تصاعد أزمة «الطائفية الحاكمة» مع اقتراب انتخابات 2014
يتصاعد يوما بعد يوم صراع القوى الطائفية والعرقية الحاكمة الفاسدة، تصاعداً عكسياً مع العد التنازلي لموعد انتخابات 30 نيسان 2014، وتتمزق خارطة التحالفات الداخلية لهذه القوى، مع ارتباك واضح في خطابها الطائفي الاثني المفلس، حداً اضطرت فيه المرجعيات الدينية، إعلان النأي بنفسها عن كل هذه القوى التي تاجرت باسمها وحصلت على غطائها الديني في الانتخابات السابقة.
يتمحور الصراع الحالي على تحاصص مراكز الحكم والوزارات وتهريب النفط العراقي من الشمال والجنوب والصفقات المشبوهة، حتى قبل إجراء الانتخابات. وما يجمعها دون استثناء مصلحة مشتركة، هي السيطرة على الشعب العراقي وإذلاله وتجويعه وتفتيت وحدته الوطنية، مستقوية بعضها ضد البعض الآخر بتخادمها، وحتى عمالة بعضها، لهذه الدولة الإقليمية أو تلك، ناهيكم عن تقديمها جميعاً آيات الطاعة للسيد الأمريكي بالتعهد على تنفيذ ما يسمى “ اتفاقية الإطار الاستراتيجي” بين العراق والمحتل الغازي الأمريكي .
تعلن جميع هذه القوى أن الدستور فيصل لحل خلافتها خصوصاً بشأن الفيدرالية وما يسمى زوراً وبهتاناً بـ”الأراضي المتنازع عليها”، إذ صمم الأمريكيون الدستور لهذا الغرض، خاصة المادة (115) على يد المستشار الأمريكي الصهيوني غالبريث، أي، افتعال الانقسام الطائفي-الاثني، وبما أن النظام الفيدرالي يُعدّ واحداً من “الحلول الجيدة للنظم السياسية”، ولكن ذلك في حال لجوء عدة دويلات أو مقاطعات لتكوين دولة واحدة لتجاوز عوامل الضعف الذي يعتري كل واحدة منها، ولا يوجد مثال واحد تاريخياً يشير إلى أن دولة قررت أن تغير شكلها إلى فيدرالية، إلا “عراق 9 نيسان 2003”، الذي يراد تعميمه نموذجاً تشرذمياً في المنطقة العربية. ولا يؤيده في العراق سوى عميل للامبريالية الأمريكية أو جاهل معرفياً وتاريخياً.
عوامل استمرار المحاصصة
نعم، إن الصراع على أشده بين هذه الكتل الحاكمة وفي داخلها، ولكنه لم يصل بعد إلى مرحلة انهيار المعادلة السياسة المحاصصاتية الراهنة، وبدء عملية سياسية وطنية بديلة، لسببين رئيسيين:
الأول، هو عدم ارتقاء القوى الوطنية الديمقراطية إلى مستوى إنتاج برنامج سياسي وطني تحرري بديل، حيث لا تزال هذه القوى تروج لوهم التغيير عبر عملية انتخابية مزيفة، محسومة النتائج سلفاً لمصلحة أحزاب المليشيات الطائفية العنصرية.
والثاني، هو التقدم البطيء للقوى اليسارية، والذي لا يتناسب مع حجم المهمات الطبقية والوطنية، وعدم تمكنها من إبراز قادة جدد من طراز شعبي، مما انعكس سلباً على التحركات الشعبية الاحتجاجية لناحية تنميتها وتطويرها على المستوى الوطني والبرنامجي. ولعل من أبرز عوامل ضعف اليسار العراقي الذاتية، هو تحول الحزب الشيوعي العراقي من الصف الطبقي والوطني إلى خندق القوى الطبقية البرجوازية الطفيلية المتخادمة مع المحتل الأمريكي في احتلال العراق، فانتقلت الحركة الشيوعية العراقية، ولأول مرة في تاريخها، من الصراع على أساليب الكفاح لاستلام السلطة، إلى الصراع للحفاظ على هويتها الطبقية والوطنية في مشهد سياسي فاسد على كل المستويات.
الضعف الذاتي للحركة اليسارية
هذا المشهد اليساري المأسوي، المتأثر موضوعياً، بالتركة الثقيلة للنظام الفاشي، الساقط بالاحتلال على صعيد المجتمع، التركة الناتجة عن حربي إيران والكويت وحرب الاحتلال وما بينهما من فترة حصار طويلة، كانت حصيلتها نشأة أجيال دون تعليم، وشيوعيين مسنين مرضى محبطين يائسين مستسلمين للتفسير الديماغوجي للخيانة الطبقية والوطنية تحت إدعاء مفاده: “لم يكن أمام الحزب الشيوعي العراقي من خيار آخر سوى خيار الانخراط في عملية تحرير العراق والانضمام الى مجلس الحكم سيئ الصيت”. أما عن “شيوعيّ المهجر” فهم مترفون نرجسيون متقاعدون عن النضال يرفعون شعارات الصالونات و”الأفندية”، أو خونة التحقوا بفلول النظام الفاشية سياسياً باسم المقاومة المزيفة. إضافة إلى صعوبة لم تكن موجودة في تاريخ الحركة الشيوعية العراقية، ألا وهي ضعف النشاط اليساري بين أوساط الطلبة والشباب والنساء.
لقد جاء تشكيل لجنة العمل لليسار العراقي المشترك، ليمثل انتقالة نوعية في هذا الميدان، سواء لناحية إعادة بناء الحركة الشيوعية واليسارية طبقياً ووطنياً، أو طرح البرنامج اليساري الثوري البديل، القادر على تعبئة الطبقات الكادحة في معركة وطنية تحررية، في لحظة تاريخية انتقالية فاصلة، تشير جميع مؤشراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلى بدء العد العكسي لسقوط النظام الحاكم الفاسد، مثلتها التحركات الشعبية المتنامية مطلبياً ووطنياً.
صباح الموسوي : * عضو لجنة العمل لليسار العراقي المشترك