بابوا الغربية وتلازم الاحتلال مع الشركات
لا يحظى احتلال بابوا الغربية بالكثير من الاهتمام في الإعلام السائد، ويرجع ذلك جزئياً إلى الحظر الذي تفرضه إندونيسيا على الصحفيين الأجانب، وحظرها الحركات الاجتماعية المحلية التي تحاول التحدّث عالمياً. رغم ذلك لم تنسى الشركات الدولية بابوا الغربية، فالاحتلال الإندونيسي العنيف بالنسبة لهم هو فرصة لتحقيق الأرباح.
تعريب وإعداد: عروة درويش
لا يحظى احتلال بابوا الغربية بالكثير من الاهتمام في الإعلام السائد، ويرجع ذلك جزئياً إلى الحظر الذي تفرضه إندونيسيا على الصحفيين الأجانب، وحظرها الحركات الاجتماعية المحلية التي تحاول التحدّث عالمياً. رغم ذلك لم تنسى الشركات الدولية بابوا الغربية، فالاحتلال الإندونيسي العنيف بالنسبة لهم هو فرصة لتحقيق الأرباح.
تستغل شركات التعدين ثروة البلاد الهائلة من المعادن، ويؤمن قيامها بعملياتها الجيش الإندونيسي. تتربّح شركات السلاح الدولية من بيع الأسلحة لإندونيسيا، والتي تحتاجها من أجل استمرارها بفرض الاحتلال. تتواطأ الحكومات الغربية التي تقدم الدعم المالي والتدريب لقوات الشرطة الإندونيسية، مع قمع بابوا الغربية.
احتّلت إندونيسيا بابوا الغربية منذ الستينيات في القرن الماضي. ساندت حكومة الولايات المتحدة التي كانت راغبة بفتح غابات البلاد المطرية وثروتها المعدنية أمام الشركات الأمريكية، الاحتلال. ومنذ ذلك الحين قمعت السلطات الإندونيسية حركات الاستقلال وحظرت رفع العلم البابواني والكثير من الممارسات التقليدية المحلية. وتعاونت مع الشركات الدولية من أجل استغلال الأخشاب والمعادن، وتنفيذ عمليات الاغتصاب والمذابح والاغتيالات.
تعلن حركة بابوا الغربية الحرّة:
«لقد قتل أكثر من 500 ألف مدني في إبادة جماعية للسكان الأصليين. وقد تمّ اغتصاب وتعذيب وحبس وإخفاء الآلاف بعد اعتقالهم. يتم إنكار حقوق الإنسان الأساسية مثل حرية الحديث، ولهذا يعيش البابوانيون حالة دائمة من الخوف والترهيب».
يعلن البابوانيون المتحجزون خلف القضبان بأنّ الأشخاص الذين يتظاهرون أو يرفعون راية "نجمة الصباح"، يتهمون عادة بالخيانة: "إن تمّت إدانتهم فسيواجهون حكماً بالسجن يصل حتّى عشرين عاماً. هناك كثير من الشكاوى بشأن التعذيب والمعاملة السيئة للمعتقلين السياسيين، وبشأن عدم حصولهم على الرعاية الصحية الملائمة".
تستمرّ الدولة الإندونيسية بمحاولتها طمس الثقافة البابوانية الغربية. يقول إيروين، الطالب الذي فرّ إلى أستراليا بشكل مستقل: "لا يمكنك أن ترتدي ثياباً أو حليّاً تقليدية في الشارع. سيقولون بأنّك ضدّ (الاندماج) مع إندونيسيا".
يبقى الناس رغم ذلك متفائلين هذه الأيام. يقول كوجي، وهو أحد الناشطين: "البابوانيون متفائلون هذه الأيام وواثقون أكثر في التعبير عن مشاعرهم. لقد انتشر من قبل الشعور بانعدام القيمة مثل فيروس في بابوا الغربية. لطالما قيل لنا بأنّ حياتنا لن تتحسن، وبأنّه لا فرصة أمامنا. لكن الآن يخالف الكثيرون هذه النظرة".
فتّش عن الشركة:
إنّ الاحتلال الإندونيسي لبابوا الغربية مرتبط بشكل مباشر بمصالح الشركات. تدير الشركة الأمريكية "فريبورت-ماكموران" منجم "غراسبرغ" في بابوا، وهو أكبر منجم ذهب في العالم، وثالثها في النحاس. وقد صدف بأنّ كارل إيكان، ثالث مالكٍ للأسهم في فريبورت، كان أحد مستشاري ترامب الخاصين.
وفقاً لحملة بابوا الغربية الحرّة:
«إنّ فريبورت هي أكبر دافعي الضرائب في إندونيسيا، وهي تدفع مليارات الدولارات للحكومة الإندونيسية كلّ عام. ويتداول بأنّ فريبورت تدفع للجيش الإندونيسي نحو ثلاثة ملايين دولار كلّ عام "كمال للحماية"، لضمان إبقاء البابوانيين المحليين خارج المنطقة».
نشرت صحيفة التايم: "لقد استخرجت فريبورت عام 2015 فقط ما يقرب من 3.1 مليار دولار من الذهب والنحاس هنا. بالإضافة إلى ذلك، توفّر بابوا مصدراً للأخشاب يقدّر قيمته بنحو 78 مليار دولار.
ويشرح آموس، الناشط الذي فرّ من بابوا ويعيش في أستراليا، تاريخ التنقيب عن المعادن في بابوا الغربية: "لقد تمّ توقيع العقد مع فريبورت للعمل في بابوا الغربية قبل أن نصبح جزءاً من إندونيسيا حتّى". وقد تمّ منح شركة فريبورت الحقّ بنهب بابوا الغربية بمساعدة هنري كيسنجر، وهو الذي أصبح في وقت لاحق عضواً في مجلس إدارة فريبورت.
تلك شركة "ريو تينتو" الأسترالية-البريطانية مصالح في منجم "غراسبرغ" أيضاً، حيث تمنحها شركة فريبورت حتّى 40% من الإنتاج على مستويات محددة حتّى عام 2021، و40% كاملة من إجمالي الإنتاج بعد 2021.
في الوقت نفسه، تواصل شركة "بريتيش بتروليوم" البريطانية تحقيق الأرباح من الاحتلال عبر حقول الغاز الطبيعي المسال الضخمة في تانغوه. قال الناشط كوجي: "إنّ أكبر أعمال بريتش بتروليوم في جنوب شرق آسيا تقع في بابوا الغربية، ويتم طرد مجتمعات البابوانيين المحلية من أراضيهم لزيت النخيل". وفقاً "لكورب-واتش – مراقبة الشركات"، فقد قدّمت جماعة من السكان المحليين شكوى بحق شركة "غودهوب" السيريلانكية التي تستولي على أرضهم لتقيم فيها مزرعة نخيل.
يحتاج الاحتلال إلى عسكرة:
تواطأت أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة على نطاق واسع مع إندونيسيا من خلال تدريب وتمويل قوات شرطة مكافحة الإرهاب المعروفة باسم "مفرزة 88" التي تعذّب وتقتل نشطاء بابوا. وقد تمّ تدريب الشرطة الإندونيسية في "مركز جاكرتا للتعاون في مجال تطبيق القانون" حيث تقدّم الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا والدنمارك وكندا ونيوزيلندا والأمم المتحدة أيضا التمويل. وتشارك بعض هذه البلدان أيضاً في تدريب الشرطة.
ويتم تدريب العسكريين الإندونيسيين في الثكنات الأسترالية، مما يكلّف الشعب الأسترالي ملايين الدولارات. وعلاوة على ذلك، يتمّ تدريب فرقة "كوباسوس" للقوات الخاصّة الإندونيسيّة في أستراليا أيضاً. وهناك تقارير عديدة عن وحشية كوباسوس، بما في ذلك التعذيب والتشويه وقطع رؤوس البابوانيين.
ووفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام (SIPRI)، فإنّ الإنفاق العسكري العالمي وصل إلى 1.69 تريليون دولار في عام 2016. وقد قفز الإنفاق العسكري الإندونيسي منذ عام 2013، حيث بلغ مجموعه 7.78 مليار دولار في عام 2016. تمتلك إندونيسيا أكبر قوة عسكرية في جنوب شرق آسيا، وتحتل المرتبة الرابعة عشرة في العالم.
بطبيعة الحال، فإن عسكرة العالم تعني أرباحاً أكبر للشركات التي توفّر الأسلحة أو تبني البنى التحتيّة العسكرية. وقد قدمت شركات الأسلحة الدولية مثل رايثيون وتاليس وبوينج ولوكهيد مارتن الأسلحة إلى إندونيسيا.
زار رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عام 2012 جاكرتا. ورافقه ممثلون عن العديد من شركات الأسلحة، بما في ذلك "بي إ إي سيستمز". وأشاد كاميرون بإندونيسيا باعتبارها واحدة من "الديمقراطيات الأكثر إلهاماً"، واستخدم زيارته لمحاولة ضمان "تعاون أكبر بين قواتنا المسلحة وصناعاتنا الدفاعية لمنح إندونيسيا خبرة عالمية أثناء تحديث أصولها العسكرية". وبعد الزيارة، بدأت "بي إ إي سيستمز" المفاوضات لبيع إندونيسيا مقاتلات "يوروفايتر تايفونز" متعددة المهام.
وحرصاً من الحكومة الأسترالية على الانتفاع من تسليح جارتها، شددت عام 2016 على: "أهميّة دعم إندونيسيا في الوقت الذي تقوم به بتحديث قواتها الدفاعية". ووقعت معها اتفاقية تعاون من أجل تطوير عربات مدرعة مقاومة للألغام.
وقد ذكرت التقارير عام 2014 بأنّ إندونيسيا هي ثاني أكبر مستورد للسلاح من بريطانيا، مع مبيعات وصتل إلى 306 مليون دولار. وافقت الحكومة البريطانية في 2017 على منح عدداً من الرخص للشركات البريطانية لتزويد إندونيسيا بالسلاح.
توسّع إندونيسيا، مدفوعة ربّما بالخوف من حظر السلاح عنها، قاعدة صناعاتها العسكرية المحلية. قال نائب وزير الدفاع الأسبق سافري سامسودين في 2014: "لقد عانينا من الحظر لسنوات، ولا نريد أن نكرر التاريخ".
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء» لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني