هل يمكن أن تشهد تركيا انقلاباً جديداً؟
لن يعطي الانقلاب أي إخطار قبل قدومه. إذ سيفعلون ذلك عندما تتوافر لهم الشروط المناسبة، لا تقولوا لا يمكن حدوث ذلك. لسنا الوحيدين الذين نردد «قد نباغتهم في ليلة ظلماء»، هنالك آخرون يرددونها أيضاً.
هل يمكنهم النجاح في ذلك؟ لا أعلم. ولكن سأوضح الأمر لكم قليلاً. إن فعل ذلك ليس بالأمر السهل، ولكن سواء إن نجحوا في ذلك أم لم ينجحوا سيكون ذلك دامياً جداً، كما أنه لن ينته بسرعة.
يمكن لبعض الأشخاص أن يطالبوا بتنفيذ انقلاب فقط من أجل أن تسيل الدماء. يكتب البعض سيناريوهات ستنتج لهم قدرة وغنىً أكثر من خلال دماء ودموع أطفال هذا البلد.
لو أنّ تنظيم الكيان الموازي نجح في تنفيذ انقلاب 15 تموز/يوليو كانوا سيتسببون في نزوح مئات الآلاف من الناس من منازلهم، كما كانت عمليات الإعدام بدءاً من مخيمات "تيميرغوز"ستنتهي بوحشية لم يسبق لها مثيل.
لو أن محاولة الانقلاب لم تنته في اليوم الثاني من المبادرة ولم يستسلم عناصر تنظيم الكيان الموازي لارتفع احتمالية إعدام الشعب لكل من يمسكون به من هؤلاء العناصر، أو على وجه أدق وصل غضب الشعب إلى درجة الإعدام تنيجة لما فعله عناصر تنظيم الكيان الموازي حينها. لحسن الحظ لم يحدث ما كنا نخشاه، وأتمنى أن لا يحدث في المستقبل.
لكن يجب أن لا تخدعوا أنفسكم بعدم وجود احتمال تنفيذ انقلاب بعد الآن. دعوها تتوقف بين الخوف والأمل. وليقف الأمل أمام مخاوفنا.
من كان يعتقد أن أخوة سيدنا يوسف سيلقون به في البئر، أو أن أحد أولاد سيدنا إسحاق سيلحق بأخيه الآخر كي يقتله، أو أن ابن سيدنا أبو بكر الصديق سيكون على رأس الجيش القادم لقتل سيدنا عثمان بن عفان، أو وقوع حادثة كربلاء بعد وفاة سيدنا محمد بـ 30 عاماً.
عليكم أن تحذروا من الجميع. عليكم بأقاربكم فقط. الأجواء ممتلئة بأمثال "بروتوث" -ظل عدواً للإمبراطور سيزار حتى النهاية لكنه لم يظهر عداوته أبداً بل مثّل دور الصديق باحتراف-، هناك مقولة شهيرة تقول: "أبي، عليك حمايتي من الذين يمثّلون دور الصديق، وأنا قادر على مواجهة أعدائي".
بالنسبة إلي، إن الأزمة الموجودة بين تركيا وأمريكا الآن هي حادثة "دقيقة واحدة" أخرى -عندما غادر رئيس الوزراء أردوغان قمة دافوس لأنهم لم يتيحوا له الفرصة الكافية للكلام وأوقفهم ليقول ما عنده مستخدماً عبارة "ون مينيت"- وهذه المسألة هي أكثر جديةً وعمقاً من الظاهر. ليست مجرد مسألة قسيس أو سفير.
كما قال جلال الدين الرومي: "لقد دست على ذيل الكلب فخرج صوت الألم من فمه"، كذلك داست تركيا على ذيل أحدهم هنا فخرج صوت الألم من أمريكا.
انظروا إلى أين ذهب السفير الأمريكي "جون باس" بعد خروجه من تركيا. لقد ذهب إلى أفغانستان التي تعتبر إحدى أهم الحلقات في سلسلة تجارة المخدرات. إذ تصدر المخدرات من أفغانستان لتعبر إيران ثم تركيا ثم اليونان...
"ميتين توبوز" هو شخص أكثر أهمية مما يتم تخيله في الواقع. عند البحث بعمق أكثر نجد آثاراً لهذا الرجل فيما يخص تصدير جوازات سفر لتأمين خروج عناصر تنظيم الكيان الموازي بشكل آمن من تركيا وأعمال تاجر المخدرات الإيراني "زينداشتي"، إضافةً إلى خط سير تجارة المخدرات وعدة أعمال أخرى لتنيظم الكيان الموازي. أي إنه لم يتورط فيما يخص داعش فقط، إذ يمكن أن نكشف عن علاقات بينه وبين الانقلابيين "أوز" و "أنور ألتايلي" إذا تعمقنا بالبحث في هذا الصدد.
في حال الكشف عن هذه العلاقات قد تتحول الأمور حادثة "إيران غيت" جديدة - بيع أمريكا السلاح لإيران سراً، واستخدام أمريكا لمدخول هذه الأسلحة في تسليح المجموعات المعارضة المسلحة في دولة "نيكاراغوا"- . إذ تورط "ميتين توبوز" بتجارة الأطنان من المخدرات والأموال السوداء والجرائم وسفن "كيسميتيم و لوكي-اس" التي استخدمت في نقل المخدرات والعديد من الجرائم الأخرى. إن السبب في انتقاد أمريكا ليس كون هذا الرجل مجرد عنصر تابع لتنظيم الكيان الموازي، إنما قد تكون هذه العلاقات العميقة هي السبب في ذلك. إن هذه المسألة قد تشكل مصدر قلق بالنسبة إلى العديد من الأشخاص في أنقرة وإسطنبول وواشنطن.
في هذه المرة لن يكون تأثير الانقلاب على تركيا فقط، إنما أمريكا مهددة بالخطر ذاته أيضاً. إن أمريكا تواجه تهديداً أكثر خطورة من الذي عاشته في 11 سبتمبر/أيلول -تدمير برجي التجارة العالمي في ولاية نيويورك الأمريكية-. من المحتمل أن تكون هناك أهداف مخفية خلف الأعمال التي تبدو أهدافها سياسية، كذلك يمكن وجود أهداف سياسية مخفية خلف تجارة المخدرات والأموال السوداء.
اُستخدمت شبكات تنظيم الكيان الموازي المشفرة لعدة أغراض من قبل الجميع. قد يكون الكشف عن عناصر هذه الشبكات الآن سبباً في تشكّل تفكك كبير في بنية تنظيم الكيان الموازي. لأنه عند معرفة معظم هؤلاء العناصر بالسيناريوهات السوداء التي يُستخدمون خلالها لن يرغبوا في التواجد كثيراً ضمن هذه السيناريوهات.
لقد اُستخدمت هذه البنية من قبل الجميع، كما استخدمت الجميع في الوقت ذاته.
هناك نقاط اتصال عديدة لهذه الشبكة في الداخل والخارج. الجماعات الدينية والمافيات والاستخبارات وكل من له علاقة بهذا التنظيم. يمكن أن يتم إعدام جميع هؤلاء بهدف منعهم عن التكلم. أو أن يُقتلوا بمظهر الانتحار. لذلك تجب حمايتهم بشكل جيد.
إن إيجاد الحل لأزمة تأشيرة الدخول لايعني إيجاد الحل لجميع المشاكل. من الممكن أن يكون تصرف الجميع بهذا الشكل نتيجة لأن زيادة التعمق في هذه الأزمة سينعكس على مصالح جميع الجهات بشكل سلبي. في جميع الأحوال إن رسائل الرئيس أردوغان واضحة وصريحة. هناك أزمة عميقة في خصوص الثقة. وليس هناك أساس مشترك للتفاهم. إنهم يشعرون بالقلق تجاه أردوغان.
*عن صحيفة «يني أكيت» التركية
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء» لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني