الغرب وأزمة الهجرة
التقى قادة الدول الأوروبية في بروكسل الخميس الماضي لمناقشة قضية الهجرة. ومن الواضح أن الطريقة التي تعامل بها قادة الاتحاد الأوروبي مع المهاجرين وطالبي اللجوء السياسي ألقت بظلالها على سياسة أوروبا بعدما احتلت قضية تدفق اللاجئين السوريين عناوين صحف العالم منذ عام 2015. فرغم تراجع أعداد اللاجئين المتدفقين إلى أووربا منذ ذلك التاريخ، فقد ازدادت حدة هجوم تيار اليمين في أوروبا على المهاجرين. والآن وحتى مع تأرجح المستقبل السياسي للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في الميزان، واصل حلفاؤها السابقون من اليمينيين المتمردين تهديداتهم وذلك بوضع نهاية لحكمها المستمر لقرابة 13 عاماً بسبب موقفها الذي يرونه رخواً.
وفي هذا الصدد، كتبت صحيفة «وول ستريت جورنال» تقول: «إن سياسة الهجرة هي أرض المعركة الأهم في خلاف الانشقاق السياسي في أوروبا... وتسعى حالياً مؤسسة مساندة للاتحاد الأوروبي إلى تأكيد جمهور الناخبين على اتخاذ إجراءات تعاونية يمكن من خلالها منع تدفق اللاجئين مع توزيع أعباء اللاجئين على الدول بطريقة عادلة. ويشجب مناهضو مؤسسات الدولة، خاصة تيار اليمين المتطرف، جهود الاتحاد الأوروبي باعتبارها فاشلة، ويعملون على إزاحة القادة الذين مر على وجودهم زمن طويل».
وفي هذا السياق، أوضح مايكل برنبام في صحيفة «واشنطن بوست»، أن هناك اتفاقاً عاماً على تعزيز أمن ذلك التكتل وزيادة الدعم المقدم للدول الأفريقية المجاورة لوضع حد لتدفق اللاجئين عبر البحر المتوسط. لكن المشكلة الأهم تتمثل في الخلافات العميقة، حيث «تسعى ميركل إلى إيجاد طريقة لتوزيع المهاجرين الذين وصلوا بالفعل على دول القارة». واستطرد برنبام قائلاً إن «إيطاليا تعتبر خط الوصول الأول للباحثين عن اللجوء وللمهاجرين القادمين من شمال أفريقيا. ولذلك فالتركيز ينصب عليها كأولى محطات الوصول، ولذلك يجب العمل على تفادي ما تصفه إيطاليا بالعبء غير العادل الملقى على عاتقها من قبل الدول الواقعة إلى شمالها».
تدفع حكومات تحالف أحزاب اليمين المتطرف في إيطاليا باتجاه صد المهاجرين على الحدود، فيما يرفض القوميون المتعصبون في المجر وبولندا وغيرهما من دول أوروبا الشرقية مقترح ميركل قبول كل دولة لحصة من طالبي اللجوء. وحسبما أورد الكثير من الزملاء بالصحيفة ذاتها، تواجه ميركل وغيرها من أنصار تيار الوسط المعتدل في أوروبا تحديات من قبل المزيد من القيادات المتشددة في تيار اليمين، منهم مستشار النمسا سيباستيان كورز، ووزير الداخلية الإيطالي الجديد ماتو سالفيني اليميني المتشدد.
وقد أظهر كل من كورز وسالفيني نهجاً مماثلاً لنهج الرئيس دونالد ترمب الذي سعد إلى حد بعيد بالانشقاق الذي حل بإجماع ليبراليي أوروبا ضد الهجرة. ففي فترة حكمه الحالية، استعار ترمب نقاط حديث تيار اليمين الأوروبي المتطرف بأن اعتبر تدفق المهاجرين بمثابة تهديد وجودي، وفي نفس الوقت عمل على التهويل بشأن هجرات المسلمين إلى مختلف بقاع العالم. وفي الوقت الذي فتح فيه سالفيني المجال أمام القوارب التي تحمل مئات المهاجرين عبر البحر المتوسط، دعا ترمب إلى معاملة المهاجرين غير الشرعيين بصورة غير عادلة، وكذلك إلى إعطاء أولوية لبناء جدار حدودي أيا كانت تكلفته وإلى فرض حظر سفر على عدد من الدول الإسلامية، وهو ما يراه خبراء الأمن القومي إجراءً غير ضروري.
وفي السياق ذاته، أشار برنبام إلى أنه رغم أن تلك السياسات تثير مشاعر تيار اليمين، فإنها لا تعكس اتجاهات الهجرة الحقيقية. وبحسب تقرير منظمة الأمم المتحدة للاجئين، فقد «تراجعت أعداد المهاجرين الجدد عبر البحر المتوسط إلى أكثر من النصف، مقارنة بنفس الفترة من عام 2017، حيث بلغ العدد 40944 مهاجراً. والفارق سيكون أوضح مقارنة بعام 2016، حيث تعادل أعداد المهاجرين الجدد 19 في المائة من الأعداد في ذلك العام».
يدعو قادة أوروبا المعتدلون والليبراليون، ومنهم ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وحكومة الوسط اليسارية الجديدة في إسبانيا إلى التعامل البراغماتي الهادئ فيما يخص قضية الحدود المشتركة داخل القارة، وإلى الدبلوماسية عبر البحر المتوسط بهدف تقليص محاولات عبور البحر المتوسط في تلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر.
وفي سبيل تحقيق ذلك، دعا الرئيس الفرنسي ماكرون في كلمته نهاية الأسبوع الماضي إلى «عدم نسيان قيم التسامح والانفتاح»، مشيراً إلى أن «أوروبا لم تعد تعيش أزمة مهاجرين اليوم فحسب، بل أزمة سياسية أيضاً».