إيطاليا: استراتيجية سالفيني إلى أين ستقوده؟
لو أن كائناً فضائياً هبط في روما اليوم فسوف يعتقد بأن ماتيو سالفيني هو من يدير إيطاليا. فقد اعتلى زعيم حزب «ليغا نورد»، أو رابطة الشمال، اليميني خشبة مسرح السياسة الإيطالية، رغم أنه ليس سوى نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية وزعيم حزب صغير مشارك في الائتلاف الحاكم.
ومن يستحق اللوم هنا هو حزب «فايف ستار»، شريك حزب «ليغا نورد» الأبرز في الإدارة الشعبوية الجديدة. فحزب «فايف ستار» تعرض لهزيمة كبيرة منذ تشكيل الحكومة الإيطالية منذ ثلاثة أسابيع. وإن لم يجد الحزب طريقاً لإدارة حليفه العنيد، فسوف تواصل إيطاليا الانجراف يميناً، وسيبدأ حزب «فايف ستار» في فقدان الأرض من تحته.
فقد تبنى سالفيني نفس تكتيك دونالد ترمب بإطلاق التصريحات النارية كل يوم. وفي الأيام القليلة الماضية، صرح بأنه يسعى لعمل إحصاء لسكان روما ممن تجاوزت متاجراتهم الضريبية 100 ألف يورو (116 ألف دولار أميركي)، وهدد بأنه سيرفع حراسة الشرطة عن روبرتو سافيانو، الكاتب الذي جرؤ على انتقاد سياسة الهجرة.
ليس هذا فحسب، فقد قام سالفيني الأسبوع الماضي بإعادة قارب يحمل 629 مهاجراً غير شرعي إلى أفريقيا، وعقب ذلك صرح مؤخراً بأنه لن يسمح للمهاجرين الذين يجري إنقاذهم من مغادرة سفن المنظمات غير الحكومية التي أنقذتهم والتي تعمل بين مدينة سيسيلي الإيطالية وشمال أفريقيا. ومن شأن ذلك أن يتسبب في خلاف بين إيطاليا والكثير من دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما سيسعد سالفيني المناهض للاتحاد الأوروبي.
ويعد وزير المالية أحد المعارضين لنهج سالفيني المتطرف. وقد صرح جيوفاني تريا، الوزير التكنوقراطي، بأنه يعتزم الإبقاء على إيطاليا ضمن منظومة الاتحاد الأوروبي وفي السيطرة على عجز الموازنة. لكن سالفيني نجح في ترقية اثنين من خصوم الاتحاد الأوروبي، هم كلاوديو بورغي وألبرتو بيغاني، لتولي إدارة لجان اقتصادية مهمة في البرلمان. وقد أفزع هذا الإجراء المستثمرين، ليتسبب في ارتفاع في قيمة السندات المالية.
بيد أن رئيس الوزراء غيسيب كونتي وزعيم حزب «فايف ستار»، لويغي دي ماريو، التزما الصمت.
لقد وجد كونتي وسط قادة العالم خلال «اجتماعات مجموعة السبع الكبار» في كندا، لكنه فشل في فرض كلمته على سالفيني في الداخل. وقد حاول دي ماريو الذي يشغل منصب وزير العمل والصناعة تنفيذ بعض الأفكار البراقة من بنات أفكاره مثل مقترح لتوفير حماية أكبر لصغار العمال، لكن سالفيني انتصر عليه في معركة التصريحات التلفزيونية، وفشل في أن يجري أي تغيير في الحكومة، ولذلك يبدو الولد الذهبي لحزب «فايف ستار» ثقيل الحركة.
نجح حزب «ليغا نورد» في السيطرة على اللجان الانتخابية، ففي الانتخابات العامة التي جرت في مارس (آذار) الماضي، فاز «ليغا نورد» بنحو 33 في المائة من الأصوات، فيما فاز حزب «ليغا» بنحو 17 في المائة فقط، ورغم ذلك فقد بات الحزبان حاليا متقاربين في استطلاعات الرأي العام، وإن كان «ليغا» يتقدم بفارق ضئيل، وهو ما يعطي سالفيني ميزة أكبر. ففي حال قرر سالفيني إسقاط الحكومة بزعم، مثلاً، أنها ليست راديكالية بما يكفي، فسوف يعد سفينته لانتخابات جديدة.
بإمكان سالفيني إعادة تجميع التحالف اليميني الوسطي (بالتعاون مع حزب فروزا إيطاليا الذي يرأسه سيلفانو برلسكوني وحزب بروذرز أوف إيطالي). وعلى النقيض، فقد تكون إدارة كونتي أفضل فرصة يمكن أن يمسك فيها دي ماريو وحزب «فايف ستار» زمام الحكم، فهم الآن في موقف خاسر في كل الأحوال. فإن هاجموا حليفهم، فسوف يغامرون بإسقاط الحكومة والعودة مجدداً لصناديق الاقتراع في غضون أسابيع، وإن التزموا الصمت، فسيغامرون بالتقهقر أكثر إلى الوراء.
لكن لاستراتيجية سيلفاني مخاطرها أيضاً، فظهوره المتواصل في التلفزيون قد يرتد عليه بالخسارة. وهو ما حدث لرئيس الوزراء ماتيو رينزي الذي لا يكاد يمر يوم من دون أن تراه على شاشة التلفاز قبل أن يقرر الإيطاليون استبعاده من منصبه. وقد يتساءل الإيطاليون عن السبب في جلوس سيلفاني كل هذا الوقت على «فيسبوك» بدلاً من التفرغ لإدارة الحكومة.
حتى الآن لا يستطيع حزب «فايف ستار» أن يجلس ويأمل في رحيل سيلفاني. ودي ماريو قليل الخبرة، لكن بعد فوزه المفاجئ في الانتخابات، يتعين على حزب «فايف ستار» أن يظهر أنه يستطيع إحداث التغيير الذي طالما وعد الناس به.
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني