البرازيل.. عن التركيب بين الأزمات الداخلية والمواجهة الكبرى
كتبت صحيفة الغارديان يوم أمس مقالاً صحافياً تطرقت فيه إلى الأزمة التي تعصف بالبرازيل، والتي كانت آخر نتائجها عزل الرئيسة المنتخبة، ديلما روسيف، وتولي الرئيس يميني التوجهات، ميشال تامر، سدة الحكم، إثر القيام بـ«انقلابٍ دستوري». وفيما يلي، يتبين أن الصحيفة، في معالجتها للوضع البرازيلي، إنما تتجاهل كلياً أي دور للولايات المتحدة في التحكم والتدخل بالمشهد البرازيلي عموماً.
محاكمة روسيف وعزلها، ليست فقط قصة امرأة قاتلت في شبابها الديكتاتورية بشجاعة، وصعدت حتى بلغت سدة الرئاسة، وتم عزلها من السلطة في ضوء فضيحة فساد كبيرة تشهدها البلاد، لكنها قصة أمة، أكبر دولة في أمريكا اللاتينية، التي حظيت بالتأثير المتزايد، ومكافحة الفقر، وتعاني اليوم من التوتر السياسي الذي أدى إلى نهاية حقبة حكم 13 عاماً من حكم حزب العمال، الذي صعد من سلف وأستاذ روسيف الزعيم الكاريزمي، لويز إنياتشو لولا دا سيلفا، وهي أيضاً قصة التغيرات التي يعيشها المشهد الدولي، فالدول التي احتفل بها بصفتها قوى (صاعدة)، ويمكن أن تعيد تشكيل العالم، تجد نفسها أمام صعوبات متجذرة في التباطؤ الاقتصادي وسوء الحكم.
صوت مجلس الشيوخ على عزل روسيف بـ62 صوتاً ضد بقائها، مقابل 22 مع بقائها.
الإطاحة بها هي مأساة شخصية بلا شك، حيث كان هناك غضب ودموع، عندما دافعت روسيف عن نفسها وبطريقة ملحمية ضد ما تصفه هي والداعمون لها بأنه انقلاب، لكن النقاد يقولون إنه نتيجة منطقية لعملية دستورية طويلة لتنظيف الفساد وغياب المحاسبة، التي هيمنت طويلاً على السياسة البرازيلية.
المشاعر العاطفية كانت حارة عندما أشارت روسيف إلى ما تعرضت له من تعذيب على يد الطغمة العسكرية، قائلة: «لن أتخلى عن مبادئي التي أرشدتني»، فردّ نائب قائلًا: «هذا ليس انقلاباً، بل ديمقراطية تتطور».
من الصعب عدم ملاحظة درجة الظلم في هذا الهبوط القاسي، فلم يتم توجيه تهم لروسيف شخصيّاً بأنها استفادت من الفساد، (فقد حوكمت لأنها حاولت تقديم ميزانية وأرقام تم تعديلها)، على خلاف العديد من الساسة البرازيليين والمسؤولين، الذين صوت عدد كبير منهم لعزلها، ولهذه الأزمة دلالات كبيرة تعبر عن النخبة التي تم فضحها في قضية فساد «بتروباس» و«لافو جاتو».
البرازيل كانت في حالة تراجع، وعندما انتخبت روسيف عام 2010 أصبحت البرازيل سابع أكبر اقتصاد في العالم، واعترف بها بصفتها قوة ناشئة، وأظهرت قوتها من خلال استقبالها مباريات كأس العالم عام 2014 والألعاب الأولمبية هذا العام، ونجاحها في تخفيف الفجوة في مستويات الحياة كان نموذجاً عالمياً للجنوب.
انهيار أسعار السلع أدى إلى وقف عقد من الازدهار في التصدير، وهو ما أدى إلى توتر اجتماعي، وتظاهرات في الشوارع، وسخط شعبي، ومعارضة داخل الطبقة المتوسطة، وهو ما دفع المعارضين لحزب العمال الذي تقوده إلى استغلال حالة الإحباط هذه، ومع ذلك فإن القوى اليمينية التي خرجت تبحث عن حكومة «أنظف»، عندما تم الكشف عن العمولات والتعاملات المالية، تبين أنها ليست أنظف من الحكومة السابقة.
أزمة البرازيل تشبه أزمات الدول (النامية) الأخرى، حيث قادت طرق الحكم والقضايا الاقتصادية إلى نكسات أدت إلى توترات سياسية. انظر إلى المصاعب التي تعيشها جنوب أفريقيا والحزب الحاكم فيها المؤتمر الوطني الأفريقي، أو حملة مكافحة الفساد في الصين، وليس في أي من هذه الحالات عزاء لروسيف، ولا يمكن أن تمحو الأخطاء التي ارتكبتها كونها قائدة، لكن تحميل امرأة واحدة مسؤولية الأمراض التي تعاني منها البرازيل كلها، أو أن هذه المشكلات ستختفي بالتصويت، هو تفسير تبسيطي وغير صادق.
الكثير ممن طبلوا للإطاحة بروسيف هم ذاتهم الذين يأملون ألا يلتفت إليهم قضاة مكافحة الفساد.
البرازيل اليوم هي دولة تعيش استقطاباً، ومواطنوها منقسمون، لكنهم بحاجة إلى طبقة سياسية قادرة على إعادة الثقة الكافية لمعالجة التحديات التي تواجهها البلاد، أما فيما يتعلق بمهمة الرئيس الجديد، ميشال تامر، الذي قاد الهجوم على روسيف، وبأنه سيكون قادراً على تقديم الحلول، فإنه سؤال تصعب الإجابة عنه.