السعودية و"إسرائيل" شريكتا أميركا الخاسرتان.. البحث معاً عن بديل!
فؤاد ابراهيم فؤاد ابراهيم

السعودية و"إسرائيل" شريكتا أميركا الخاسرتان.. البحث معاً عن بديل!

ليس محض صدفة تطابق مصالح الرياض وتل أبيب إزاء ملفات المنطقة عموماً والملفين السوري والايراني على وجه الخصوص. وليس محض صدفة أيضاً تطابق هواجسهما إزاء التسوية الروسية الأميركية في الكيميائي السوري والنووي الايراني، والتي أفضت الى وضع خيار الحرب تحت الطاولة بدلاً من فوقها.

يغضب السعودي ويلاقيه الاسرائيلي في أول الطريق، لتبدأ حملة ضغوطات ديبلوماسية اسرائيلية وجولة مشاغبات عسكرية سعودية في الميادين السورية واللبنانية والعراقية وحتى اليمنية، فيما أوكل لحليفه اللدود، الاسرائيلي، مهمة إيصال رسائل الغضب الى واشنطن، بينما اكتفى هو بالتمرّد السلبي.


رفض وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل إلقاء كلمة بلاده في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، فتولى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو نقل رسالة مشتركة سعودية اسرائيلية الى واشنطن احتجاجاً على تنصّلها من وعد الضربة العسكرية لسوريا، والتفرّد بقرار الدخول في تسوية سياسية من وراء ظهرَي الرياض وتل أبيب.


لا تبعث المعلومات الخاصة بتنسيق المواقف السعودية الاسرائيلية على الدهشة، ولم يعد سؤال العلاقة بينهما مطروحاً، وكأن ما يصدر عن الاسرائيلي حول العلاقة الحيوية مع الرياض بدءاً من رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو أو من أفرايم هالفي، رئيس الموساد الأسبق، أو حتى من صحيفتَي «هآرتس» أو «يديعوت أحرونوت» يؤخذ كمسلّمة مفروغ منها. وفي السياق نفسه، لا يبدو منظر الأمير تركي الفيصل وهو يكرر مصافحة المسؤولين الاسرائيليين ويتشارك معهم في حملة اعلامية ضد ايران و«حزب الله»، ولا ضير أيضاً أن يكون حاخام اسرائيلي عضواً في مجلس إدارة مركز حوار الأديان في النمسا بتمويل وإدارة سعودية. فقد اختزل العداء لإيران باقي العداوات، وصارت اسرائيل صديق الضرورة، في الحد الأدنى، حتى لا نتوقف طويلاً عند الوثائق التي تنشر تباعاً عن علاقة تاريخية بين الدولتين العبرية والسعودية، كي لا يقال بأنها من وحي الخصوم، مع أنها وثائق أميركية واسرائيلية حصرياً، وليست ايرانية!
أخبار الزيارات السريّة من قبل مسؤولين خليجيين الى تل أبيب بهدف تنسيق المواقف تنشرها صحف إسرائيلية لا على سبيل السبق الصحافي، فحين يتكرر الحدث يفقد عنصر المفاجأة، فقد كثرت اللقاءات بين مسؤولين خليجيين واسرائيليين، وكان الطرف السعودي حاضراً فيها على الدوام في الشكل والمضمون. ومع انتقال الملف السوري الى رئيس الاستخبارات العامة بندر بن سلطان، فإن لا لقاء مع الاسرائيلي يمكن تخيّله من دون السعودي، حضوراً أو مباركة.


وبدا التنسيق الاسرائيلي السعودي في مواجهة تداعيات التسوية الاميركية الروسية كما لو أنه حصيلة مشاورات جرت داخل غرفة عمليات مشتركة. وقد يكون الإحساس بالخطر لدى كل منهما حافزاً على مثل هذا التنسيق الذي يكاد يكون علنياً. وفي باطن كل منهما ما يشي بافتجاع غير مسبوق على أفول ربيع الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة... وفي المحصّلة، كشفت التطوّرات الأخيرة في الشرق الأوسط عن حقيقة صادمة للإسرائيلي وللسعودي معاً، وهي انهيار نموذج الدولة الوظيفية التي تقوم على معادلة تأمين المصالح في مقابل تأمين الحماية. 


اكتشفت السعودية وعلى حين غرّة، بأنها لم تعد وظيفة أميركية في المنطقة، وأن ما توافر من معطيات جديدة برز دفعة واحدة على سطح العلاقة بين واشنطن والرياض، وأوحى بأن أسس الشراكة الاستراتيجية التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية تتداعى بوتيرة متسارعة، وأنها غير قابلة للتعويض. والسبب الجوهري في ذلك، أن مبررات الشراكة بينهما ارتبطت بأوضاع جيوسياسية لم تعد قائمة، أو هي عرضة لتبدّلات جوهرية، بما يفرض إعادة تقييم لكل التحالفات والشراكات في المنطقة والعالم بصورة عامة.


لقاء وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع نظيره السعودي سعود الفيصل في باريس في 11 تشرين الأول الماضي كان للتخفيف من درجة الاحتقان في علاقات البلدين عقب التسوية الروسية الاميركية وما تلاها من جولة مفاوضات ايرانية اميركية تمهيداً لعودة العلاقة المقطوعة بين البلدين منذ انتصار الثورة الاسلامية الايرانية سنة 1979. لم يسفر لقاء كيري ـ الفيصل عن نتيجة مرضية، وبدا واضحاً لدى الطرف السعودي أن خيارات الشريك الاميركي باتت محسومة، ولذلك لم يعر الأخير اهتماماً جديّاً لصراخ الرياض المتكرر وتهديداتها بنقل التحالف الى معسكر آخر. وحين جاء كيري الى الرياض في 9 تشرين الثاني الجاري لم يحمل معه وعوداً من أي نوع، سوى الطمأنة الشكلية لمضيفه السعودي بشأن بقاء التحالف الاستراتيجي بين البلدين الذي تأسس عقب لقاء الملك عبد العزيز والرئيس الاميركي روزفلت على سفينة كوينسي في شباط 1945. وفي الشكل أيضاً، أضاف كيري لهجة تصعيدية ضد ايران و«حزب الله» والنظام السوري، وفهم الجانب السعودي بأن مكان صرفها لا يتجاوز الصالة المصمّمة للمؤتمرات الصحافية في مبنى وزارة الخارجية السعودية بالرياض.


ثمة قناعة راسخة وسط كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين والقادة العسكريين في إسرائيل، مفادها أن الولايات المتحدة لم تعد تنظر الى اسرائيل كدولة وظيفية، صمّمت لحفظ مصالح الغرب في مقابل تأمين الحماية لها وسط محيط غير متصالح. فالهيبة التي اكتسبها الكيان الاسرائيلي بعد حرب 1967 ومنها ولدت مقولة الجيش الذي لا يقهر، تحطمت في حربين متتاليتين: في لبنان تموز 2006، وغزّة في نهاية 2008، وتكرست في الحرب الخاطفة في 2011. أفول هيبة الجيش الإسرائيلي أرغم الادارة الأميركية على إعادة النظر في دور اسرائيل كقلعة أميركية متقدّمة في الشرق الأوسط، الأمر الذي دفع الجانب الاسرائيلي لبذل المستحيل من إجل ترميم صورة باتت من الماضي. ووحده الخيال الخصب لدى الماكينة الاعلامية الاسرائيلية ما يعوّض الفجوة الاستراتيجية التي يعاني منها الكيان منذ سقوط منظومة مفاهيم: الردع، والسلاح الكاسر للتوازن، والتفوق الاستراتيجي.


من منظور استراتيجي، تحوّلت السعودية واسرائيل إلى مشروعين أميركيين خارج الخدمة. فالسعودية تخسر تدريجاً مكانتها الاقتصادية بعد ظهور مؤشرات راجحة على اكتشاف النفط الصخري بكميات هائلة تجعل الولايات المتحدة، وفي غضون سنوات قليلة، الدولة النفطية الأولى في العالم، بما يعطّل الدور الذهبي للسعودية في الحفاظ على مستوى ثابت للعرض في الاسواق النفطية العالمية، وكذلك الحفاظ على سعر محدد للبرميل. أما إسرائيل، فإن مبدأ التفوق العسكري الذي سعت إلى فرضه في الشرق الأوسط عموماً وفي مقابل الدول المحيطة بها على وجه الخصوص سقط بفعل حركات مقاومة شعبية باتت اليوم قادرة على إحداث توازن رعب وردع مع اسرائيل بالرغم من الفارق الفلكي في نوعية السلاح.


على أية حال، وفي ضوء المتغيّرات الجديدة في الشرق الأوسط تنزع الولايات المتحدة الى نقل ثقلها الاستراتيجي والاقتصادي الى الشرق الأقصى حيث الاستقرار السياسي والوعود الكامنة بالازدهار الاقتصادي فيما يوغل شريكا واشنطن، السعودية واسرائيل، في الانغماس في أزمات المنطقة بلا طائل، وبهدف استدراج الراعي الأميركي لأن يلعب دور المنقذ.


رواية «صنداي تايمز» في 17 تشرين الثاني الجاري حول تنسيق استخباري سعودي إسرائيلي لتوجيه ضربة عسكرية جوية للمنشآت النووية الايرانية ليست جديدة، فقد قتلتها الصحيفة ذاتها تركيباً وتوليفاً وتحديثاً، وخصوصاً في ما يتعلق بسماح السعودية باستخدام مجالها الجوي من قبل الطائرات الحربية الاسرائيلية.
يدرك الاسرائيلي والسعودي أن مشاغباتهما تحقق في الشكل تهويلاً إعلامياً ولكن بلا أثر على الأرض، ما لم يكن الأميركي طرفاً تنفيذياً فيها، ويغامر الشريكان البائسان في ما لو قرر أحدهما أو كلاهما اللعب بالنار، وإشعال حرب من دون ضوء أخضر أميركي، فهنا سوف يكتشف الطرفان السعودي والاسرائيلي أن الحرب بلغة الأمثال الشعبية الايرانية لا توزّع فيها الحلوى، وحينئذ سوف يدفع كلاهما أكلافاً باهظة قد يكون مصير الكيان أحدها.


المصدر: السفير