محلّل وعطّار.. والرزق ع الله!
يمر بعض الإعلاميين والمحللين السياسيين على الأزمة السورية بطريقة عجيبة.. فتراهم يركزون على الميدانيات وعلى أدق تفاصيلها، وعلى تصريحات الدول والجهات المختلفة بحروفها ونقاطها وفواصلها مستكشفين بمهارة نادرة المؤامرات الكبرى التي تحاك، ومشتمين رائحة الصفقات حتى قبل أن تدركها أو تفكر بها الأطراف التي ستعقدها، حتى لتخال وجوههم حادة مزمومة بحواجب كثة وجباه معقودة وأعين ثاقبة..
هؤلاء أنفسهم، ورغم أنهم يمحّصون «الحقائق» التفصيلية بجهد عالٍ، إلّا أنهم يمرون على أكثر القضايا جوهرية وعمومية وأساسية بفرضيات خاطئة ومبتذلة، وهم مرتاحون ومسلمون ومسترخون.. (أمريكا تسلم الملف السوري لروسيا.. تلكم هي الصفقة.. واضحة) وذلك مقابل أوكرانيا مثلاً..
إنّ أمثال هؤلاء، وهم كثر منهم من يتربع على قوائم «الأكثر مبيعاً» - وليس غريباً أن يكونوا كذلك- ينتمون بتحليلاتهم وتفكيرهم إلى عصر مضى.. مات ولم يدفن بعد، ولذلك تخرج أصوات بشرية من «الأكثر مبيعاً» لتحمل تعفن روح الميت المرمي على قارعة التاريخ بانتظار الدفن!
إن القول بأن أمريكا تسلم روسيا الملف، يعني أن الملف كان بيد واشنطن أساساً، وبأنها –وهي صاحبة الصولة والجولة والكلمة التي لا راد لها- سمحت للروس بالإشراف على الملف مقابل تنازلات سيدفعها الروس في أوكرانيا أو غيرها.. إن ما يفوت هؤلاء المحللين ومَن وراءهم، هو أن العصر الذي ينتمون إليه انتهى، وأن عصراً جديداً بدأ بالتشكل، وأن طرقهم في الحساب باتت طرق «عطّارين» في زمن الطب الحديث!