القيادي التونسي المعارض حمّة الهمامي لـ«السفير»: قاومنا الاستبداد بوجهيه.. ومعركتنا العربية واحدة
يُعتبر الأمين العام لـ«حزب العمال» التونسي والمتحدث باسم «الجبهة الشعبية» المعارضة حمّة الهمامي قطباً أساسياً من أقطاب المعارضة التونسية، وهو بلا شك يمثل أحد وجوهها أمام الرأي العام العربي.
طويلة هي مسيرة الهمامي في النضال وفي العمل السياسي، وبشكل مختصر، فهو بدأها كمناضل يساري في سبعينيات القرن الماضي في الحركة الطلابية وفي «منظمة آفاق العامل التونسي»، ليشارك في ما بعد في العام 1986 في تأسيس «حزب العمال الشيوعي التونسي»، وهو قد تعرض للسجن والاعتقال في سياق حياته النضالية والسياسية لما مجموعه، تقريباً، عشرة أعوام، رافقها كذلك العمل السرّي، وسُجل آخر اعتقال تعرض له من قبل قوات الأمن التونسية قبل يومين على رحيل الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي عن الحكم في 14 كانون الثاني العام 2011.
شارك في نهاية العام 2012 في تأسيس «الجبهة الشعبية لتحقيق أهداف الثورة»، ليعرف في وقت لاحق، كما عرفت المعارضة التونسية عموماً، خسارة كبيرة إثر اغتيال القيادي المعارض شكري بلعيد في 6 شباط 2013.
يفرض موقعه في الخريطة السياسية، كما يفرض خطابه المتميز بالقدرة على التعبئة، محاورته للوقوف على رأيه حول آخر التطورات في الساحة السياسية التونسية، وقراءته للمرحلة المقبلة.
تم تسمية، أو بالأحرى فرض، رئيس حكومة جديد ليقود المرحلة المقبلة وفقاً لمبادرة الرباعي الراعي للحوار الوطني، ما سيكون له تداعيات أكيدة على المشهد السياسي التونسي، وبالتالي السؤال الأول الذي يُطرح: برأيكم إلى أين تتجه تونس في ظل هذه الظروف؟
ــ تونس إلى أين سيتحدد، في الأيام المقبلة، أو لدقة أكثر، في الأسبوعين المقبلين، لأنّ ما من شك أنه برغم عدم رضانا على ما حصل يوم السبت الماضي (في 14 كانون الأول الحالي لدى اختيار وزير الصناعة الحالي مهدي جمعة كرئيس للحكومة المقبلة) في اللحظات الأخيرة للحوار الوطني، رغم عدم رضانا على ذلك واعتبارنا أنّ ما حصل فيه انقلاب على آلية التوافق الذي كان مطروحا فثمة نتيجة حاصلة، هذه النتيجة هي أنّ حكومة السيّد علي العريّض سترحل في كل الحالات، وهذا في حد ذاته شيء إيجابي وشيء مهم. وهو مطلب رئيسي.
ماذا سيحصل؟ هذا سيكون مرتبطا بتركيبة الحكومة المقبلة، هل سيقع احترام خريطة الطريق، وهي واضحة: أعضاء الحكومة لا بد أن يكونوا من الكفاءات المستقلة، بعبارة أخرى لا يمكن أن يكونوا من الحكومة الحالية، المسؤولة عن الفشل. وأحد أسباب رفضنا للسيد مهدي جمعة هو أنه يأتي من هذه الحكومة، الفاشلة.
المسألة الثانية، ماذا ستكون علاقة هذه الحكومة بمحتوى مبادرة الرباعي، لأنّ هذه الحكومة لها برنامج عليها أن تنفذه، برنامج فيه أبعاد متعلقة بأمن البلاد أي مقاومة الإرهاب وكذلك إصلاح المنظومة الأمنية، هذه أمور مستعجلة، ثمة أيضاً مسألة حل الميليشيات، وخاصة ما يسمى بروابط حماية الثورة، كذلك هناك مسألة تحييد المساجد والتوقف عن تحويلها إلى منابر للدعوة إلى العنف وأحياناً حتى للقتل ولتقسيم التونسيين إلى كفار ومؤمنين، إلى إسلاميين وعلمانيين، كذلك هناك مسألة التحقيق بالاغتيالات بشكل حاسم، ثم ثمة أيضاً إعداد الأجواء اللازمة والمناخ اللازم لإجراء انتخابات حرة وديموقراطية في ضوء الدستور الذي لا بد أن يكون دستوراً يعكس طموحات التونسيين نحو بناء جمهورية ديموقراطية...
جانب آخر سيُحكم على أساسه لهذه الحكومة أو عليها، وهو الجانب الاقتصادي والاجتماعي. وفي هذا المجال فإنّ الموقف من الميزانية الحالية التي أعدتها الحكومة الحالية، والتي هي ميزانية كارثية، الموقف من هذه الميزانية سيكون حاسماً أيضاً في الحكم على هذه الحكومة، لأنّ التونسيين والتونسيات ثاروا ضد الاستبداد في بعده السياسي ولكن أيضاً في البعد الاقتصادي والاجتماعي، ثاروا ضد الفقر ضد البطالة ضد التهميش. الميزانية الحالية هي حسب وجهة نظر أهل الاختصاص وغالبية القوى السياسية والاجتماعية... ميزانية كارثية وستضرب بشكل خاص الفئات الوسطى... إذاً الحكم على هذه الحكومة سيتم وفقاً لمعيار التزامها أو عدم التزامها بتطبيق مبادرة الرباعي وخريطة الطريق.
سؤال حول الفترة الانتقالية. في ظل التطورات التي وقعت خلال الفترة السابقة، والتي تزامنت مع نجاح «حركة النهضة» في عدد من الأوقات بفرض شروطها، هل تعتبرون أنّ المرحلة الانتقالية انتهت ودخلنا إلى مرحلة سياسية جديدة؟
ــ لا نحن ما زلنا في مرحلة الانتقال الديموقراطي، وطبيعي جداً في هذه المرحلة أن نعاني صعوبات كثيرة، ولا بد من الإشارة إلى أصل هذه الصعوبات.
ما حصل في تونس كان ثورة وليس مجرد انتفاضة أو مجرد حركة شعبية عفوية. هي ثورة لأنّ المستهدف من طرف الشعب، الذي شارك بكثافة في هذه الثورة، هو نظام الحكم. ثم أنّ هذه التحركات الشعبية قادتها مبادئ عامة وقادتها أيضا أهداف: شغل، حرية، كرامة وطنية. هذا ما يجعل منها ثورة.
لكن النقص الفادح في هذه الثورة هو غياب قيادة وطنية مركزية. كان المفروض أن تأخذ (هذه القيادة) الحكم مباشرة بعد سقوط (الرئيس الأسبق زين العابدين) بن علي. غياب هذه القيادة هو الذي جعلنا نبقى في منتصف الطريق. إذاً سقط رأس الاستبداد ولكن النظام كنظام استمر، ومنذ ذلك الوقت ونحن في صراع مع هذا النظام. فُرِض المجلس التأسيسي، فُرض حل الحزب الحاكم، فُرض حل البوليس (الأمن) السياسي، فُرضت الحرية، حرية الأحزاب وحرية الصحافة وحرية التظاهر، ولكن العملية لم تتم.
ما الذي عرقل هذه العملية؟
ــ في البداية بقايا النظام القديم، ولكن منذ انتخابات 23 تشرين الأول العام 2011 حركة النهضة وحلفاؤها. حركة النهضة وحلفاؤها لا يمثلون قوى ديموقراطية ولا قوى ثورية، هم لم يشاركوا أصلاً في هذه الثورة، حتى وإن كانوا معارضين لم يشاركوا في هذه الثورة. فكرياً هي قوى محافظة، سياسياً هي قوى لا تبحث عن إقامة جمهورية ديموقراطية، وإنما يبحثون عن إقامة نظام استبدادي جديد وفقاً لفكر الإخوان المسلمين، لا أريد أن أقول إسلامي... ومن الناحية الاقتصادية الاجتماعية هم ليبراليون أو نيو ليبراليون أكثر من بن علي، هم يريدون بيع البلاد وبيع ثروات البلاد وبيع مؤسسات البلاد. بعبارة أخرى سعوا بكل ما لديهم من وسائل، بما في ذلك العنف عن طريق الميليشيات، إلى وضع أسس الانحراف بالثورة ووضع أسس ديكتاتورية جديدة. المهم هو أنّ الشعب قاوم، والقوى الديموقراطية قاومت، وما نعيشه اليوم هو نتاج لتلك المقاومة.
ثمة فكرة شائعة اليوم عن طريق بعض وسائل الإعلام أنّ النهضة انتصرت، نحن بالعكس نعتقد ورغم حدود هذا الحوار الوطني فالنهضة هُزِمت. يكفي أن ننظر إلى الوضع في تونس قبل عام فقط. هل كان يوجد حزب قادر أن يقوم باجتماعات بحرّية؟ الميليشيات كانت تتدخل، كانت تمنع الاجتماعات وتعتدي... الاغتيالات كان يُبرمج لها، المساجد (كانت تشكل) منابر دعوة إلى العنف والنهضة كانت تستأسد وتتكلم عن الصفر فاصلة عندما تتحدث عن المعارضة وتتكلم عن الشرعية. اليوم حركة النهضة مجبرة على الخروج من الحكم حتى وإن كانت تحاول البقاء بوسائل مختلفة. موازين القوى اليوم تحسنت كثيراً مقارنة بالسنة الماضية ونحن في مرحلة ثالثة من الفترة الانتقالية.
ما الذي سيحصل في نهاية هذه المرحلة الانتقالية، هل ستكون حقاً للقوى الديموقراطية أم ستحصل انتكاسة؟ (ما سيحدد ذلك) هو وحدة المعارضة أولاً، واستمرار التعبئة الشعبية ثانياً، وإشراك الشعب أكثر ما يمكن، بكل قواه الحيّة، في هذه المعركة. على هذا المستوى أنا متفائل. أنا أعتقد أننا بصدد مراكمة قوى من شأنها أن تصل بنا إلى أن نحصل على دستور في الأساس ديموقراطي وأن نحصل كذلك على مؤسسات تمثيلية، وأننا نحصل في نهاية الأمر على نظام ديموقراطي، ولكن لن تكون تلك النهاية باعتبار ثمة تغيير اقتصادي واجتماعي مطروح في تونس لفائدة الشعب، هذه الثورة قام بها الفقراء وينبغي أن تعود إلى الفقراء.
ضمن هذه القراءة التي تطرحونها للمشهد التونسي، أين سيكون موقع «الجبهة الشعبية» في المرحلة المقبلة وما هو مستقبلها؟
ــ الجبهة الشعبية هي أحد أهم المكاسب في الساحة السياسية التونسية، لأنّ عندما شارك اليسار، الإشتراكي والقومي، عندما شاركوا في انتخابات 23 تشرين الأول 2011، شاركوا مشتتين، ولو جمعت أصواتهم لوجدتَ أنه كان بإمكانهم أن يكونوا القوة الثانية في الخريطة السياسية، لأنّ الأصوات التي جمعها هذا اليسار المشتت تعطيه تقريباً حوالي 32 أو 34 مقعداً، لكن بما أننا تقدمنا مشتتين فإنّ أصواتنا ذهبت أدراج الرياح وليس لنا سوى ستة أو سبعة مقاعد في المجلس التأسيسي.
الوحدة بيننا (ضمن الجبهة الشعبية) خلقت مناخاً جديداً في الحياة السياسية. الجبهة الشعبية تمثل الآن القوة الثالثة في البلاد، بعد نداء تونس والنهضة، وبشكل عام هي باستمرار وبشكل مستقر القوة الثالثة... الجبهة الشعبية بيّنت منذ نشأتها في 7 تشرين الأول 2012 أنها متماسكة رغم كل العواصف رغم كل الهجومات على الجبهة الشعبية إلا أنها استمرت واستمرت كقوة موحدة.
هل ستتحول إلى حزب أم لا؟ أنا عبّرت عن وضعية الجبهة بكونها هي نصف حزب، أي لها قياداتها الوطنية والجهوية والمحلية، لها سياسة موحدة، نحن نعطي الأولوية للجبهة على العمل الحزبي الخاص، لكن في (ذات الوقت) الأحزاب ما زالت موجودة، وهي تعمل لفائدة الجبهة في الأساس. ثم في الانتخابات المقبلة سنتوجه إلى الانتخابات بقائمات مشتركة، لن تكون ثمة قائمات حزبية داخل الجبهة... وهذا في الحقيقة مكسب تاريخي هام ونحن ربما سنسعى في المرحلة المقبلة إلى أن نوسع حتى مجال العمل المشترك، ووسعناه إلى مجال جبهة الإنقاذ. المرحلة اقتضت منا أن نمد أيدينا إلى الليبراليين الديموقراطيين لأننا وجدنا أنفسنا في مرحلة تهديد فاشي حقيقي.
قبل الحديث عن هذا التهديد، هل سنجد تحالفاً بين مكونات «جبهة الإنقاذ الوطني» المعارضة خلال الانتخابات المقبلة؟
ــ ليس مطروحاً الآن، ليس مطروحاً، ولكن لكل حادث حديث. المؤكد أنّ الجبهة الشعبية اليوم ستكون موحدة في الانتخابات. هل أنّ ذلك سيُتوسّع في إطار جبهة الإنقاذ، فهذا ما لم يناقش إلى حد الآن، ولكن كما تعلمون في السياسة فإنّ الظروف هي التي تفرض بطبيعة الحال أشكال العمل، المهام التي يفرضها الظرف التي تفرض أشكال العمل.
سؤال اعتراضي آخر، هذه الظروف هي التي فرضت التحالف مع حزب «نداء تونس»؟
ــ نعم الظروف التي فرضت، لأننا وجدنا أنفسنا أمام ديكتاتورية زاحفة، استبداد جديد زاحف أصبح يهدد الحريات أصبح يهدد وجود الأحزاب أصبح يهدد بالاغتيال السياسي، كذلك أصبح يهدد المكاسب في تونس، لا فقط مكاسب الثورة إنما أيضاً المكاسب الحضارية والثقافية في تونس. وجدنا أنفسنا أمام انحراف خطير في الثورة إلى إطار آخر ألا وهو بناء استبداد جديد متخلف يريد مراجعة كل المكاسب الحضارية والثقافية لتونس وإنشاء استبداد جديد، وطبيعي جداً مقاومة هذا الاستبداد الجديد، وهي لا تجمع قوى الجبهة الشعبية فقط وإنما تتسع إلى قوى أخرى... ونداء تونس ليست له مصلحة في هذا العنف... نداء تونس يريد حرية الاجتماع وهو يُمنع كما تُمنع الجبهة من الحق في الاجتماع، نداء تونس لديه تمسك بمكاسب النساء في تونس، مثلاً، نداء تونس يريد كذلك الدولة المدنية، كل ذلك نقاط مشتركة. وبالنسبة لنا هذا ما جعلنا نتقارب، هذه المهمات هي التي جعلتنا نتقارب بعضنا مع بعض.
سؤال أخير، حمّة الهمامي يمثل اليوم رمزاً بالنسبة لأوساط عربية، وهو كذلك أحد وجوه المعارضة التونسية في الخارج. فإلى جانب ما يوصف بالمعركة التي تقودنها في تونس اليوم، هل لدى حمّة الهمامي ما يقول إلى تلك الأوساط العربية؟ هل لديه رسالة عربية؟
ــ طبيعي، فنحن نعتبر أنّ معركتنا هي جزء من المعركة التي تخوضها القوى الثورية والتقدمية والديموقراطية والمعادية للاستعمار والصهيونية في العالم العربي. نحن نعتبر أننا جزء من هذه المعركة، لأن في نهاية الأمر نحن نواجه نفس العدو، نحن نواجه أنظمة رجعية شرسة، نواجه استعمارا... نواجه كذلك تيارات إسلاموية فاشية استبدادية، هي لها امتداداتها ونحن نعتبر أنّ لنا امتداداتنا، كما للقوى الديموقراطية والثورية والمعادية للاستعمار في الوطن العربي، ونحن نعتبر أننا نحن امتدادها في تونس.
لذلك نحن نعتبر أنّ معركتنا مشتركة وهو ما يقتضي رص الصفوف وإيجاد صيغ تنسيق ما بيننا لأنّ أعداءنا وخصومنا متوحدون، وأعداءنا وخصومنا ينسقون. أنظر، مثلاً، إلى حركة الاخوان المسلمين، هم يجتمعون في اسطنبول ويخططون مع بعضهم البعض كيف سيتصرفون ليس من ناحية السياسات العامة فقط بل أحياناً حتى من ناحية التكتيكات التي ينبغي أن يتبعوها. هذا يفرض على القوى الثورية والقوى الوطنية التقدمية في الوطن العربي أن تنسق وتتقارب وتعمل خصوصاً في ظل موازين القوى الحالية الإقليمية والعالمية التي ليست في الواقع في صالحنا، وعلينا أن نعمل من أجل أن تتحول إلى صالحنا.
شارك في نهاية العام 2012 في تأسيس «الجبهة الشعبية لتحقيق أهداف الثورة»، ليعرف في وقت لاحق، كما عرفت المعارضة التونسية عموماً، خسارة كبيرة إثر اغتيال القيادي المعارض شكري بلعيد في 6 شباط 2013.
يفرض موقعه في الخريطة السياسية، كما يفرض خطابه المتميز بالقدرة على التعبئة، محاورته للوقوف على رأيه حول آخر التطورات في الساحة السياسية التونسية، وقراءته للمرحلة المقبلة.
تم تسمية، أو بالأحرى فرض، رئيس حكومة جديد ليقود المرحلة المقبلة وفقاً لمبادرة الرباعي الراعي للحوار الوطني، ما سيكون له تداعيات أكيدة على المشهد السياسي التونسي، وبالتالي السؤال الأول الذي يُطرح: برأيكم إلى أين تتجه تونس في ظل هذه الظروف؟
ــ تونس إلى أين سيتحدد، في الأيام المقبلة، أو لدقة أكثر، في الأسبوعين المقبلين، لأنّ ما من شك أنه برغم عدم رضانا على ما حصل يوم السبت الماضي (في 14 كانون الأول الحالي لدى اختيار وزير الصناعة الحالي مهدي جمعة كرئيس للحكومة المقبلة) في اللحظات الأخيرة للحوار الوطني، رغم عدم رضانا على ذلك واعتبارنا أنّ ما حصل فيه انقلاب على آلية التوافق الذي كان مطروحا فثمة نتيجة حاصلة، هذه النتيجة هي أنّ حكومة السيّد علي العريّض سترحل في كل الحالات، وهذا في حد ذاته شيء إيجابي وشيء مهم. وهو مطلب رئيسي.
ماذا سيحصل؟ هذا سيكون مرتبطا بتركيبة الحكومة المقبلة، هل سيقع احترام خريطة الطريق، وهي واضحة: أعضاء الحكومة لا بد أن يكونوا من الكفاءات المستقلة، بعبارة أخرى لا يمكن أن يكونوا من الحكومة الحالية، المسؤولة عن الفشل. وأحد أسباب رفضنا للسيد مهدي جمعة هو أنه يأتي من هذه الحكومة، الفاشلة.
المسألة الثانية، ماذا ستكون علاقة هذه الحكومة بمحتوى مبادرة الرباعي، لأنّ هذه الحكومة لها برنامج عليها أن تنفذه، برنامج فيه أبعاد متعلقة بأمن البلاد أي مقاومة الإرهاب وكذلك إصلاح المنظومة الأمنية، هذه أمور مستعجلة، ثمة أيضاً مسألة حل الميليشيات، وخاصة ما يسمى بروابط حماية الثورة، كذلك هناك مسألة تحييد المساجد والتوقف عن تحويلها إلى منابر للدعوة إلى العنف وأحياناً حتى للقتل ولتقسيم التونسيين إلى كفار ومؤمنين، إلى إسلاميين وعلمانيين، كذلك هناك مسألة التحقيق بالاغتيالات بشكل حاسم، ثم ثمة أيضاً إعداد الأجواء اللازمة والمناخ اللازم لإجراء انتخابات حرة وديموقراطية في ضوء الدستور الذي لا بد أن يكون دستوراً يعكس طموحات التونسيين نحو بناء جمهورية ديموقراطية...
جانب آخر سيُحكم على أساسه لهذه الحكومة أو عليها، وهو الجانب الاقتصادي والاجتماعي. وفي هذا المجال فإنّ الموقف من الميزانية الحالية التي أعدتها الحكومة الحالية، والتي هي ميزانية كارثية، الموقف من هذه الميزانية سيكون حاسماً أيضاً في الحكم على هذه الحكومة، لأنّ التونسيين والتونسيات ثاروا ضد الاستبداد في بعده السياسي ولكن أيضاً في البعد الاقتصادي والاجتماعي، ثاروا ضد الفقر ضد البطالة ضد التهميش. الميزانية الحالية هي حسب وجهة نظر أهل الاختصاص وغالبية القوى السياسية والاجتماعية... ميزانية كارثية وستضرب بشكل خاص الفئات الوسطى... إذاً الحكم على هذه الحكومة سيتم وفقاً لمعيار التزامها أو عدم التزامها بتطبيق مبادرة الرباعي وخريطة الطريق.
سؤال حول الفترة الانتقالية. في ظل التطورات التي وقعت خلال الفترة السابقة، والتي تزامنت مع نجاح «حركة النهضة» في عدد من الأوقات بفرض شروطها، هل تعتبرون أنّ المرحلة الانتقالية انتهت ودخلنا إلى مرحلة سياسية جديدة؟
ــ لا نحن ما زلنا في مرحلة الانتقال الديموقراطي، وطبيعي جداً في هذه المرحلة أن نعاني صعوبات كثيرة، ولا بد من الإشارة إلى أصل هذه الصعوبات.
ما حصل في تونس كان ثورة وليس مجرد انتفاضة أو مجرد حركة شعبية عفوية. هي ثورة لأنّ المستهدف من طرف الشعب، الذي شارك بكثافة في هذه الثورة، هو نظام الحكم. ثم أنّ هذه التحركات الشعبية قادتها مبادئ عامة وقادتها أيضا أهداف: شغل، حرية، كرامة وطنية. هذا ما يجعل منها ثورة.
لكن النقص الفادح في هذه الثورة هو غياب قيادة وطنية مركزية. كان المفروض أن تأخذ (هذه القيادة) الحكم مباشرة بعد سقوط (الرئيس الأسبق زين العابدين) بن علي. غياب هذه القيادة هو الذي جعلنا نبقى في منتصف الطريق. إذاً سقط رأس الاستبداد ولكن النظام كنظام استمر، ومنذ ذلك الوقت ونحن في صراع مع هذا النظام. فُرِض المجلس التأسيسي، فُرض حل الحزب الحاكم، فُرض حل البوليس (الأمن) السياسي، فُرضت الحرية، حرية الأحزاب وحرية الصحافة وحرية التظاهر، ولكن العملية لم تتم.
ما الذي عرقل هذه العملية؟
ــ في البداية بقايا النظام القديم، ولكن منذ انتخابات 23 تشرين الأول العام 2011 حركة النهضة وحلفاؤها. حركة النهضة وحلفاؤها لا يمثلون قوى ديموقراطية ولا قوى ثورية، هم لم يشاركوا أصلاً في هذه الثورة، حتى وإن كانوا معارضين لم يشاركوا في هذه الثورة. فكرياً هي قوى محافظة، سياسياً هي قوى لا تبحث عن إقامة جمهورية ديموقراطية، وإنما يبحثون عن إقامة نظام استبدادي جديد وفقاً لفكر الإخوان المسلمين، لا أريد أن أقول إسلامي... ومن الناحية الاقتصادية الاجتماعية هم ليبراليون أو نيو ليبراليون أكثر من بن علي، هم يريدون بيع البلاد وبيع ثروات البلاد وبيع مؤسسات البلاد. بعبارة أخرى سعوا بكل ما لديهم من وسائل، بما في ذلك العنف عن طريق الميليشيات، إلى وضع أسس الانحراف بالثورة ووضع أسس ديكتاتورية جديدة. المهم هو أنّ الشعب قاوم، والقوى الديموقراطية قاومت، وما نعيشه اليوم هو نتاج لتلك المقاومة.
ثمة فكرة شائعة اليوم عن طريق بعض وسائل الإعلام أنّ النهضة انتصرت، نحن بالعكس نعتقد ورغم حدود هذا الحوار الوطني فالنهضة هُزِمت. يكفي أن ننظر إلى الوضع في تونس قبل عام فقط. هل كان يوجد حزب قادر أن يقوم باجتماعات بحرّية؟ الميليشيات كانت تتدخل، كانت تمنع الاجتماعات وتعتدي... الاغتيالات كان يُبرمج لها، المساجد (كانت تشكل) منابر دعوة إلى العنف والنهضة كانت تستأسد وتتكلم عن الصفر فاصلة عندما تتحدث عن المعارضة وتتكلم عن الشرعية. اليوم حركة النهضة مجبرة على الخروج من الحكم حتى وإن كانت تحاول البقاء بوسائل مختلفة. موازين القوى اليوم تحسنت كثيراً مقارنة بالسنة الماضية ونحن في مرحلة ثالثة من الفترة الانتقالية.
ما الذي سيحصل في نهاية هذه المرحلة الانتقالية، هل ستكون حقاً للقوى الديموقراطية أم ستحصل انتكاسة؟ (ما سيحدد ذلك) هو وحدة المعارضة أولاً، واستمرار التعبئة الشعبية ثانياً، وإشراك الشعب أكثر ما يمكن، بكل قواه الحيّة، في هذه المعركة. على هذا المستوى أنا متفائل. أنا أعتقد أننا بصدد مراكمة قوى من شأنها أن تصل بنا إلى أن نحصل على دستور في الأساس ديموقراطي وأن نحصل كذلك على مؤسسات تمثيلية، وأننا نحصل في نهاية الأمر على نظام ديموقراطي، ولكن لن تكون تلك النهاية باعتبار ثمة تغيير اقتصادي واجتماعي مطروح في تونس لفائدة الشعب، هذه الثورة قام بها الفقراء وينبغي أن تعود إلى الفقراء.
ضمن هذه القراءة التي تطرحونها للمشهد التونسي، أين سيكون موقع «الجبهة الشعبية» في المرحلة المقبلة وما هو مستقبلها؟
ــ الجبهة الشعبية هي أحد أهم المكاسب في الساحة السياسية التونسية، لأنّ عندما شارك اليسار، الإشتراكي والقومي، عندما شاركوا في انتخابات 23 تشرين الأول 2011، شاركوا مشتتين، ولو جمعت أصواتهم لوجدتَ أنه كان بإمكانهم أن يكونوا القوة الثانية في الخريطة السياسية، لأنّ الأصوات التي جمعها هذا اليسار المشتت تعطيه تقريباً حوالي 32 أو 34 مقعداً، لكن بما أننا تقدمنا مشتتين فإنّ أصواتنا ذهبت أدراج الرياح وليس لنا سوى ستة أو سبعة مقاعد في المجلس التأسيسي.
الوحدة بيننا (ضمن الجبهة الشعبية) خلقت مناخاً جديداً في الحياة السياسية. الجبهة الشعبية تمثل الآن القوة الثالثة في البلاد، بعد نداء تونس والنهضة، وبشكل عام هي باستمرار وبشكل مستقر القوة الثالثة... الجبهة الشعبية بيّنت منذ نشأتها في 7 تشرين الأول 2012 أنها متماسكة رغم كل العواصف رغم كل الهجومات على الجبهة الشعبية إلا أنها استمرت واستمرت كقوة موحدة.
هل ستتحول إلى حزب أم لا؟ أنا عبّرت عن وضعية الجبهة بكونها هي نصف حزب، أي لها قياداتها الوطنية والجهوية والمحلية، لها سياسة موحدة، نحن نعطي الأولوية للجبهة على العمل الحزبي الخاص، لكن في (ذات الوقت) الأحزاب ما زالت موجودة، وهي تعمل لفائدة الجبهة في الأساس. ثم في الانتخابات المقبلة سنتوجه إلى الانتخابات بقائمات مشتركة، لن تكون ثمة قائمات حزبية داخل الجبهة... وهذا في الحقيقة مكسب تاريخي هام ونحن ربما سنسعى في المرحلة المقبلة إلى أن نوسع حتى مجال العمل المشترك، ووسعناه إلى مجال جبهة الإنقاذ. المرحلة اقتضت منا أن نمد أيدينا إلى الليبراليين الديموقراطيين لأننا وجدنا أنفسنا في مرحلة تهديد فاشي حقيقي.
قبل الحديث عن هذا التهديد، هل سنجد تحالفاً بين مكونات «جبهة الإنقاذ الوطني» المعارضة خلال الانتخابات المقبلة؟
ــ ليس مطروحاً الآن، ليس مطروحاً، ولكن لكل حادث حديث. المؤكد أنّ الجبهة الشعبية اليوم ستكون موحدة في الانتخابات. هل أنّ ذلك سيُتوسّع في إطار جبهة الإنقاذ، فهذا ما لم يناقش إلى حد الآن، ولكن كما تعلمون في السياسة فإنّ الظروف هي التي تفرض بطبيعة الحال أشكال العمل، المهام التي يفرضها الظرف التي تفرض أشكال العمل.
سؤال اعتراضي آخر، هذه الظروف هي التي فرضت التحالف مع حزب «نداء تونس»؟
ــ نعم الظروف التي فرضت، لأننا وجدنا أنفسنا أمام ديكتاتورية زاحفة، استبداد جديد زاحف أصبح يهدد الحريات أصبح يهدد وجود الأحزاب أصبح يهدد بالاغتيال السياسي، كذلك أصبح يهدد المكاسب في تونس، لا فقط مكاسب الثورة إنما أيضاً المكاسب الحضارية والثقافية في تونس. وجدنا أنفسنا أمام انحراف خطير في الثورة إلى إطار آخر ألا وهو بناء استبداد جديد متخلف يريد مراجعة كل المكاسب الحضارية والثقافية لتونس وإنشاء استبداد جديد، وطبيعي جداً مقاومة هذا الاستبداد الجديد، وهي لا تجمع قوى الجبهة الشعبية فقط وإنما تتسع إلى قوى أخرى... ونداء تونس ليست له مصلحة في هذا العنف... نداء تونس يريد حرية الاجتماع وهو يُمنع كما تُمنع الجبهة من الحق في الاجتماع، نداء تونس لديه تمسك بمكاسب النساء في تونس، مثلاً، نداء تونس يريد كذلك الدولة المدنية، كل ذلك نقاط مشتركة. وبالنسبة لنا هذا ما جعلنا نتقارب، هذه المهمات هي التي جعلتنا نتقارب بعضنا مع بعض.
سؤال أخير، حمّة الهمامي يمثل اليوم رمزاً بالنسبة لأوساط عربية، وهو كذلك أحد وجوه المعارضة التونسية في الخارج. فإلى جانب ما يوصف بالمعركة التي تقودنها في تونس اليوم، هل لدى حمّة الهمامي ما يقول إلى تلك الأوساط العربية؟ هل لديه رسالة عربية؟
ــ طبيعي، فنحن نعتبر أنّ معركتنا هي جزء من المعركة التي تخوضها القوى الثورية والتقدمية والديموقراطية والمعادية للاستعمار والصهيونية في العالم العربي. نحن نعتبر أننا جزء من هذه المعركة، لأن في نهاية الأمر نحن نواجه نفس العدو، نحن نواجه أنظمة رجعية شرسة، نواجه استعمارا... نواجه كذلك تيارات إسلاموية فاشية استبدادية، هي لها امتداداتها ونحن نعتبر أنّ لنا امتداداتنا، كما للقوى الديموقراطية والثورية والمعادية للاستعمار في الوطن العربي، ونحن نعتبر أننا نحن امتدادها في تونس.
لذلك نحن نعتبر أنّ معركتنا مشتركة وهو ما يقتضي رص الصفوف وإيجاد صيغ تنسيق ما بيننا لأنّ أعداءنا وخصومنا متوحدون، وأعداءنا وخصومنا ينسقون. أنظر، مثلاً، إلى حركة الاخوان المسلمين، هم يجتمعون في اسطنبول ويخططون مع بعضهم البعض كيف سيتصرفون ليس من ناحية السياسات العامة فقط بل أحياناً حتى من ناحية التكتيكات التي ينبغي أن يتبعوها. هذا يفرض على القوى الثورية والقوى الوطنية التقدمية في الوطن العربي أن تنسق وتتقارب وتعمل خصوصاً في ظل موازين القوى الحالية الإقليمية والعالمية التي ليست في الواقع في صالحنا، وعلينا أن نعمل من أجل أن تتحول إلى صالحنا.