الإنتاج الغذائي العالمي أكثر من كاف لنا... أين العلة؟
قدّرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «فاو» أن الإنتاج العالمي للغذاء، أكثر من كافٍ ليطعم العالم. وكمثال على ذلك، فقد تمّ تقدير كمية الحبوب التي أُنتجت في عام 2016 وحده، بـ2.577 مليون طن، وهي الكمية التي بقي منها 13 مليون طن بعد أن تمّت تلبية الطلبات..!
تعريب: كمال شريف
ينتج العالم بالفعل أكثر من 2000 كيلو كالوري للشخص الواحد، كمعدل وسطي، وهو الحد الأدنى من الطاقة، التي يحتاجها الإنسان، وذلك وفقاً لـ«دليل وزارة الزارعة الأميركية للحمية الصحيّة». ورغم كل هذا الإنتاج، لا يزال هنالك 780 مليون إنسان يعيشون في جوع مزمن. والكثير منهم يعيشون في مناطق ريفية، ويعتمدون على الزراعة في معيشتهم.
«الفاو» لا تمس منظومة الثراء!
أعلنت الأمم المتحدة: أن هذه المفارقة المرعبة هي في جزء منها نتيجة لـ«هدر الغذاء». حيث يقدّر بأن حوالي ثلث الغذاء يُهدر أو يضيع، ويعتبر باحثو هدر الغذاء أن هذه التقديرات تستهين بالمشكلة، فلو افترضنا بأننا أوقفنا الهدر، فهذا سيضيف 58 مليون طن من الحبوب.
ورغم إعلان «الفاو» أنّه «لو تمّ إيقاف هدر ربع الغذاء الحاصل حالياً حول العالم فقط، فهذا سيكفي لإطعام 870 مليون جائع حول العالم»، إلا أنها لم تقدّم تفسيراً اجتماعياً لسبب الهدر الغذائي الحاصل. بل بحثت -عوضاً عن ذلك- عن «حلول سوقية» و«مرممات تكنولوجية»، وهذا يعني بشكل أساسي السعي لاعتماد طرقٍ أفضل لقياس مشكلة الهدر، ولإيجاد تقنيات أفضل للحصاد، ولزيادة الحوافز، وتقليل مخاطر زراعة الفواكه والخضراوات، ولتحسين طرق التغليف. والنقل، لمنع الإفساد، ولإقامة «حملات تثقيف عامة» تجعل المستهلكين «يفهمون» أنّ الطماطم صالحة للأكل، حتّى لو لم تكن جميلة المظهر.
لا تمسّ هذه الحلول بأذى دوافع البعض لجني الأرباح من نظامنا الغذائي، ولا تمركز السطوة «الاحتكارية» الواضح على سلاسل التسليع، والذي يجعل الجميع يعتمدون على شركات غير منتخبة، من أجل معيشتهم. إنّها تعالج هدر الغذاء من وجهة نظر الفاعلية الاقتصادية، وليس من وجهة نظر المساواة على الإطلاق.
تناقض النظام الغذائي: وفرة في سبيل الجوع
يمكن للتكنولوجيا أن تعالج الكثير من المشاكل التي تواجه الزراعة، لكنّها غير قادرة على معالجة سبب قرار المنتجين أن يتركوا الغذاء في الحقل بدلاً من إحضاره للسوق، أو تفضيل الموزعين التخلص من الغذاء بدلاً من إيصاله للمحتاجين. هذان الفعلان كلاهما ينافيان العقل، إن كنت تهدف لإطعام الناس، لكن هذا ليس هو هدف الإنتاج الرأسمالي للغذاء، فالذي يحرك الإنتاج الرأسمالي هو الدافع غير القابل للإشباع للربح وللتراكم.
تتجاهل الأمم المتحدة و«الفاو» حقيقة أن نظامنا الغذائي يبقي على تناقضٍ في بنيته، فالحوافز الرأسمالية تقود إلى الإفراط في إنتاج الغذاء الذي لم يتم تسليمه على الإطلاق، ولا يوجد التزام يوجب على أحدٍ أن يستفيد من هذا الفائض والوفرة، من أجل القضاء على الجوع. ما أن نفهم هذا التناقض حتّى نستطيع رؤية نظام الغذاء الرأسمالي باعتباره وفرةً تنافي العقل.
الغذاء بوصفه «سلعة سخيفة»
دعونا نبدأ - كما فعل ماركس- بسلعة. يتم إنتاج السلعة بسبب قيمتها التبادلية – أي سعرها. يستخدم الرأسمالي المال ليصنع سلعة ويبيعها ويحصل على المزيد من المال، تنشأ من هذه السلسلة البسيطة أسبابٌ اقتصادية عديدة، تدفع المزارعين كي لا يحصدوا كلّ ما تنتجه أرضهم.
ليس للغذاء الذي لا يتم تسليعه أيّة قيمة بالنسبة للرأسمالي، ذلك رغم قيمته البيولوجية بالنسبة للإنسان الجائع، فلا أهمية لقيمة استخدام الشخص الجائع للغذاء. كما أن المُزارع الذي لا يستعمل هكذا غذاء ليس شخصاً خبيثاً بالتأكيد، فهو يستجيب لضغوط السوق التنافسية وحسب.
تقول خبيرة علم البساتين في جامعة ولاية نورث كارولينا، ليزا جونسون، أنه - وبسبب تقلّب الأسعار خلال موسم نموّ المزروعات- فإنّ المزارعين يجنون أقل قدر من المحاصيل. فأسعار الفواكه والخضراوات في بداية الموسم تكون أعلى منها في نهايته. لذلك، وكلما انقضى وقت أكبر من الموسم، كلما بقي المزيد والمزيد من المنتجات في الحقول، يدرك المزارعون تأثير السعر، فهم يحسنون وضعهم الاقتصادي في السوق الرأسمالية. إنّهم يتركون المزيد من المنتجات خارج سلسلة المؤن، في محاولة لتضخيم أسعار الأغذية. يكبح المزارعون المؤن من أجل التأثير على السعر، وذلك دون الاهتمام بالطلب.
علاوةً على ذلك، ولأن للأغذية مثل هذه القيمة التبادلية المتدنية في وقت الإنتاج، فإن المزارعين سيتركون الغذاء غير القابل للتسويق في الحقل، تصف جونسون كيف أنّه «في بيع وشراء الفواكه والخضراوات، فإنّ لصفاته الجمالية أهمية: الحجم والشكل واللون وتلك الأشياء كلها». يلعب المستهلك دوراً في تحديد قطعة الفواكه التي يتمّ تسليعها، وتلك التي ترمى في القمامة، وهو ما يقود الموزعين لمعايرة الفواكه والخضراوات التي يشترونها على هذا الأساس، ما يدفع بالمزارعين لترك منتجاتٍ محددةً في الحقل.
لن يرغب المزارعون بإرسال شاحنة من الخضراوات، مع ما يكلفهم نقلها، إلى موزّعٍ يعيدها لهم، لأنها لا تطابق معاييره الجمالية. لا يتعلّق الأمر بصلاحية هذه الطماطم. أو البطاطا للأكل، بل بقابليتها للبيع بسعر يحقق الربح.
وتقبع وراء المنتجين والمستهلكين طبقة من السياسة الحكومية، التي تزيد الحوافز الضارّة في النظام الغذائي. شرح الباحثون الغذائيون الذين تحدثت معهم جميعاً بشكل تفصيلي كيفية قيام الحوافز السوقية الحالية بزيادة إنتاج الغذاء «غير الهام»، مثل: زيادة الذرة لصنع شراب الذرة عالي الفركتوز «سكر الفواكه» على حساب المحاصيل الأكثر تغذيةً.
توجيه الإنتاج الزراعي
من بين المحاصيل المزروعة جميعها، هنالك فقط 2% منها فواكه وخضراوات. تصف جونسون حقيقة مفزعة: «لو ذهبنا جميعنا اليوم لشراء الفواكه والخضراوات، فلن يكون هنالك ما يكفينا جميعاً». ويعود ذلك بشكل جزئي إلى غياب وجود التأمين على المحاصيل وغير ذلك من الدعم الحكومي بالنسبة لمزارعي الفواكه والخضراوات.
وكما تشير ماريون نستله في كتاب «سياسة الغذاء: كيف تؤثّر صناعة الغذاء على تغذيتنا وصحتنا»: «من وجهة نظر غذائية، قد يكون ارتفاع أسعار السكر مثبطاً لاستهلاك المشروبات الغازية والحلوى والحلويات، لكن من وجهة نظر مالية، فإنّ الخطّة مرغوبة جدّاً». في تسعينيات القرن العشرين، كانت واحدة من عمليات قصب السكر، والتي تمثّل ثلث إنتاج فلوريدا من قصب السكر، تتلقّى دعماً حكومياً بقيمة 60 مليون دولار، بينما لا تتلقى عملية إنتاج فواكه وخضراوات مماثلة شيئاً تقريباً. وهذا الاتجاه لا يزال قائماً إلى وقتنا هذا.
قدّم ألكس برنارد، عالم الاجتماع ومؤلف كتاب «الفريغانيون: الغوص في ثروة نفايات الغذاء في أميركا»، مثالاً آخر: «تفرط شركة «دنكن دونتس» في إنتاج كعكة الدونتس، وهي تعلم أنّ الكثير منها سيُرمى بعيداً. هذه الطريقة عالية الفعالية بالنسبة للشركة، فهي تهتم بألّا تفوّت أي بيع، بدلاً من اهتمامها بالحفاظ على المؤن».
لا إطعام للجياع!
تضحي اللاعقلانية واضحةً عندما ندرك ما يصفه برنارد بأننا: «ننتج 3700 سعرة حرارية من الغذاء للشخص الواحد يومياً في هذه البلاد، وبأننا لا نستطيع أكلها كلّها». وبينما ننتج هذا القدر، فإنّ الكثير من هذا الغذاء هو طعام غير مهم، وبالتالي غير صحي، حيث «تظهر تصريحات وزارة الزراعة الأمريكية بأنّ حوالي 50% من الغذاء الذي نرميه في هذه البلاد إمّا مضاف له الدهون أو مضاف له السكّريات». الإفراط في الإنتاج هو القاعدة في هذا النظام، لأنّ الرأسماليين يفضلون أن يتحملوا بعض التكاليف المضافة، من خلال إنتاج الكثير، على أن يفوتوا بيعاً.
إذاً، وبأخذ كلّ شيء في الاعتبار، نحن لا نطعم الجياع، ولا نزرع الطعام المغذي. لكننا نزيد القيمة المضافة، بحيث نجعل من الغذاء سلعةً جيدةً. يظنّ برنارد بأنّ: «هناك تناقضاً بين النموذج المبني على النمو، وبين منتجٍ يمكن أن نستهلكه فقط ضمن وقت محدد».
وعليه، فإن المحاججة بأنّ الأسواق فاعلة، تنجح فقط إن عنت كلمة «فاعلة» شيئاً واحداً: جني الأرباح في الأسواق التابعة للأقلية الأوليغارشية. إذاً، يتم التعامل مع الغذاء بوصفه سلعةً، ويصبح في اللحظة التي يفقد فيها قيمته التبادلية مجرّد نفايات. وفي هذه اللحظة التي يخسر فيها قيمته التبادلية، يتحوّل إلى ما أطلق عليه برنارد اسم «السلعة السابقة».
ينتج العالم بالفعل أكثر من 2000 كيلو كالوري للشخص الواحد، كمعدل وسطي، وهو الحد الأدنى من الطاقة، التي يحتاجها الإنسان، وذلك وفقاً لـ«دليل وزارة الزارعة الأميركية للحمية الصحيّة». ورغم كل هذا الإنتاج، لا يزال هنالك 780 مليون إنسان يعيشون في جوع مزمن. والكثير منهم يعيشون في مناطق ريفية، ويعتمدون على الزراعة في معيشتهم.
«الفاو» لا تمس منظومة الثراء!
أعلنت الأمم المتحدة: أن هذه المفارقة المرعبة هي في جزء منها نتيجة لـ«هدر الغذاء». حيث يقدّر بأن حوالي ثلث الغذاء يُهدر أو يضيع، ويعتبر باحثو هدر الغذاء أن هذه التقديرات تستهين بالمشكلة، فلو افترضنا بأننا أوقفنا الهدر، فهذا سيضيف 58 مليون طن من الحبوب.
ورغم إعلان «الفاو» أنّه «لو تمّ إيقاف هدر ربع الغذاء الحاصل حالياً حول العالم فقط، فهذا سيكفي لإطعام 870 مليون جائع حول العالم»، إلا أنها لم تقدّم تفسيراً اجتماعياً لسبب الهدر الغذائي الحاصل. بل بحثت -عوضاً عن ذلك- عن «حلول سوقية» و«مرممات تكنولوجية»، وهذا يعني بشكل أساسي السعي لاعتماد طرقٍ أفضل لقياس مشكلة الهدر، ولإيجاد تقنيات أفضل للحصاد، ولزيادة الحوافز، وتقليل مخاطر زراعة الفواكه والخضراوات، ولتحسين طرق التغليف. والنقل، لمنع الإفساد، ولإقامة «حملات تثقيف عامة» تجعل المستهلكين «يفهمون» أنّ الطماطم صالحة للأكل، حتّى لو لم تكن جميلة المظهر.
لا تمسّ هذه الحلول بأذى دوافع البعض لجني الأرباح من نظامنا الغذائي، ولا تمركز السطوة «الاحتكارية» الواضح على سلاسل التسليع، والذي يجعل الجميع يعتمدون على شركات غير منتخبة، من أجل معيشتهم. إنّها تعالج هدر الغذاء من وجهة نظر الفاعلية الاقتصادية، وليس من وجهة نظر المساواة على الإطلاق.
تناقض النظام الغذائي: وفرة في سبيل الجوع
يمكن للتكنولوجيا أن تعالج الكثير من المشاكل التي تواجه الزراعة، لكنّها غير قادرة على معالجة سبب قرار المنتجين أن يتركوا الغذاء في الحقل بدلاً من إحضاره للسوق، أو تفضيل الموزعين التخلص من الغذاء بدلاً من إيصاله للمحتاجين. هذان الفعلان كلاهما ينافيان العقل، إن كنت تهدف لإطعام الناس، لكن هذا ليس هو هدف الإنتاج الرأسمالي للغذاء، فالذي يحرك الإنتاج الرأسمالي هو الدافع غير القابل للإشباع للربح وللتراكم.
تتجاهل الأمم المتحدة و«الفاو» حقيقة أن نظامنا الغذائي يبقي على تناقضٍ في بنيته، فالحوافز الرأسمالية تقود إلى الإفراط في إنتاج الغذاء الذي لم يتم تسليمه على الإطلاق، ولا يوجد التزام يوجب على أحدٍ أن يستفيد من هذا الفائض والوفرة، من أجل القضاء على الجوع. ما أن نفهم هذا التناقض حتّى نستطيع رؤية نظام الغذاء الرأسمالي باعتباره وفرةً تنافي العقل.
الغذاء بوصفه «سلعة سخيفة»
دعونا نبدأ - كما فعل ماركس- بسلعة. يتم إنتاج السلعة بسبب قيمتها التبادلية – أي سعرها. يستخدم الرأسمالي المال ليصنع سلعة ويبيعها ويحصل على المزيد من المال، تنشأ من هذه السلسلة البسيطة أسبابٌ اقتصادية عديدة، تدفع المزارعين كي لا يحصدوا كلّ ما تنتجه أرضهم.
ليس للغذاء الذي لا يتم تسليعه أيّة قيمة بالنسبة للرأسمالي، ذلك رغم قيمته البيولوجية بالنسبة للإنسان الجائع، فلا أهمية لقيمة استخدام الشخص الجائع للغذاء. كما أن المُزارع الذي لا يستعمل هكذا غذاء ليس شخصاً خبيثاً بالتأكيد، فهو يستجيب لضغوط السوق التنافسية وحسب.
تقول خبيرة علم البساتين في جامعة ولاية نورث كارولينا، ليزا جونسون، أنه - وبسبب تقلّب الأسعار خلال موسم نموّ المزروعات- فإنّ المزارعين يجنون أقل قدر من المحاصيل. فأسعار الفواكه والخضراوات في بداية الموسم تكون أعلى منها في نهايته. لذلك، وكلما انقضى وقت أكبر من الموسم، كلما بقي المزيد والمزيد من المنتجات في الحقول، يدرك المزارعون تأثير السعر، فهم يحسنون وضعهم الاقتصادي في السوق الرأسمالية. إنّهم يتركون المزيد من المنتجات خارج سلسلة المؤن، في محاولة لتضخيم أسعار الأغذية. يكبح المزارعون المؤن من أجل التأثير على السعر، وذلك دون الاهتمام بالطلب.
علاوةً على ذلك، ولأن للأغذية مثل هذه القيمة التبادلية المتدنية في وقت الإنتاج، فإن المزارعين سيتركون الغذاء غير القابل للتسويق في الحقل، تصف جونسون كيف أنّه «في بيع وشراء الفواكه والخضراوات، فإنّ لصفاته الجمالية أهمية: الحجم والشكل واللون وتلك الأشياء كلها». يلعب المستهلك دوراً في تحديد قطعة الفواكه التي يتمّ تسليعها، وتلك التي ترمى في القمامة، وهو ما يقود الموزعين لمعايرة الفواكه والخضراوات التي يشترونها على هذا الأساس، ما يدفع بالمزارعين لترك منتجاتٍ محددةً في الحقل.
لن يرغب المزارعون بإرسال شاحنة من الخضراوات، مع ما يكلفهم نقلها، إلى موزّعٍ يعيدها لهم، لأنها لا تطابق معاييره الجمالية. لا يتعلّق الأمر بصلاحية هذه الطماطم. أو البطاطا للأكل، بل بقابليتها للبيع بسعر يحقق الربح.
وتقبع وراء المنتجين والمستهلكين طبقة من السياسة الحكومية، التي تزيد الحوافز الضارّة في النظام الغذائي. شرح الباحثون الغذائيون الذين تحدثت معهم جميعاً بشكل تفصيلي كيفية قيام الحوافز السوقية الحالية بزيادة إنتاج الغذاء «غير الهام»، مثل: زيادة الذرة لصنع شراب الذرة عالي الفركتوز «سكر الفواكه» على حساب المحاصيل الأكثر تغذيةً.
توجيه الإنتاج الزراعي
من بين المحاصيل المزروعة جميعها، هنالك فقط 2% منها فواكه وخضراوات. تصف جونسون حقيقة مفزعة: «لو ذهبنا جميعنا اليوم لشراء الفواكه والخضراوات، فلن يكون هنالك ما يكفينا جميعاً». ويعود ذلك بشكل جزئي إلى غياب وجود التأمين على المحاصيل وغير ذلك من الدعم الحكومي بالنسبة لمزارعي الفواكه والخضراوات.
وكما تشير ماريون نستله في كتاب «سياسة الغذاء: كيف تؤثّر صناعة الغذاء على تغذيتنا وصحتنا»: «من وجهة نظر غذائية، قد يكون ارتفاع أسعار السكر مثبطاً لاستهلاك المشروبات الغازية والحلوى والحلويات، لكن من وجهة نظر مالية، فإنّ الخطّة مرغوبة جدّاً». في تسعينيات القرن العشرين، كانت واحدة من عمليات قصب السكر، والتي تمثّل ثلث إنتاج فلوريدا من قصب السكر، تتلقّى دعماً حكومياً بقيمة 60 مليون دولار، بينما لا تتلقى عملية إنتاج فواكه وخضراوات مماثلة شيئاً تقريباً. وهذا الاتجاه لا يزال قائماً إلى وقتنا هذا.
قدّم ألكس برنارد، عالم الاجتماع ومؤلف كتاب «الفريغانيون: الغوص في ثروة نفايات الغذاء في أميركا»، مثالاً آخر: «تفرط شركة «دنكن دونتس» في إنتاج كعكة الدونتس، وهي تعلم أنّ الكثير منها سيُرمى بعيداً. هذه الطريقة عالية الفعالية بالنسبة للشركة، فهي تهتم بألّا تفوّت أي بيع، بدلاً من اهتمامها بالحفاظ على المؤن».
لا إطعام للجياع!
تضحي اللاعقلانية واضحةً عندما ندرك ما يصفه برنارد بأننا: «ننتج 3700 سعرة حرارية من الغذاء للشخص الواحد يومياً في هذه البلاد، وبأننا لا نستطيع أكلها كلّها». وبينما ننتج هذا القدر، فإنّ الكثير من هذا الغذاء هو طعام غير مهم، وبالتالي غير صحي، حيث «تظهر تصريحات وزارة الزراعة الأمريكية بأنّ حوالي 50% من الغذاء الذي نرميه في هذه البلاد إمّا مضاف له الدهون أو مضاف له السكّريات». الإفراط في الإنتاج هو القاعدة في هذا النظام، لأنّ الرأسماليين يفضلون أن يتحملوا بعض التكاليف المضافة، من خلال إنتاج الكثير، على أن يفوتوا بيعاً.
إذاً، وبأخذ كلّ شيء في الاعتبار، نحن لا نطعم الجياع، ولا نزرع الطعام المغذي. لكننا نزيد القيمة المضافة، بحيث نجعل من الغذاء سلعةً جيدةً. يظنّ برنارد بأنّ: «هناك تناقضاً بين النموذج المبني على النمو، وبين منتجٍ يمكن أن نستهلكه فقط ضمن وقت محدد».
وعليه، فإن المحاججة بأنّ الأسواق فاعلة، تنجح فقط إن عنت كلمة «فاعلة» شيئاً واحداً: جني الأرباح في الأسواق التابعة للأقلية الأوليغارشية. إذاً، يتم التعامل مع الغذاء بوصفه سلعةً، ويصبح في اللحظة التي يفقد فيها قيمته التبادلية مجرّد نفايات. وفي هذه اللحظة التي يخسر فيها قيمته التبادلية، يتحوّل إلى ما أطلق عليه برنارد اسم «السلعة السابقة».