الرياض تحشد «علمانيين» لمواجهة قطر و«الإخوان» في «الائتلاف»
حمد بلوط ــ من لقائه الأول مع السفير الأميركي روبرت فورد تطفو في الحديث مع المعارض السوري رواية صادمة. لا أحد يعرف أي عقرب لسعت الخطيب على منبر نصب لأقليات سورية في فندق فرنسي، على امتداد أيام ثلاثة، كي يخرج عن برنامج اللقاء الأصلي، ويفصح عفو خاطر بأن تخاذل العالم عن معاضدة الشعب السوري انتصار لمصالح إسرائيل.
م فوجد السفير الأميركي نفسه يسارع هو أيضا عفو الخاطر، وبالغريزة الأميركية، مقاطعاً الخطيب السوري المعادي لإسرائيل بالقول «انها لغة من الخمسينيات بائدة، ينبغي الإقلاع عنها. إن إسرائيل دولة قوية تعرف ما تريد، وهي تريد أن يتنحى الأسد».
والمنبر الباريسي للأقليات السورية ليس وحيداً. فمنذ الاثنين الماضي، شهدت العاصمة الفرنسية، نشاطاً ملحوظاً واجتماعين متزامنين بدعم قطري - سعودي، ورعاية غربية مباشرة بإشراف سفراء أميركا روبرت فورد وفرنسا إريك شوفالييه ومسؤول الملف السوري في الخارجية البريطانية جوناثان ويلكس.
الاجتماعان يعودان مرة أخرى إلى ترتيب صفوف المعارضة السورية، تحت عنوانين بارزين. الأول، استكشاف اتجاهات ومواقف الأقليات السورية من خلال اجتماع حضرته شخصيات علوية ودرزية ومسيحية وكردية سورية بهدف دمجها بشكل أوسع في «الائتلاف» السوري المعارض، وتقديم ضمانات لجماعاتها في مرحلة ما بعد الأسد. والثاني هو استباق توسيع «الائتلاف» في أيار المقبل والعمل على تقليص نفوذ «الإخوان المسلمين» في هيئاته.
ومن منظور أوسع، يندرج الأسبوع السوري الباريسي في إطار تنافس قطري - سعودي على ضبط أطر المعارضة السورية وإعادة تنظيمها، في ظلّ رهان كبير على أن يعكف الأميركيون والروس في وقت قريب على تحويل التفاهم بينهم إلى مبادرة تحيي بيان جنيف، وتتطلب إعادة تنظيم التوازنات داخل المعارضة نفسها، وبين الاتجاهات التي تمولها قطر والسعودية.
وللخروج من مأزق هيمنة «الإخوان» على «الائتلاف»، اتجه القطريون إلى محاولة الاستماع إلى الأقليات السورية وفرز وجوه منها، في ما بعد، تملأ النقص في تمثيلها لمصلحة الاتجاه القطري إلى جانب «الإخوان»، من دون أن يؤدي ذلك إلى نقض سيطرتهم على «الائتلاف». يعمل السعوديون في المقابل، بعد فرض القطريين غسان هيتو رئيسا لحكومة موقتة رغما عنهم، على اجتذاب وجوه علمانية وليبرالية معارضة، لفرضها على «الائتلاف»، ومنع تقدم النفوذ القطري الإخواني.
ويتوسع القطريون في تنظيم اجتماعات يشرف عليها «معهد بروكينغز للدراسات والبحوث» من قطر، ومسؤول العلاقات الدولية لدى «الإخوان» ملهم الدروبي لجلاء أفضل الأصوات والوجوه في اللقاءات المنعقدة في باريس. في وقت تفتح فضائيات محسوبة على الإعلام السعودي شاشاتها دون حساب لأصوات علمانية، اتجهت منذ أكثر من شهر، نحو الخط الأول في الهجوم على هيمنة الإسلاميين على المعارضة، وتصعيد نقدها العنيف وغير المسبوق ضدّ «حزب الله».
وقد أدار مدير «بروكنغز» سلمان الشيخ نقاشات ممثلي الأقليات في باريس تحت أنظار السفراء الغربيين. وشارك في اللقاء عبد الحكيم بشار وسربست نبي وعبد الباسط سيدا وجوان سمو ووليد شيخو وهنادي زحلوط وآفاق أحمد ونبراس الفاضل وعصام سلام وملهم الدروبي ونائل الحريري ومحمد العساف وإبراهيم الباشا وسعد المشرف وشبلي الأطرش وهند قبوات. كما حضر ميشيل كيلو بعض الجلسات.
ومن لقاء مقرّر لتحديد مرحلة ما بعد الأسد، أخرج المجتمعون وثيقة مختصرة، تدعو إلى بلورة مشروع وطني جامع لطمأنة مكونات المجتمع السوري كافة، تدعم توسيع «الائتلاف»، وتقبل حلاً سياسياً حدّه الأدنى تنحي الرئيس بشار الأسد. وأخفق اجتماع جانبي في التوصل إلى وثيقة إضافية ترفع إلى «الائتلاف» بلائحة ضمانات تطمئن الأقليات ما بعد الأسد.
وبالتزامن، عقد معارضون جمدوا عضويتهم في «الائتلاف»، وآخرون مقربون من المنبر الديموقراطي وشخصيات مستقلة، اجتماعاً مشتركاً في باريس في إطار التحضير لمؤتمر القطب الديموقراطي الذي سينعقد في القاهرة مطلع أيار المقبل. ووضع المجتمعون لائحة بـbe مرشحا إلى عضوية «الإئتلاف». ويحاول الترشيح أسماءً تمثل فئات سورية معروفة بخصومتها لـ«الإخوان» المسلمين. وتقترح اللائحة المنتظرة عشر نساء، وأقليات كردية ومسيحية ويساريين وشخصيات وطنية. ويعتقد قطب سوري معارض، شارك في اللقاء، أن اللحظة الدولية مؤاتية لاختراق «الائتلاف» بمجموعة جديدة ليبرالية ومدنية. ويراهن معارضو «الإخوان» في المعارضة على تعهدات عربية وغربية أن يقوم الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال لقاءات مع أمير قطر حمد بن جاسم ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بالضغط على الوصيّيْن على «الائتلاف»، كي يفتحا أبوابه أمام القادمين الجدد.
وقال قطب سوري معارض، يعمل مع السعوديين وينسق معهم مباشرة، إن «السعوديين، من دون أن يدعموا الديموقراطية كما يقولون لنا، يدعمون تياراً ديموقراطياً سورياً داخل المعارضة، كأفضل الخيارات المتاحة في الوقت الحالي، ضدّ الاخوان المسلمين وقطر». ولكن السعوديين لا يملكون رؤية واضحة ومتكاملة لما يجب عمله في «الائتلاف»، ويشعرون بأن قطر وتركيا في تحالفهما مع «الإخوان» تقومان بدفع الثورة السورية نحو حافة الخطر. وينقل المعارض عن السعوديين رأيهم أن قطر قد وضعت يدها على المعارضة السورية عبر كتلتي مصطفى الصباغ و«الإخوان المسلمين» داخل «الائتلاف». ويخلص المعارض السوري إلى «أننا لن نستطيع تغيير تركيبة الائتلاف إذا لم نستعن بالمطبخ الاستخباري العالمي» الذي جاء بـ«الائتلاف» نفسه.
ويبدي الغربيون حيال مأزق «الائتلاف» شكوكا كبيرة في قدرة المعارضة على تجاوز الاستحقاقات المقبلة، خصوصاً أنه يخلو من أي شخصية قادرة على ترجمة خيار التفاوض الأميركي - الروسي، لو تقدم هذا الخيار، إلى أفعال أو حتى تمثيل أي خيار آخر بفعالية.
وقد يتعمق هذا المأزق في الأيام المقبلة إذا ما استُنفذ الطلاق بين رئيس «الائتلاف» المعارض المستقيل معاذ الخطيب و«الائتلاف»، وذهب الخطيب إلى مدريد لعقد اجتماع يَعدّ فيه أنصاره ويحشدهم في كتلة تنهي عزلته وافتقاره إلى مؤيدين في أي إطار مقبل. ويبدو حتى اختيار وجوه علمانية وليبرالية لضمها إلى «الائتلاف» خياراً غير مضمون النتائج لتخفيف إسلامية الأخير ووحدة رهانه على الخيار العسكري دون غيره، وتخففه من أعباء السياسة والحل. إذ لا يبدو أن وجود العلمانيين واللبيراليين في الأطر السابقة قد شكل حاجزاً أمام تمدد نفوذ «الإخوان المسلمين»، وبعضهم لعب مجرّد دور الواجهة لصعود «الإخوان»، ودافع عن «النصرة» بوصفها فصيلا طليعيا في قلب الثورة. ويبدو اللجوء إلى تشجيع العلمانيين والأقليات على الصعود في مواجهة «الاخوان» مجرد إعادة اختبار وصفة قديمة تحت ضغط مراكز الأبحاث ومستشرقي وزارات الخارجية الغربية، حفاظا على المسيحية الشرقية، ومراجعة مستعجلة لاحتواء انحرافات «إخوانية» في تونس ومصر، وعملاً بتحذيرات أجهزة الاستخبارات الغربية التي تخشى من تجذر الجماعات الإسلامية وتطرفها، وعملها تحت عباءة «الإخوان».
ويُعبّر ديبلوماسي غربي عن تلك الاعتبارات، التي تقف وراء الاندفاع بحثاً عن تجديد العلمانية السورية المعارضة وأقلياتها، بالقول، على هامش اجتماع باريس، «إننا نمر بمرحلة انعدام وزن، وتنتابنا شكوك في كل شيء وهناك مخاوف من كل شيء».
ويقترح المسؤول الغربي على المعارضين السوريين وجهة جديدة تعبر عن تخبط الديبلوماسية الغربية، وتحول المعارضة السورية ساحة اختبار وتجريب بعد سقوط الرهان على ترحيل النظام السوري في مواعيد خلت. وقال المسؤول الغربي إن اليأس قد تسرّب إلى البريطانيين والفرنسيين والأميركيين من خروج قائد سياسي سوري من المعارضة، وإن الرهان الحالي يتجه على بلورة شخصية عسكرية من طراز اللواء سليم إدريس لقيادتها، أو شخصية سياسية معارضة من الداخل. ولعسكرة القيادة مزايا عديدة، برأي المتحدث الغربي، أهمها الإمساك بالأرض، وإضعاف النظام و«جبهة النصرة» في آن واحد. وقال الديبلوماسي الغربي إن مرحلة جورج صبرا قد انتهت، وإن غسان هيتو لن يشكل أي حكومة وإن التضحية به باتت واجبة لرأب الصدع في «الائتلاف». وعرض الديبلوماسي في باريس على المعارض (الداخلي) عارف دليلة فكرة ترشيحه لرئاسة «الائتلاف»، لكن دليلة أجاب بالرفض. وقال معارض سوري إن الغربيين لا يملكون سوى استراتيجية وحيدة هي متابعة دعم «الائتلاف» لأنه لا يمكن تخطيه برأيهم مع تغيير ملامحه، ومواصلة الدعم العسكري لتغيير ميزان القوى على الأرض.
معلومات إضافية
- المصدر:
- السفير