«يلي بيجرب المجرب...»!!
عابد سليم عابد سليم

«يلي بيجرب المجرب...»!!

 مع اقتراب استحقاق بازار الانتخابات الرئاسية الأمريكية من نهاياته يُكثر قليلو العقول من مراهناتهم على أن فلاناً أشجع وأقوى من فلان أو فلانة أذكى وأدهى من فلان، أو أن قضية ما كانت ستحل بشكل أفضل لو لم يكن فلان في سدة البيت الأبيض، وهي ستحل على نحو مؤكد بشكل أفضل مع تولي آخر للمكتب البيضاوي..!

 

مشكلة هؤلاء أنهم كـ«الصلعاء التي تتباهى بشعر ابنة خالتها»، فهم بافتقادهم للرصيد المتكامل المعتد به، معرفياً وسياسياً وجماهيرياً، يرهنون وجودهم بوجود هذه «الشخصية الأمريكية» أو تلك، وكأن الـ«هذا» أو الـ«ذاك» إياهما يمونون بقشرة بصلة على المراكز الحقيقية للقرار الأمريكي، وليسا أكثر من موظفين رفيعي المستوى بياقات بيضاء وبذات رسمية يشكلون واجهة في واشنطن لا أكثر، أو وكأنما ثمة فوارق جوهرية حقيقية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري الذين يصادران في سباق تتابع حقيقي فيما بينهما الحياة السياسية للشعب الأمريكي، أو كأنما لا توجد أزمة اقتصادية جدية تعصف بالولايات المتحدة وكان لها ولا يزال وسيبقى آثار وتداعيات عسكرية وسياسية واجتماعية في الداخل الأمريكي، مثلما كانت منذ انفجار طورها الأخير في 2008 ولا تزال وستواصل انعكاسها على ميزان القوى الدولي الذي ستأخذ في نهايته الولايات المتحدة مكانتها المتلائمة مع حجمها الاقتصادي والسياسي والعسكري الفعلي غير المتورم اصطناعياً..!

ووصل الأمر ببعض هؤلاء المراهنين إلى استخدام التوصيف المصاحب عادة لأي رئيس أمريكي قبيل مغادرته منصبه بأنه «بطة عرجاء»، أي لا تتخذ أية قرارات هامة خلال سنة مثلاً قبيل نهاية ولايته. وهو توصيف غير دقيق من أناس يعمل عقلهم بقوة عطالة القوة الأمريكية، متناسين، أولاً، أن حساسية الملفات العالمية وتشابكها في المرحلة الحالية لا تفترض أية استراحة، وثانياً، أن أوباما أو غيره غير قادر على اتخاذ قرارات من حقبة القوة الأمريكية البائدة..! ناهيك عن أن الوجه الآخر لذاك التوصيف يوحي بأن الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته وبحكم «ضعفه الشخصي» المفترض كان «حمامة سلام»، متجاهلين أن حكومة بلاده الفعلية خلال توليه وحزبه الديمقراطي واجهة الحكم إلى الآن تسببت أو ساهمت في بضعة حروب وأزمات دولية في ليبيا وأوكرانيا واليمن وسورية إذا لم نتحدث عن تصعيد التوتر في بحر الصين الجنوبي وعن الدعم المستمر للعدوان الصهيوني داخل الأراضي المحتلة. ويضاف ذلك إلى سجل الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حد سواء في حروب واشنطن في التاريخ القريب من أفغانستان إلى يوغسلافيا والعراق.

وحتى لا يقولن أحد أن هذا بيان سياسي وربما رغبوي أو متحيز، فلندع بعض أرقام الأزمة الاقتصادية الأمريكية ذاتها- في شهر آب الماضي لا أكثر- تكشف عن بعض الأسباب العميقة وراء التحولات في ميزان القوى الدولي، بما يتجاوز نزعة البعض إلى شخصنة حتى المتحولات الجيوسياسية العالمية:     

- تبلغ نسبة الدين الحكومي الأمريكي بالمقارنة مع إجمالي الناتج المحلي الأمريكي 104% وهي تحتل المركز الثاني بهذا الواقع من ضمن دول مجموعة العشرين التي أنهت قمتها في الصين قبل يومين.

- قبل سبعة أيام فقط توقع مسؤولون أمريكيون في مكتب الميزانية التابع للكونجرس الأمريكي أن يصل عجز الميزانية الأمريكية هذا العام إلى 590 مليار دولار ما يمثل 3.2% من الإنتاج الاقتصادي الإجمالي. وكان العجز قد سجل في العام الماضي، أدنى مستوى له منذ 8 سنوات فبلغ 438 مليار دولار.

- تكشف الأرقام عن حجم الارتهان الاقتصادي الأمريكي للخارج حيث يبلغ الدين الأمريكي 19.37 تريليون دولار، ويمتلك الأجانب حوالي 45% من المتداول بالأسواق معظمها تعود لحكومات وبنوك مركزية، منها في الصين واليابان والسعودية والإمارات من بين 23 دولة أخرى.

- كان تقرير الوظائف الأمريكي لشهر آب الماضي أخفض ب30000 وظيفة مما هو مخطط له.

- حقق الاقتصاد الأمريكي نموًا بطيئًا، بنسبة 1.1% خلال الفترة الممتدة من نيسان إلى حزيران من 2016 الجاري، وسط تخفيض مخزونات السلع، والتقشف في موازنات الأبنية والمعدات الجديدة. وقالت وزارة التجارة الأمريكية إن "الناتج المحلي الإجمالي في البلاد، الذي يعد أهم معيار اقتصادي، ارتفع بنسبة 1.1%، خلال الفترة المذكورة، وهذا أقل من توقعات حزيران الماضي التي أشارت إلى احتمال نموه بنسبة 1.2%". وأشار المركزي الأمريكي في وقت سابق، إلى وجود تباطؤ في معدلات النمو الاقتصادي في البلاد إلى 0.7% خلال الربع الأول من 2016 مقابل 1.4% في الربع الأخير من العام الفائت، دون أن يشير إلى أسباب ذلك.

وبالعودة إلى المراهنين الحالمين بتضخيم قواهم بالمنشطات الأمريكية التي لم تعد حتى مراكز القوى الأمريكية تمتلكها بما يكفي، فلربما يجدر سؤالهم: ألم تتفكروا بدلالات تصريح جاكوب روتشيلد، رئيس المجموعة المالية RIT CAPITAL PARTNERS، العائدة لواحدة من أكبر أسر رأس المال العالمي، محذراً من المخاطر التي تسود الاقتصاد العالمي اليوم وقوله حرفياً «إننا نعوم في مياه مجهولة»؟ وما رأيكم أن تتفكروا بدلات تأكيده أن مجموعته الاقتصادية العملاقة التي تشترك في الهيمنة على القرار المالي والاقتصادي وبالتالي السياسي الأمريكي بصدد «التخلي عن الدولار، والجنيه الاسترليني، وهي تتجه نحو الذهب والعملات الأخرى»؟

وقد نبّه روتشيلد في المقال الذي ترجمه ونشره موقع قاسيون في حينه إلى محدودية الانتعاش الوهمي الذي تنتجه هذه السياسة النقدية قائلاً: «على الرغم من أن السياسة النقدية تؤدي إلى انتعاشات سريعة في سوق الأوراق المالية العالمية، إلا أن هذا النمو لا يستطيع أن يدوم للأبد، طالما أن القطاع الحقيقي لا يزال هزيلاً، بطلب منخفض، وركود تضخمي في العديد من الدول المتقدمة»..!

فـ«إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في إيطاليا عليك أن تعرف ماذا يجري في البرازيل».. ورحم الله محمد الماغوط ونهاد قلعي..!