تجدر الاشارة الى ان تجربة رايس في السياسة الخارجية تؤشر على احد اضعف السجلات لمسؤول رئيسي في بلورة سياسات السلم والحرب، من بين اقرانها السابقين جميعا. جرت العادة ان يستعين الرؤساء بشخصيات ذوي خبرة صلبة في بلورة السياسة الخارجية ويتمتعون بسمعة اكاديمية باهرة. نال اسلافها المنصب نظرا للأهلية في مجالي السياسة الخارجية والشؤون الأمنية، منذ عهد الرئيس كنيدي وانتهاء بالرئيس جورج بوش الابن، فضلا عن المكانة الاكاديمية والفكرية المرموقة كما يستدل من تاريخ بريجينسكي وبرينت سكوكروفت، مثلا.
عند القاء نظرة تمحيصية على إسهامات رايس الأدبية نستطيع القول انها لم تفصح بما يميزها لتبوأ منصب هام ومؤثر في مجال السياسة الخارجية، سواء داخل بنية الحزب الديموقراطي او خارجه. بل اتسمت بطغيان الدوافع والتبريرات السياسية كما تجلى في دفاعها عن أحداث بنغازي الذي تهاوى سريعا بغية حجب الأسباب الحقيقية للهجوم، وكل ذلك خلال معركة الانتخابات الرئاسية لعام 2012. كما تصدع جدار خبراتها السياسية بعد الكشف عن دورها في تخفيف أهوال حرب الإبادة الجماعية في رواندا ابان شغلها موقع مدير المنظمات العالمية وحفظ السلام، والذي كان ايضا لاعتبارات سياسية سيما والبلد مقبلة على معركة الانتخابات النصفية حامية الوطيس. ونقل عنها قولها آنذاك "لو استخدمنا تعبير "الابادة الجماعية" ولم نقم بعمل اللازم، ماذا ستكون التداعيات على انتخابات (الكونغرس) في نوفمبر؟"
البيت الأبيض لا يزال يواجه سلسلة فضائح سياسية ليس من مؤشر على حسمها في المدى المنظور. ويستمر الجدل الرسمي وجلسات استجواب الكونغرس حول أحداث بنغازي للسعي والتوصل إلى إمكانية تعاون موظف في الخارجية، ولو برتبة وظيفية متدنية، وإفشائه بعض المعلومات تناقض او تفند تصريحات سوزان رايس السابقة. يترتب على هذا الأمر انصراف مستشار الرئيس اوباما للأمن القومي وبذل بعض الجهد للدفاع عن ذاتها على حساب انجاز المهام المنوطة بها لبلورة توجهات سياسية لبضع سنوات قادمة.
في المحصلة العامة، قرار اوباما اختيار رايس لمنصب مستشار الأمن القومي يدل على عزمه إحاطة نفسه بمؤيدين يثق بولائهم السياسي على حساب بذل جهود حقيقية لصياغة أجندة للأمن القومي في ولايته الرئاسية الثانية.