دول«الكتلة الاشتراكية» تراقب طوق نجاتها
في عالم اليوم، حيث يشتد الصراع الدولي، لم يعد ممكناً الحديث عن «استقلالٍ» ناجز وتام لإحدى الدول، إلا بمقدار ربط هذا «الاستقلال» بإمكانية هذه الدول اتخاذ سياسات داخلية وخارجية متفلتة فعلياً من القيد الأمريكي الذي ساد العالم ردحاً من الزمن.
للأسف، تنتمي بلادنا (صربيا) إلى مجموعة كبيرة من الدول التي لا يمكن لها أن تتباهى بالاستقلال. فاليوم، لا يمكن إنكار التأثير السلبي المباشر للقوى الغربية، حتى عندما نتحدث عن دول أقوى بكثير من صربيا.
عن النظام السياسي والفهم الماركسي
للحديث عن تأثير الغرب على النظام السياسي الحالي في صربيا، فإنه من الضروري التذكير أنه- وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي- اتخذ الغرب الخطوات اللازمة جميعها لوضع الدول «الاشتراكية» السابقة كلها تحت نطاق سيطرته وهيمنته، سواء على المستوى الاقتصادي، والثقافي، أو السياسي والإيديولوجي.
النظام السياسي الحالي في صربيا- كما هو الحال مع معظم الدول «ما بعد الاشتراكية»، هو دون شك تحت السيطرة المباشرة للحكومات الغربية، وبالتحديد لرؤوس أموالها العابرة للقارات. وقد تم بناء مؤسسات سياسية من النوع الغربي- رغم أن بنية هذه الدول على العكس من ذلك، من ناحية التاريخ والتقاليد والخصائص الثقافية والسياسية والاقتصادية وغيرها في كل هذه البلدان.
أرى أن هناك مشكلة كبيرة في التطبيق العملي لهذه النظم. وكان هذا واضحاً للفلاسفة القدماء الذين درسوا الأنظمة السياسية. أرسطو عارض مذهب أفلاطون للدولة العالمية، كما أوضح أن الناس بحاجة لمختلف مؤسسات السلطة السياسية. من جهة أخرى، قال مكيافيلي أيضاً إن شكل النظام يعتمد على وضع وثقافة الناس السياسية، وقدرات «الأمير الحاكم».
أما المنظّر السياسي الفرنسي الشهير، جان بودان، فقد كتب إن: «أساس قوة الدولة هو التكيف مع ظروف وخصائص المواطنين وقوانينها غير المكتوبة، يجب أن تتوافق في المكان والزمان مع الناس»، وقد تم التخلي عن هذا من قبل الأنظمة السياسية «ما بعد الاشتراكية»، من خلال «الديمقراطية» التي تنتهجها النخبة السياسية الجديدة ونوعية المؤسسات العامة المشابه للنموذج الغربي، ليثبت مرة أخرى، أن الفهم الماركسي لمسألة الدولة هو الفهم الوحيد الصحيح موضوعياً.
الهيمنة تتهاوى.. هناك أمل
أثّر الغرب بهذه الدول (الدول الاشتراكية سابقاً) بطرق مختلفة. ويصف البروفيسور، ميروسلاف بيتشوليش، ثلاثة مستويات رئيسية للضغط: الاستغلال الاقتصادي والهيمنة السياسية والتلاعب الروحي. في حالة صربيا، استخدمت الولايات المتحدة أيضاً القوة العسكرية الأكثر وحشية. وقد رافق هذه الإجراءات كلها، بما في ذلك القوة العسكرية، استخدام ما يسمى «القوة الناعمة» باستمرار.
اليوم، يمكننا أن نرى أن الغرب لا يزال يستخدم «القوة الناعمة» في وسائل الإعلام للسيطرة على السكان. خمسة من أكبر المجموعات الإعلامية في العالم تملك أكثر من نصف وسائل الإعلام على هذا الكوكب، أربعة منها تتمركز في الولايات المتحدة الأمريكية (وواحدة في ألمانيا).
في هذا الزمن، توضع مفاهيم مثل الأذواق والأزياء والسلوك، وحتى مفهوم الحقيقة، في إطار العولمة، بغض النظر عن التقاليد. ولهذا، نلخص ونقول أنه في عالم اليوم، فإن العديد من البلدان، بما فيها صربيا، تقمع من قبل ديكتاتورية الغرب. وهذا لا ينطبق فقط على البلدان «الصغيرة»، ولكن أيضاً لتلك التشكيلات الكبيرة من الدول. إن دور الولايات المتحدة القائل بأنها «المهيمنة عالمياً» كان واضحاً وحقيقياً جداً. والسؤال هو ما إذا كان هذا الوضع سيبقى دون تغيير.
التاريخ لا يرحم: «في الصراع من أجل الهيمنة، تمت هزيمة إسبانيا والبرتغال من قبل هولندا، وهولندا هزمت من قبل انجلترا في نهاية القرن التاسع عشر، اعتمدت الولايات المتحدة موقف الهيمنة العالمية في وقت لاحق، وكان هذا الموقف خطيراً بسبب ظهور الاتحاد السوفيتي. ولكن عندما تفكك الاتحاد السوفيتي كانت واشنطن بلا منافس للقيادة العالمية».
اليوم تنفتح لنا، نحن الشعوب الاشتراكية السابقة فرصة تاريخية لا تقدر بثمن. إن ظهور قوى جديدة على الساحة الدولية لهو مؤشر على أن حبل خلاصنا من الهيمنة الأمريكية بات يلوح أمام أعيننا، فهل نلتقط هذه الفرصة ونمضي نحو استقلالنا؟ لنرى!