كاتالونيا: الرأسمالية تحفر قبرها بيديها
بعد الاستفتاء الكاتالوني تصاعد الحديث عن الحركات الانفصالية في القارة الأوربية، بما يهدد وحدة الاتحاد الأوربي، و العديد من الدول الاوربية في وحدتها، وفي هذا السياق نشرت الاندبندت البريطانية قبل أيام: « وضع تقرير لـ«بنك أوف أميركا» خريطة للحركة الانفصالية المتنامية في جميع أنحاء القارة الاوربية، حيث قال التقرير: «العديد من المناطق في أوروبا لديها حركات انفصالية قوية (مثل اسكتلندا، كاتالونيا، الباسك، فلاندرز، فينيتو) أو لديها أحزاب سياسية تطالب بالمزيد من الحكم الذاتي» وتضيف تقارير أخرى بافاريا الألمانية إلى القائمة.
تنامي المشكلة في كل هذه الدول، يؤكد أنها لم تعد قضية عابرة تخص هذه الدولة أو تلك، بل باتت ظاهرة لها قانونيتها، بكل ما فيها من مفارقات، وتساؤلات حول قدرة النظام الاقتصادي الاجتماعي السائد على الاستمرار، ومدى توافقه مع اتجاه التطور الموضوعي.
ارتبط إنشاء الدولة المركزية تاريخياً بصعود البرجوازية، وها هو الحامل الاجتماعي لتكوين الدولة المركزية القومية نفسه ينفي أهم أدواره في التطور التاريخي «وحدة السوق»، ليصبح معيقاً لهذا التطور في مرحلة تستوجب المزيد من التكامل والاندماج، والوحدة، ومواجهة المشكلات والتحديات القديمة والجديدة والتي يستحيل مواجهتها إلا جماعياً: دولاً وشعوباً، فما الذي استجد، ولماذا تتحول البرجوازية من عامل توحيد إلى عامل تفتيت؟
نعتقد أن المسألة تتعلق بالتناقضات الداخلية بين قوى رأس المال، التي تتسيدها في هذه المرحلة من تطورها قوى رأسمال المالي، بأيديولوجيتها النيوليبرالية، التي عمقت بحكم بنيتها ظاهرتين تاريخيتين:
- تعميق الانقسام الطبقي، داخل الدولة الواحدة، وبين دولة وأخرى.
- محو الثقافات المحلية القومية، وتدمير منظومة القيم بما فيها القيم البرجوازية التقليدية.
وإذا كانت قوى رأس المال قادرة خلال العقود الماضية على إدارة تناقضاتها الداخلية، والحفاظ على التوازن الاجتماعي النسبي على خلفية النهب المركب الداخلي والخارجي، فأنها في ظروف الازمة، وتفاقم تناقضاتها الخارجية في ظل التوازن الدولي الجديد، لم تعد قادرة على الحفاظ على ذلك التوازن، فتحاول قواها المختلفة النزول من المركب الذي يتهدده الغرق في بحر الأزمة، والمتابع للخريطة الجغرافية والسياسية للانقسامات المفترضة أو المنجزة في بلدان الاتحاد الاوربي، يلاحظ بأنها تشمل الأكثر غنىً، والأكثر فقراً في آن واحد، فالمقاطعات أو الدول الأكثر غنى، «انكلترا..كاتالونيا.. بافاريا» ترى ضرورة التخلص من الاحمال الزائدة من الدول والمقاطعات الفقيرة، بعد أن ابتلعت الأزمة الكثير من الثروة، أما الفقراء دولاً ومقاطعات، وشرائح اجتماعية، فينطلقون من أن نهب الاغنياء المستمر لهم هو السبب في إملاقهم، بعبارة أخرى، إن البنية التي باتت في حالة انكفاء وتراجع، تتآكل من الداخل، وفي أحد اهم أعمدتها، أي الدولة الموحدة، ومن المرجح أن تتعرض إلى هزات كبرى أسوة بدول الرأسمالية الطرفية، أو ما يطلق عليه بلدان العالم الثالث، لدرجة يمكن الاستنتاج، بأن أوربا بدون نهب قد تتراجع إلى عالم ثالث، لاسيما، وأن الانقسام الطبقي الحاد، هو مقدمة لظهور كل التناقضات الثانوية الأخرى القومية والدينية، خصوصاً بعد صدمة الوعي الناتج عن تدمير العالم الروحي للإنسان في ظل فرض القيم النيوليبرالية، و قد تلجأ البرجوازيات «الديمقراطية» إلى استخدام أدوات القمع المباشر، الذي رأينا ملامحه خلال الاستفتاء الكاتالوني، بعبارة اخرى، في ظل الأزمة ستظهر كل عورات النظام الرأسمالي التي كان النهب الشامل للعالم يغطي عليها على مدى العقود الماضية.