تقرير لسيمور هيرش بعنوان : " السارين لمن؟"

تقرير لسيمور هيرش بعنوان : " السارين لمن؟"

شن الصحافي الشهير سيمور هيرش، في تقرير بعنوان «السارين لمن؟»، نشره في موقع «لندن بوك ريفيو» بعد رفض مجلة «نيويوركر» نشره، هجوماً حاداً على الإدارة الأميركية، وعلى رأسها باراك أوباما، مفنداً كيف قامت الإدارة الأميركية بتحريف تقارير الاستخبارات الأميركية من أجل تحميل النظام السوري مسؤولية الهجوم بالأسلحة الكيميائية على غوطة دمشق، وتجاهلها تقارير الاستخبارات التي تتحدث عن أن «جبهة النصرة» أصبحت تملك القدرة على تصنيع غاز السارين. وحذر هيرش من انه بعد إزالة ترسانة الاسلحة الكيميائية السورية، فقد نصل في نهاية المطاف الى مرحلة تصبح فيها «النصرة» الجهة الوحيدة التي تملك القدرة على تصنيع الأسلحة الكيميائية

 

هكذا حرّفت إدارة أوباما التقارير بشأن الهجوم «الكيميائي»

باراك أوباما لم يقل كل الحقيقة هذا الخريف عندما كان يحاول تحميل بشار الأسد مسؤولية الهجوم بالأسلحة الكيميائية الذي وقع قرب دمشق في 21 آب الماضي. في بعض الحالات أغفل معلومات استخباراتية مهمة، وفي حالات اخرى قدم استنتاجات على أنها حقائق. والأهم، انه فشل في الاعتراف بأمر معروف لدى مجتمع الاستخبارات الأميركي: الجيش السوري ليس الطرف الوحيد في الحرب الأهلية السورية الذي يمتلك السارين، وهو غاز الأعصاب الذي استنتجت دراسة للأمم المتحدة، من دون تحديد المسؤوليات، انه استخدم في الهجوم الصاروخي.
في الأشهر التي سبقت الهجوم، أصدرت وكالات الاستخبارات الأميركية سلسلة من التقارير السرية للغاية تشير بالدليل إلى أن «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة» أصبحت تملك طريقة صنع السارين، وأنها قادرة على تصنيع كميات منه. وعندما وقع الهجوم، كان ينبغي أن يتم النظر إلى «النصرة» كمشتبه بها، لكن الإدارة (الأميركية) انتقت من معلومات الاستخبارات للتبرير الهجوم على الأسد.
في خطابه المتلفز بشأن سوريا في 10 أيلول الماضي، ألقى أوباما باللوم في الهجوم بغاز الأعصاب الذي استهدف المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في الغوطة الشرقية على حكومة الأسد فقط، وأوضح بشكل لا لبس فيه انه مستعد لتطبيق تحذيره العلني السابق من أن أي استخدام الأسلحة كيميائية سيكون خرقاً لـ«الخط الأحمر». وقال «حكومة الأسد قتلت بالغاز أكثر من ألف شخص. نعرف أن نظام الأسد مسؤول، ولهذا، وبعد تفكير متأن، قررت أنه من مصلحة الولايات المتحدة الرد على استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيميائية من خلال ضربات عسكرية محددة».
أوباما كان ذاهباً إلى الحرب لدعم تهديده العلني، لكنه كان يقوم بهذا الأمر من دون أن يعرف من قام بالهجوم فجر 21 آب. لقد تحدث عن لائحة تشمل ما يمكن اعتباره أدلة قوية عن قدرات الأسد: «في الأيام التي قادت إلى 21 آب، نعرف أن عناصر من القوات السورية الخاصة بالأسلحة الكيميائية استعدت لهجوم قرب منطقة يتم فيه مزج غاز السارين. لقد وزعوا أقنعة الغاز على قواتهم، وبعدها أطلقوا الصواريخ من منطقة يسيطرون عليها على 11 منطقة يحاولون إزالة القوات المعارضة منها».
تأكيد أوباما كرره رئيس مكتب موظفيه دينيس مادونون الذي قال لصحيفة «نيويورك تايمز»، إن «أحداً ممن تحدثت إليه لا يشك في ربط الاستخبارات للأسد ونظامه مباشرة بهجوم السارين».
لكن في مقابلات مع مسؤولين في الاستخبارات والجيش، ومع مستشارين حاليين وسابقين، وجدت قلقاً شديداً لديهم، وفي إحدى الحالات وجدت غضباً، بشأن ما اعتبروه تلاعباً متعمداً بالاستخبارات. ووصف أحد المسؤولين الرفيعي المستوى في الاستخبارات، في رسالة الكترونية إلى أحد الزملاء، تأكيد الإدارة أن الأسد يتحمل المسؤولية بأنه «خدعة». وكتب أن «الهجوم لم يكن صنيعة هذا النظام».
وقال لي مسؤول رفيع المستوى سابق في الاستخبارات إن إدارة أوباما عدلت المعلومات المتوافرة، من ناحية التوقيت والسياق، من أجل السماح للرئيس ومستشاريه بإظهار أن معلومات الاستخبارات بعد أيام من الهجوم تبدو وكأنها حصلت وقت وقوع الهجوم. ويضيف أن هذا التحريف يذكره بحادث خليج تونكين (الواقع بين الصين وفيتنام) فيالعام 1964، عندما قامت إدارة جونسون بعكس تقرير لوكالة الاستخبارات من أجل تبرير عمليات القصف الأولي لشمالي فيتنام. وأشار المسؤول إلى حالة إحباط شديدة داخل الجيش والاستخبارات: «الشبان يرفعون أيديهم في الهواء ويقولون: كيف يمكننا مساعدة هذه الشخص (أوباما). عندما يغير هو وأصدقاؤه في البيت الابيض تقارير الاستخبارات كما يريدون؟».
وتتركز الشكاوى على ما لم تكن واشنطن تملكه: أي تحذير مسبق عن المصدر المحتمل للهجوم. تقوم استخبارات الجيش منذ سنوات بتقديم ملخص استخباراتي سري جدا صباح كل يوم إلى وزير الدفاع ورئيس الأركان، كما أن نسخة منه تذهب الى مستشار الامن القومي (للبيت الابيض) ومدير الاستخبارات القومية. التقرير الصباحي لا يتضمن أي معلومات سياسية أو اقتصادية، ولكنه عبارة عن ملخص لأهم الأحداث الأمنية حول العالم، وكل المعلومات الاستخباراتية المتوافرة حول الموضوع.
قال لي مستشار رفيع المستوى في الاستخبارات انه بعد الهجوم قام بمراجعة التقارير الصادرة بين 20 إلى 23 آب. وخلال يومين (20 و21 آب)، لم يكن هناك ذكر لسوريا. وفي 22 آب كان الموضوع الرئيسي عن مصر. وكان هناك تقرير عن تغيير داخلي في قيادة إحدى المجموعات المتمردة في سوريا. لم تتم الإشارة أبدا إلى استخدام غاز الأعصاب في دمشق في ذلك اليوم. لكن موضوع استخدام السارين أصبح القضية الرئيسية في 23 آب، برغم انتشار مئات الصور والأفلام عن المجزرة بعد ساعات على «يوتيوب» و«فايسبوك» ومواقع اجتماعية أخرى على الانترنت. في هذه المرحلة فإن الإدارة الأميركية لم تكن تعرف أكثر من الجمهور.
ترك أوباما واشنطن صباح 21 آب لجولة تستمر يومين في نيويورك وبنسلفانيا. وبحسب المكتب الإعلامي في البيت الأبيض فقد تم تقديم ملخص له عن الهجوم وتزايد الإحباط الإعلامي والشعبي. عدم وجود معلومات استخباراتية واضحة ظهر في 22 آب، عندما قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية جين بيساكي للصحافيين «لا يمكننا ان نحدد تحديدا أكيدا استخدام (أسلحة كيميائية)، لكننا نقوم بكل ما في وسعنا كل دقيقة منذ وقوع هذه الاحداث لمعرفة الحقائق».
في 27 آب، تشددت نبرة الإدارة الأميركية، عندما قال المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني للصحافيين، من دون تقديم أي معلومات محددة، إن أي إيحاء أن الحكومة السورية غير مسؤولة «مثل الاقتراحات المنافية للعقل من ان الهجوم لم يحصل أبدا».
ويظهر غياب الإنذار الأولي داخل مجتمع الاستخبارات الأميركية انه لم تكن هناك أي معلومات استخباراتية بشأن النيات السورية في الايام التي سبقت الهجوم. وثمة طريقتان على الأقل كان يمكن للولايات المتحدة ان تعرف بهذا الأمر مسبقا: والأمران كُشف عنهما في الوثائق التي كشف عنها المستشار السابق في وكالة الأمن القومي ادوارد سنودن.
في 29 آب، نشرت «واشنطن بوست» مقتطفات من الموازنة الأولية لكل برامج الاستخبارات، قدمها لها سودن. وفي مشاورات مع إدارة أوباما، قررت الصحيفة نشر جزء صغير من 178 صفحة، مصنفة أكثر من سرية جداً، لكنها لخصتها، ونشرت جزءًا منها يتناول مناطق فيها مشاكل، وأحدها يشير إلى فجوة في التجسس على مكتب الأسد. وتوضح هذه الصفحات أن أجهزة الاستخبارات كانت قادرة على مراقبة الاتصالات بين القيادات العسكرية في بداية الحرب الأهلية هناك، لكن «يبدو أن قوات الاسد عرفت بهذا الامر في ما بعد». وهذا يعني انه لم يعد بمقدور الوكالة التنصت على المحادثات بين القيادات العسكرية في سوريا، والتي كانت ستعرف بالتأكيد ان الاسد أصدر أمر الهجوم بغاز الأعصاب. (في بياناتها الاعلامية منذ 21 آب، لم تدّع إدارة أوباما إطلاقاً أن لديها معلومات تربط الأسد نفسه بالهجوم).
يقدم تقرير «واشنطن بوست» أيضا إشارات على نظام إنذار سري داخل سوريا، مخصص لتقديم إنذار مبكر عن أي تغيير في حالة ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية. أجهزة الاستشعار هذه مرتبطة بمكتب الاستكشاف القومي، وهي الوكالة التي تتحكم بأقمار التجسس في المدار. وبحسب الصحيفة فإن لدى المكتب أيضا «أجهزة استشعار على الأرض» داخل سوريا.
لقد قال لي مسؤول استخبارات سابق، على معرفة بهذا البرنامج، انه تم زرع أجهزة استشعار قرب كل مواقع إدارة الحرب الكيميائية المعروفة في سوريا، وهي مخصصة لتقديم معلومات فورية عن أي تحريك للأسلحة الكيميائية، لكن الأهم في إطار الإنذار المبكر هو قدرة أجهزة الاستشعار على إرسال إنذار الى الاستخبارات الاسرائيلية والاميركية عندما يتم تركيب رؤوس صواريخ محملة بالسارين، حيث ان الرأس الصاروخي، عندما يحمل بالسارين، يبدأ بالتآكل فورا، فهو من نوع «أستخدمه أو أخسره».
وقال المسؤول «ليس لدى الجيش السوري ثلاثة أيام من أجل التحضير لهجوم كيميائي. لقد وضعنا نظام الاستشعار من أجل الحصول على معلومات فورية، مثل نظام الهجوم الجوي أو الحريق. لا يمكن أن يكون لديك إنذار لمدة ثلاثة أيام، لان جميع المتورطين قد يكونون قتلوا... لا يمكنك أن تستهلك ثلاثة أيام على عملية الاستعداد لإطلاق غاز الأعصاب».
أجهزة الاستشعار لم تتلقَّ أي حركة في الأشهر والأيام التي سبقت 21 آب، يقول المسؤول الاستخباراتي السابق.
من الممكن انه تم تسليم السارين إلى الجيش السوري بطريقة أو بأخرى، ولكن عدم حصول إنذار يعني أنه لم يكن بمقدور واشنطن مراقبة الأحداث في الغوطة الشرقية كما تدّعي.
لقد عملت أجهزة الاستشعار في الماضي، والقيادة السورية كانت تعلم بهذا الأمر. في كانون الأول الماضي تلقت أجهزة الاستشعار ما يشير الى عملية إنتاج للسارين في أحد مخازن الأسلحة. ولم يكن واضحاً على الفور ما اذا كان الجيش السوري يتدرب على إنتاج السارين كجزء من تدريب (كل الجيوش تجري دائما مثل هذا التدريبات) أو أنه كان يستعد لهجوم. في ذلك الوقت حذر أوباما علنا سوريا من أن استخدام السارين «أمر غير مقبول». رسالة مماثلة مررت عبر القنوات الديبلوماسية. وتبين في ما بعد أن هذا الامر يأتي ضمن سلسلة تدريبات بحسب مسؤول سابق في الاستخبارات. ويضيف «اذا كان ما التقطته أجهزة الاستشعار في كانون الاول الماضي مهما جدا للرئيس ليخرج ويقول: توقفوا، فلماذا لم يصدر الرئيس الإنذار ذاته قبل ثلاثة أيام من الهجوم بالغاز في آب؟».
وأشار الى ان وكالة الامن القومي تراقب كل الترددات التي تستخدمها القوات السورية، لكنها لا تقوم بعملية تحليل للمعلومات في وقتها، بل يتم حفظ المعلومات. وبعد معرفة حجم الهجوم في 21 آب فإن الوكالة بذلت جهدا كبيرا من أجل البحث عن تفاصيل الهجوم، وقامت بمراجعة أرشيف الاتصالات المخزنة لديها. ويوضح «ما حصل هو أن وكالة الاستخبارات بدأت بكلمة: استخدام السارين. ووصلت إلى ثرثرات قد يكون لها علاقة بالموضوع». وتابع «هذا لا يقود إلى تحليل ذي ثقة، إلا اذا قررت أن بشار الاسد أمر بذلك، وبدأت تبحث عن أي شيء يدعم هذا الاعتقاد». يشبه هذا الامر التبريرات التي صدرت بشأن غزو العراق.
لقد احتاج البيت الأبيض إلى تسعة أيام لفبركة قضية ضد الحكومة السورية. في 30 آب دعا البيت الأبيض مجموعة منتقاة من الصحافيين في واشنطن وسلمهم تقريرا كتب عليه «تقييم الحكومة» عوضا عن تقييم مجتمع الاستخبارات. كان التقرير عبارة عن خلاصة سياسية لدعم قضية الإدارة ضد حكومة الأسد. لكنه كان، على الأقل، أكثر تحديدا من أوباما في خطابه في 10 أيلول: إن الاستخبارات الأميركية عرفت أن سوريا بدأت «تحضير الذخيرة الكيميائية» قبل ثلاثة أيام من الهجوم.
وفي خطاب عدائي أكثر في ذلك اليوم، قدم وزير الخارجية الأميركي جون كيري المزيد من التفاصيل. قال إن «العناصر السوريين المتخصصين بالأسلحة الكيميائية كانوا على الأرض، في المنطقة، يقومون بالتحضيرات» في 18 آب. وأضاف «عرفنا انه تم إبلاغ عناصر النظام بضرورة الاستعداد للهجوم عبر وضع أقنعة واقية من الغاز واتخاذ الاحتياطات الخاصة بالأسلحة الكيميائية».
لقد كان هناك رد فعل على شكل شكوى من قيادة «الجيش السوري الحر» وآخرين بشأن عدم إصدار إنذار. وقال رزان زيتونة، وهو أحد المعارضين المقيمين في إحدى المناطق التي تعرضت للهجوم بالسارين لمجلة «فورين بوليسي» إنه «من غير المعقول أنهم لم يقوموا بأي أمر لتحذير الناس أو على الأقل إيقاف النظام قبل حصول الجريمة».
وبعد خمسة أيام رد متحدث باسم مدير مكتب الاستخبارات القومية على الموضوع. وقال لوكالة «اسوشييتد برس»: «لنكن واضحين، الولايات المتحدة لم تكن تراقب في الوقت الذي حصل فيه هذا الهجوم الرهيب. لقد قامت وكالات الاستخبارات بجمع المعلومات وتحليلها بعد وقوعها وتقرير أن عناصر في نظام الأسد اتخذوا احتياطات قبل استخدام الأسلحة الكيميائية».
هذا الأمر يتناقض مع ما نشرته صحيفة «واشنطن بوست» في 31 آب اعتمادا على تقييم الحكومة من أن الاستخبارات الأميركية كانت قادرة على تسجيل «كل خطوة» لهجوم الجيش السوري وقت حصولها «من التحضيرات المكثفة إلى إطلاق الصواريخ إلى ردود فعل المسؤولين السوريين بعد ذلك».
وهكذا فإنه عندما قال أوباما إن الإدارة الأميركية عرفت مسبقا أن عناصر متخصصة بالأسلحة الكيميائية قامت بالتحضير للهجوم فإنه كان يعتمد، ليس على الاتصالات التي تم اعتراضها وقت حصول الهجوم، بل على اتصالات تم تحليلها بعد 21 آب بأيام. وفسر المسؤول السابق في الاستخبارات هذا الأمر بأن ملاحقة الثرثرات تعود إلى التدريبات التي جرت في كانون الأول الماضي، والتي قال أوباما من بعدها إن الجيش السوري بدأ بتعبئة العناصر المتخصصة بالأسلحة الكيميائية ووزع أقنعة مضادة للغاز على قواته. لم يتحدث تقييم البيت الأبيض وخطاب أوباما عن الأحداث التي قادت إلى هجوم 21 آب، ولكنهما تضمنا وصفاً لسلسلة الأحداث بعد تدريبات أجراها الجيش السوري على هجوم كيميائي. وقال المسؤول الاستخباراتي السابق «لقد قاموا بتركيب قصة قديمة. وهناك الكثير من القطع والأجزاء المختلفة. إن القطع التي استخدموها تعود إلى كانون الأول الماضي».
هل هذا ممكن؟ بالتأكيد، فأوباما لم يكن يعرف أن حكمه صادر بناء على تحليل لبروتوكول تدريب للجيش السوري على هجوم بالغاز عوضا عن أدلة مباشرة. في كلتا الحالتين، فقد توصل إلى استنتاج متسرع.
وقال البروفسور في التكنولوجيا والأمن القومي تيودور بوستول، بعد معاينة صور الأمم المتحدة من موقع الهجوم في الغوطة، إن الصواريخ المستخدمة في الهجوم مصنعة محلياً، وهي لا تلائم الصواريخ المشابهة ــ والأصغر حجماً ــ التي يملكها الجيش السوري.

«
جبهة النصرة»

ويقارب تحريف البيت الأبيض لما يعرفه عن الهجوم تجاهل المعلومات الاستخباراتية التي يمكن أن تقلل من أهمية حكايته. هذه المعلومات تتعلق بـ«جبهة النصرة»، المجموعة الاسلامية المتمردة التي وضعتها واشنطن على لائحة الإرهاب.
ويعود الاضطراب الاميركي حيال «النصرة» والسارين إلى سلسلة من الهجمات الصغيرة الحجم بأسلحة كيميائية في آذار ونيسان. في ذلك الوقت تبادلت السلطات السورية والمتمردين الاتهامات بشن هذه الهجمات. وفي النهاية أكدت الأمم المتحدة حصول أربع هجمات من دون تحديد المسؤول عنها.
قال مسؤول في البيت الأبيض للصحافيين في نهاية نيسان الماضي ان مجتمع الاستخبارات قيم «بدرجات متفاوتة من الثقة» أن الحكومة السورية تقف وراء الهجمات. إن تقييم نيسان كان عبارة عن عناوين، ولكن التحذير ضاع في الترجمة.
وقال المسؤول إن تقييم الاستخبارات «غير كاف وحده. نريد إجراء تحقيقات أبعد من تقييم الاستخبارات لجمع الحقائق لنعرف ماذا يجب أن نعمل». بكلمات أخرى فإن البيت الأبيض لا يملك أي دليل على تورط الجيش أو الحكومة السورية.
وبعد شهرين من ذلك، أعلن البيت الأبيض، في بيان، تغيير تقييمه، مشيرا إلى ان مجتمع الاستخبارات «لديه ثقة كبيرة» في ان الحكومة السورية مسؤولة عن مقتل 150 شخصاً في هجمات بالسارين، من دون تقديم إيضاحات حول من قدم التقرير. ويقول تقرير البيت الأبيض «لا نملك تقارير حول ان المعارضة في سوريا تملك أسلحة كيميائية أو استخدمتها».
ويتناقض هذا التقرير مع الادلة التي لدى الاستخبارات الأميركية. قال لي مستشار رفيع المستوى في الاستخبارات، في نهاية أيار، ان وكالة الاستخبارات الأميركية قدمت ملخصا الى إدارة اوباما عن «جبهة النصرة» وعملها مع السارين، وانها أرسلت تقارير اخرى تحذر فيها من ان لدى جماعات سنية متشددة اخرى ناشطة في سوريا وتنظيم «القاعدة» في العراق معرفة بكيفية إنتاج السارين. في ذلك الوقت كانت جماعات «النصرة» تعمل في مناطق قريبة من دمشق، ضمنها الغوطة الشرقية.
لقد صدر تقرير للاستخبارات منتصف الصيف يتحدث عن زياد طارق احمد، وهو خبير في الأسلحة الكيميائية في الجيش العراقي، قيل انه انتقل إلى سوريا، ويعمل في الغوطة الشرقية. قال لي المستشار إن طارق «الذي يعرف بأنه رجل النصرة، معروف بأنه يصنع غاز الخردل في العراق وهو خبير في صنع السارين واستخدامه». لقد صنفه الجيش الأميركي على انه هدف رفيع المستوى.
في 20 حزيران، تم تحويل برقية سرية من أربع صفحات إلى نائب مدير مكتب الاستخبارات في وزارة الدفاع ديفيد شيد حول ما تم معرفته عن قدرة «النصرة» على صنع غاز الأعصاب. وقال المستشار «ما تم تقديمه إلى شيد عبارة عن ملخص مكثف. لم يكن عبارة عن مجموعة نحن نعتقد». وأوضح أن البرقية لا تتحدث عما اذا كان الجيش السوري أو المتمردون قد شنوا الهجمات في آذار ونيسان، لكنها تؤكد التقارير السابقة حول قدرة «النصرة» على الحصول على السارين واستخدامه. وذكّر بأنّ عميلاً إسرائيلياً استطاع إخراج عينة من السارين المستخدم في الهجمات، ولكن من دون أن يأتي ذكر لها في البرقية.
ولعلّ تحريف الادارة للحقائق بما يخص الهجوم بالسارين يجبرنا على طرح سؤال: هل لدينا القصة الكاملة عن توجه أوباما للابتعاد عن تهديده بـ«الخط الاحمر» لضرب سوريا؟ لقد كان يزعم ان لديه قضية صلبة، ولكنه وافق فجأة على الذهاب الى الكونغرس، وبعد ذلك وافق على عرض الأسد لإزالة أسلحته الكيميائية. يبدو انه جوبه في وقت ما بالمعلومات المتناقضة: دليل قاطع يكفي لإقناعه بتغيير خطة الهجوم، وتحمل انتقادات الجمهوريين.
ان قرار مجلس الامن الدولي في 27 ايلول الماضي يدعو الى «عدم قيام أي طرف في سوريا باستخدام وتطوير والحصول ونقل وتخزين أسلحة كيميائية». كما يدعو جميع الدول الى إبلاغ مجلس الأمن عن «حصول أي مجموعة» على أسلحة كيميائية. لم يتم تسمية أي مجموعة بالاسم.
وفي حين أن السلطة السورية تواصل عملية إزالة ترسانتها من الأسلحة الكيميائية، فإن السخرية في ذلك انه بعد تدمير الترسانة السورية، فإن «النصرة» وحلفاءها يمكن أن يكونوا الوحيدين الذين يملكون مكونات السارين، وهو سلاح استراتيجي. وقتها قد يكون هناك مفاوضات إضافية

السفير