هاغل... بائع السلاح وموجّه الرسائل
لم يخالف وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل خطة العمل الرئاسية، كما افتتح سيد البيت الأبيض جولاته الخارجية في بدء ولايته الثانية، بزيارة الكيان الصهيوني.
حرص سيد البنتاغون على الانطلاق من ذات النقطة في انتهاج المسار المرسوم للحركة السياسية والديبلوماسية والعسكرية باتجاه «الولاية الأميركية الخارجية/ الثكنة» الأكثر حظوة في الامتيازات والنفوذ، لكونها الامتداد الطبيعي والشريك الأصيل الذي يقوم بتنفيذ الدور المنوط به، والمتطابق، مع أسس وجوده المصطنع في المنطقة والإقليم، لتنفيذ السياسة الإمبريالية/ التوسعية. افتتح هاغل زيارته «الحميمية والممتعة» ــ كما وصفها ــ بجولة في متحف المحرقة في القدس المحتلة. وفي ذلك رسالة معلنة وصارخة لكل من حاول التشكيك والاتهام للمرشح السابق والوزير الحالي، بمواقفه النقدية للوبي اليهودي/ الصهيوني بالولايات المتحدة، وبالتالي للكيان، والذي اتهم باللاسامية في صحيفة «وول ستريت جورنال». هو «صاحب المواقف الواقعية» في مجال السياسة الخارجية، الذي اتهم باعطاء معاملة مفضلة لـ«الارهابيين»، على حدّ قول الصحيفة. مهدت الصحافة الأميركية قبل الزيارة بعرضٍ لنوعية الأسلحة المتطورة المقدمة، ثم كشفت مع صحافة الكيان، عما سيصار إلى «شرائه» بأموال المساعدات الأميركية! ومع وصوله لمحطته الأولى في جولته على المنطقة، بدأ «مُرَوج» أدوات القتل، بتوجيه رسالته الأكثر بلاغة ودلالةً ووضوحاً لإيران، كما جاء في أحاديثه الصحافية التي نقل بعضاً منها، مراسل «بلومبرغ» غوبل راتنس، (سئل هاغل: هل تستخدم الولايات المتحدة صفقة بيع السلاح هذه كي تشير إلى إيران، بأن الهجوم العسكري يوجد على الطاولة، فأجاب: لا أعتقد أن ثمة شكاً في أن هذه إشارة واضحة أخرى لإيران). وهو ما كشفت عنه نوعية الأسلحة الجديدة التي سيقدمها للكيان العدو/ الثكنة. وإذا كانت أدوات الحرب، وعدّتها، تتكدس في العروض المطروحة على الزبائن، المتضمنة أنواعاً متطورة من طائرات الشحن الضخمة «V- 22» الباهظة الكلفة، والتي تقلع وتهبط كالمروحيات، وذات «كفاءة اسثنائية لا مثيل لها في تخليص طيارين مهجورين في صحارى إيران وتحميل قوات خاصة لعمليات في أماكن نائية، كما يقول أمير أورن في صحيفة هآرتس (21/ 04) وسيكون جيش العدو هو الأول في العالم الذي سيحصل على هذه الطائرة خارج الولايات المتحدة. بالإضافة إلى طائرات تزويد بالوقود في الجو «KC-135» الضرورية لعمليات بعيدة المدى، مع أجهزة رادار متطورة جداً لطائرات «اف 15» و«اف 16»، مع أنواع حديثة من الذخائر والقذائف والصواريخ. فإن كل تلك الأسلحة، تأتي من أجل أن تبقى حكومة العدو محتفظة بتفوقها النوعي، ومراضاتها، ــ عدم اعتراضها ــ على صفقات التسليح الضخمة لكل من السعودية والإمارات، التي تقارب سبعة مليارات من الدولارات، تحتاج لها وزارة الدفاع، بعد التخفيضات الكبرى التي تقدّر بـ46 بليون دولار على ميزانيتها، نتيجة الاقتطاعات الهائلة في الموازنة الفيديرالية التي بدأ العمل بها، بعد توقيع الرئيس الأميركي للمرسوم القاضي بتنفيذ تلك الاقتطاعات، في أوائل شهر مارس/ آذار المنصرم.
لم ينسَ وزير الدفاع الأميركي ووزير الحرب الصهيوني ورئيس حكومة العدو، في كل أحاديثهم الصحافية، أن يؤكدوا أن زيادة كميات المعدات الحديثة، تهدف لـ«ضمان التفوق الجوي في المستقبل والسماح لسلاحها الجوي بإمكانات بعيدة المدى». وهنا تبرز أراضي إيران في أفق «بعيد المدى» ستعمل الطائرات الحديثة على جعله في مدى قريب! لقد أعاد هاغل المسكون ــ كما رئيسه ــ بالخوف الدائم على أمن الكيان، التذكير بالشراكة المتينة التي تربط المركز بالطرف داخل «المكون الواحد» (إن صفقة السلاح الجديدة تثبت أن الشراكة الأمنية بين «إسرائيل» وأميركا أقوى من أي وقت مضى) مشدداً ــ كما رئيسه أيضاً ــ على «التزام الولايات المتحدة بأمن «إسرائيل»». هذا الأمن وتلك الشراكة، يضعهما هاغل في منظومة علاقات تعكس الطبيعة الحقيقية للمصالح الاستعمارية/ العدوانية التي تحرص عليها الولايات المتحدة و«ولايتها الخارجية» بالمنطقة والإقليم (دولتانا تتشاركان القيم والمصالح المتشابهة وبينها شرق أوسط هادئ)، مشيراً إلى «أنه على الدوام حمل التقدير للدولة العبرية ولمواطنيها»، مضيفاً: إسرائيل هي قدوة للعالم، والعلاقات بين الدولتين لا تقاس فقط بالعلاقات العسكرية، وإنما أيضاً بالقيم المشتركة واحترام الآخرين، وهذا أساس العلاقات.
إن كلمات هاغل عن الديموقراطية وحقوق الإنسان، أثناء زيارته الخاطفة للقاهرة، لن تحجب آثار جولة التهديد المعلنة، سواء بما حملته رسائله المكتوبة بالإملاءات والوعيد، أو رزمة معداته القاتلة من الصواريخ والطائرات والقذائف لشعوب ودول المنطقة في إيران وسوريا وفلسطين ولبنان، والتي ستكون عاملاً إضافياً جديداً في دفع «الشرق الأوسط» على يد جيش العدو الصهيوني، والغزاة الجدد، نحو المزيد من الحروب والدمار والفوضى.
* كاتب فلسطيني