أدوات هيمنة النخب: cfr 3 استحالة الاستدامة
تعريب وإعداد: عروة درويش
- الأزمة البيئية وتعامل «المجلس» معها:
ولأنّ «المجلس» مهما حاول تأخير الدراسات والوعي العام بالأزمة البيئية فإنّ الحقائق لا بدّ وأن تجد لها طريقاً، فلم يكن من بدّ من القيام بأفعال استباقية واحترازية عبر تمويل دراسات وأبحاث معينة تخدم مصالح النخب الرأسمالية المتسببة أساساً بالأزمة البيئية التي تهدد العالم والبشر. لقد ركّز «المجلس» على دراسة التغيّر المناخي فقط، في حين أنّ الأزمة البيئية ذات أبعاد أكثر اتساعاً بكثير تصل إلى كامل التفاعلات بين البيئة والبشر. فكما كتب فريد ماغدوف وجون بيلامي فوستر عام 2010:
«واحدة من آخر وأهم التطورات في مجال العلوم البيئية هي مفهوم (الحدود الكوكبية) والتي حددت تسعة حدود/عتبات لنظام كوكب الأرض فيما يتعلق بـ: 1- التغيّر المناخي 2- حموضة المحيطات 3- استنفاذ الأوزون من الطبقات الجوية 4- حدود التدفق الكيميائي-الجيولوجي-الحيوي 5- استخدام المياه العذبة العالمية 6- التغير في استخدام الأرض 7- خسارة التنوّع الحيوي 8- تحميل الهباء الجوي الكربوني في الغلاف الجوي 9- التلوّث الكيماوي. وتعتبر كلّ واحدة من هذه الأشياء جوهرية من أجل الحفاظ على ظروف بيئية ومناخية كيّسة نسبياً مثل التي وجدت خلال الاثنا عشر ألف عاماً الماضية (العصر الجيولوجي الحديث – حقبة الهولوسين). وقد تمّ بالفعل خرق ثلاثة من حدود هذا النظام: التغيّر المناخي والتنوّع الحيوي وتدخّل البشر في دورة النتروجين».
وعندما يسأل المرء عن سبب خرق هذه الحدود الكوكبية، فعليه أن يفهم بشكل كامل طبيعة النظام الاقتصادي المفترس الذي تفرضه رأسمالية احتكار رأس المال المالي النيوليبرالي، والذي يهيمن حالياً على الكوكب. إنّ مثل هذا الفهم يكشف كنه وطبيعة «المجلس» بوصفه أحد الأمراض وشكلاً من اللا أخلاقية العليا التي لا تحمل أيّ مسؤولية اجتماعية أو أخلاقية. يمكن وصم المجلس وما يتبع له من مؤسسات تهيمن عليها طبقة الرأسمالية الحاكمة بأنّها فاشلة بشكل كلي في التصدي لمشاكل عصرنا. إنّها ديناصورات تسحبنا معها إلى هوّة الدمار في سباق للانقراض.
في الواقع لقد بدأ النظام العالمي بالفعل بتعبيد طريقنا إلى الجحيم، ويكفينا أن نشهد ازدياد الأحداث المناخية المدمرة: العواصف التي تفتك بالآلاف والصحاري المتمددة وكلا موجات الحر والبرد والنيران الفتاكة والجفاف والطوفانات وذوبان الجليد. وصلت دراسة أجرتها جامعة روتجرز عام 2014 عن الأحداث المناخية غير الاعتيادية، بما في ذلك موجات البرد في بعض الأماكن تبعاً لتحرّك «الدوامات القطبية» ناحية الجنوب، إلى أنّ سبب هذا التحوّل هو «التيّارات النفاثة غير المنتظمة» التي أدّى إليها الاحتباس الحراري. فجأة بتنا نرى في أحد الأعوام شتاءً حاراً غير اعتيادي، ثمّ في عام آخر شتاءً بارداً على نحو غير اعتيادي، ثمّ عدداً هائلاً من الأعاصير، ثمّ نقصاً هائلاً في الأعاصير، ثمّ طوفانات تجتاح كلّ شيء، ثمّ جفاف قاتل.
- خرق الحدود وعدم القدرة على الإدامة:
يجب وضع الحدود الاقتصادية بشكل يتناسب مع الحدود الطبيعية، ويجب أن يتمّ الحفاظ على الموارد ومشاركتها. إنّ التخطيط الديمقراطي للدولة وليس السوق هو من يجب أن يحكم وضع الحدود على التنقيب عن الوقود الأحفوري واستخدامه. حتّى أننا نجد أحد المنتمين إلى «طبقة المحترفين» الذي كان يعمل كمستشار «للمجلس» يشقّ عصا الطاعة. ألّف الاقتصادي والبروفسور في جامعة تكساس جيمس غالبريث، والمنضمّ إلى «المجلس» عام 2007، كتاباً بعنوان «الدولة المفترسة» عن أنّ تهديد الاحتباس الحراري للكوكب جادّ جداً:
«إنّ مشكلة التخطيط التكنولوجي وإدارة الكوارث أنّها ستصبح عمّا قريب مشكلة أمن رئيسيّة تواجه كلّ جزء من الكوكب. وستصبح كذلك بطريقة تفرض بالضرورة نزع عناصر اقتصادية رئيسية: السيطرة على موارد الطاقة واستخدامها، من يد الشركات الخاصة ووضعها تحت الوصاية والإدارة العامّة. هذا في الواقع هو الطريق إنّ كنّا نسعى لإدارة تغيّر المناخ وليس الخضوع له بكل بساطة».
ولسنا بحاجة للقول بأنّ وجهة نظر غالبريث لا تحظى بالشعبية داخل «المجلس» وبين المنتمين للطبقة الرأسمالية الأوسع، رغم أنّها تمثل الحقيقة.
الرأسمالية نظام يتسم بالحركة الدائمة للسلع، بشكل مباشر أو غير مباشر، وكلّ تلك الحركة تعتمد بشكل أساسي على الوقود الأحفوري (على شكل بنزين أو ديزل أو غاز طبيعي أو فحم أو كهرباء). ولذلك فإنّ ما علينا أن نواجهه هو مسألة التخلي عن الوقود الأحفوري على نطاق واسع جداً بحيث «نترك الفحم في مكانه والنفط تحت التراب والغاز تحت العشب»، عارفين بأنّ قيامنا بهذا الأمر سينهي حتماً الرأسمالية كما نعرفها.
يمكننا أن نفهم أنّ إنكار الرأسمالية ومؤسساتها الكبرى لمشكلة البيئة سببه وجودي، ولهذا لا زلنا نرى مقاربات «وضع الرأس في الرمال» السوقية على هذا النطاق الواسع، وهي المقاربة التي يقوم «مجلس العلاقات الخارجية» والمنظمات الحليفة والتابعة له بالاضطلاع بنشره على الولايات المتحدة ومنها على بقيّة أنحاء العالم، عبر السيطرة على المؤسسات الإعلامية والاقتصادية السياسية.
تصرّ الطبقة الحاكمة على تبني قدرة الرأسمالية على الاستمرار للأبد، ولهذا تؤطر جميع النقاشات حول الأزمة البيئية ضمن إطار كيفية الحفاظ على الرأسمالية. ويجب علينا كي نكسر هذه الحلقة المفرغة وننتصر لمستقبلنا كبشر ولمستقبل بقيّة أشكال الحياة، أن نرفض ضيق الأفق هذا وأن نأخذ باعتبارنا جميع الحلول المستقبلية البديلة. إنّ ما نحتاجه هو تجاوز هذا النظام بشكل ثوري وأن نحلّ مكانه نظاماً ديمقراطياً إنسانياً منطقياً صديقاً للبيئة بشكل علمي، وذلك في كلا المجالين السياسي والاقتصادي. يمكن لمثل هذا المستقبل أن يتحقق فقط من خلال عمل ملايين البشر ذوي المصلحة في هدم هذا النظام المفترس.
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني