لقاء صباح الموسوي مع صحيفة "بيان اليوم" المغربية
هل يمكن اعتبار اللقاء العربي اليساري الذي عقد دورته الخامسة بالمغرب، محاولة لإعادة بناء الحركة اليسارية وتجديد فكرها بشكل يتيح لها التفاعل بشكل واقعي مع القضايا والتحديات الكبرى المطروحة ؟
فكرة تأسيس اللقاء اليساري العربي تستهدف، في الأصل، إعادة تنشيط وتجديد اليسار العربي بمختلف مشاربه. وعلى مدى أربع لقاءات سبقت هذا اللقاء، يمكن الحديث عن تطور في عمل اليسار العربي، سواء من ناحية التعاون بين القوى اليسارية فيما بينها في كل بلد على حدة، أو على المستوى العام.
وفي نفس الوقت يمكن التأكيد على أن اليسار العربي، عبر هذه المؤسسة، تمكن من التخلص من فكرة تمثيل اليسار لهذا الطرف أو ذاك في بلده، فاليسار بدأ يقتنع أنه، بغض النظر عن تعدد الفصائل، فإنه يوجد في خندق واحد، أي في مواجهة القوى الإمبريالية والصهيونية والظلامية والهجوم الهائل الجديد الذي يستهدف تدمير المنطقة.
واللقاء اليساري العربي الذي استضاف دورته الخامسة رفاقنا في حزب التقدم والاشتراكية بالمغرب يمكن أن نعتبره نقلة نوعية في مسيرة اللقاء اليساري العربي، من ناحية تطوير مؤسساتنا، ومن ناحية تقديم برنامج ليسار جديد تقوم بإعداده منسقة اللقاء الرفيقة ماري ناصف الدبس بتكليف من اللقاء، وهذا البرنامج سيكون ملزما لجميع أعضاء اليسار العربي الذين يصل عددهم إلى 31 حزبا وفصيلا، كما سيتم القيام بعمل ميداني جماهيري مشترك لليسار العربي.
أما من ناحية ثالثة، وهو جانب مهم ويرتبط بالمجال الإعلامي، فقد تم الاتفاق على العمل من أجل تطوير المؤسسات الإعلامية لليسار العربي، عبر إحداث موقع إلكتروني والإشراف عليه، كما تم وضع مجموعة من المقررات التي تستهدف تنشيط هذا الجانب.
بخصوص الوضع في بلدكم العراق، ما هي التعقيدات التي يعيشها حاليا في ظل احتلال داعش لنصف الأرض العراقية؟
الوضع في العراق انتقل من موضوع الصراع ونظام المحاصصة الطائفية الذي عمل على إرباك المجتمع ومحاولة تمزيق النسيج الوطني الاجتماعي، إلى مرحلة أخطر لما بعد الاحتلال، والتي تمتد من 2003 إلى الآن. فالمرحلة الأخطر هي مرحلة تنفيذ مخطط تقسيم العراق. ودخول داعش واحتلالها لـ 40 في المائة من الأراضي العراقية بهذه البساطة وبهذه السهولة، يؤشر على أن المخطط كان معدا سلفا. وهناك قوى داخلية معروفة في البلد تهدف إلى تقسيم العراق على أساس إثني وقوى طائفية. قوى تتشكل من بقايا النظام السابق خصوصا جهاز المخابرات وما يسمى بفدائيي صدام وغيرها والذين يتمركزون في مناطق مثل الموصل والمنطقة الغربية، وهم يشكلون الجسد العسكري لداعش الآن.
فالقوة الضاربة داعش التي ترهب العالم بالذبح والأساليب البشعة التي تمارسها وبعض العمليات المباشرة، جسدها العسكري الأساسي هم بقايا النظام السابق وهم أشخاص متمرسون ومهنيون لهذا لديهم القدرة على مسك الأرض.
الحركة الشيوعية في العراق لها تاريخ عريق. فما هي المبادرات التي تقومون بها لتقوية صف الحركة وأخذ المبادرة ومحاولة إيجاد مخرج من الأزمة التي تعرفها البلاد؟
الحركة الشيوعية في العراق لم تبق كما كانت في السابق، حيث كان الحزب الشيوعي هو من يمثل الحركة الشيوعية. حاليا أصبحت الحركة الشيوعية تتميز بتعدد الفصائل، وتتألف من عدد من الأحزاب اليسارية العراقية، من ضمنها نحن التيار اليساري الوطني العراقي الذي تمكن من العمل بشكل مشترك لمواجهة هذا الهجوم، حيث قام بتشكيل لجنة العمل اليساري العراقي المشترك التي تضم غالبية الفصائل اليسارية العراقية، كما كانت هناك محاولة لإقامة تحالف وطني تحرري مع القوة وطنية مثل إرادة الأهالي وقوة تسمى ديمقراطية كالتيار الديمقراطي التي يعد الحزب الشيوعي جزء منه وكنا على وشك التوصل لاتفاق لولا أنه تم إفشال المسار في آخر لحظة بسبب محاولة لتحويله إلى تحالف انتخابي، في حين بالنسبة لنا كان الهدف المتفق عليه في الحوار هو بناء تحالف وطني تحرري يفتح الطريق أمام المجتمع لإطلاق خيار ثالث في مواجهة خياري نظام المحاصصة الإثنية الفاسد الذي يهدد بتقسيم العراق ومواجهة خيار إنتاج شكل من أشكال الديكتاتورية السابقة، وأشير أن هذا الخيار الثالث كان غير مسموع تقريبا في بداية الاحتلال لكن مع مرور السنوات وتكشف الحقائق بدا يشكل قوة مجتمعية كبيرة.
وحاليا تعمل القوى اليسارية على الأرض مباشرة خصوصا عبر تشجيع ودعم الإضرابات العمالية وبشكل خاص عمال النفط، والنقابات التي تقود هذا الإضراب هي نقابات يسارية، كما يتم تشجيع النشاط الاحتجاجي الشبابي الذي بات على نطاق واسع في العراق ويتطور باتجاه المشروع الوطني العراقي والدفاع عن وحدة العراق وإقامة وطن ديمقراطي، وقد دخل على الخط أيضا أو على ساحة هذا الصراع الفلاحين الذين صودرت منهم أراضيهم التي كانوا قد حصلوا عليها بموجب قانون الإصلاح الزراعي، وهذا العامل الوطني والطبقي صوته بدأ يرتفع .
وفي المقابل نسجل أن النظام بات يعيش حالة من التمزق والتهرؤ والصراعات على المحاصصة والنهب، وهناك على الساحة السياسية حاليا جبهتان لا ثالث لهما، وهي جبهة القوى اليسارية والوطنية الديمقراطية التي تهدف إلى تخليص العراق من مخاطر التقسيم وإعادة بناء البلد وإعادة بناء السلطة على أساس الديمقراطية، وجبهة القوى المرتبطة بالإمبريالية والقوى الظلامية والرجعية التي تهدف إلى تقسيم العراق.
فيما يتعلق بالمسار الذي ذكرتم، هل هناك فرص وبوادر نجاح الجهود التي تقوم بها الفصائل اليسارية داخل الساحة العراقية التي بات يهمين عليها المد الأصولي؟
أنا في أول لقاء رسمي بين التيار اليساري العراقي وجهة حكومية ممثلة في لجنة المصالحة الوطنية التابعة لمجلس الوزراء، تحدثت عن هذا الموضوع بالتحديد. فقد قيل لنا من قبل اللجنة أن اليسار لم تعد له الفرصة حاليا. كانت له فرصة خلال سنوات الخمسينات والستينات، كما كانت الفرصة في السبعينات والثمانينات للقوميين، أما الآن فهي فرصة الإسلاميين، فأجبتهم “بأنكم مخطئون، فشعب العراق محظوظ، ذلك أن العراق عبر الأزمان مر بمحن قاسية، غزوات وتدمير كالذي حدث على يد هولاكو، وتعرض لأنظمة ديكتاتورية وتدميرية، ومجاعات، لكنه لم يتعرض لوباء كالوباء القائم اليوم في العراق “. قالوا لي أي وباء؟ قلت “وباء الحكم الإسلامي، أنتم وباء تحكمون العراق باسم الإسلام، والشعب العراقي محظوظ”. قالوا كيف؟ قلت محظوظ لسبب بسيط لأن الثورات الشعبية حينما انطلقت في تونس ومصر جرى مصادرتها من قبل القوى الإسلامية. أما في العراق، الثورة قائمة والانتفاضة الشعبية قريبة لأن الوضع لا يحتمل، لكن عندما تندلع هذه الانتفاضة لا توجد قوى إسلامية قادرة على المصادرة لأنها حكمت العراق على مدى عشر سنوات وقدمت صورة النهب والقتل والذبح والاعتداء على الحريات، والشعب بات يريد التخلص من هذا الحكم، وهناك حاليا فرصة حقيقية على الأرض للانطلاق انتفاضة شعبية يكون في مقدمتها أو طليعتها القوى اليسارية والديمقراطية لحسم المعركة.
ارتباطا باللقاء اليساري العربي، ما هي المخارج الأساسية في نظركم للتغلب على التحديات المطروحة ؟
هذا سؤال مهم، في الحقيقة هناك صراع في المنطقة، وهذا الصراع قديم يأخذ أشكال متعددة حسب الظرف التاريخي، في اللحظة الراهنة الأزمة العامة الشاملة التي تعيشها الرأسمالية خصوصا في أمريكا يجعلها تكون أكثر عدوانية لتصدير هذه الأزمة ومحاولة حلها عبر إشعال الحروب ونهب الثروات، وبهذا المعنى فإن المعركة الآن في المنطقة العربية تكاد تكون معركة حاسمة بعد عدة معارك تاريخية، وهذا الهجوم يواجهه تصدي من نوع جديد، فهناك مقاومة في المنطقة العربية وليست مقاومة دول، في الأيام السابقة كانت الحروب تتم مع الدول ونعرف نتائجها، أما الآن الحرب تتم مباشرة مع الشعوب العربية سواء مع المقاومة المسلحة العربية أو مع المقاومة الشعبية التي نزلت بالملايين للشوارع حاملة شعارات وطنية وقومية وديمقراطية تحررية.
فهناك معركة كبيرة والعامل الجديد فيها هي أن الشعوب أخذت قضيتها أو زمام أمرها بيدها وهذا ما يقلق الحكام الإمبرياليين لأنهم تعودوا على محاربة أنظمة قادرين على تغييرها أو امتصاصها أو عقد صفقات معها، ويمكن القول إن المعركة حاليا باتت مفتوحة ولهذا يقع على اليسار مهمات جديدة، مهمات تتعلق بكيفية استيعاب هذه التحركات والانتفاضات الشعبية، وكيفية استيعاب الحركات الشبابية وتوجيهها بالاتجاه الذي يخدم الهدف المركزي للمعركة ألا وهو تحرر المنطقة العربية من قبضة الهيمنة الإمبريالية.
النظر لحجم التحديات، هل اليسار العربي له من الإمكانيات ما يؤهله لتجاوز الوضع الراهن؟
أولا اليسار العربي قوة مجتمعية وسياسية كبيرة وتمتد جذوره في عمق التاريخ وجدلية الصراع في المنطقة منذ عشرات السنين، ثانيا اليسار خلال العشرين أو الخمسة عشرة سنة الأخيرة بدأ يتطور ويتجدد مع الحياة ولم يعد ذلك اليسار المغلق وعملية التجدد تكاد تكون وكأنها صيرورة جديدة لليسار في خضم الصراع، وهذا مهم لأن اليسار لما يتجدد في خضم الصراع الطبقي والوطني يتحول بسهولة إلى دينامو في هذا الحراك، وهناك مؤشرات كبيرة على أن قوى اليسار تلعب دورا كبيرا في مصر، في تونس، وفي سوريا التي أصبح فيها الحل اليساري هو المسيطر في الأخير، ففي بداية الأزمة السورية كان اليسار وهو بالتحديد رفاقنا في “حزب الإرادة الشعبية” الذين هم أعضاء في اللقاء اليساري العربي والذين لديهم نفوذ واسع وسط الشباب وشاركوا في الحراك الشعبي السوري في بداية التظاهرات حينما كانت مطالبها مرتبطة بالعدالة والحرية والتقدم، هذا اليسار طرح منذ البداية أنه لا مجال لحل عسكري للأزمة في سوريا وأنه يجب التشبث بإيجاد حل سلمي ديمقراطي يضمن تغيير اجتماعي ديمقراطي داخل المجتمع، لكن للأسف هذه الفكرة كانت مرفوضة من قبل النظام السوري خاصة القوى المتشددة والفاسدة داخله، ومرفوضة أيضا من قوى المعارضة المتشددة أو تلك التي قدمت ومولت من الخارج.
لكن بعد هذه السنوات من الصراع والخسائر الكبيرة أصبحت الآن فكرة الحل التي طرحها اليسار السوري شبه منتصرة، وما اجتماعات موسكو التشاورية، والآن يحضرون لاجتماع آخر، إلا رضوخ – بين قوسين – لقوى النظام وقوى المعارضة المتشددة لفكرة الحل اليساري.
كما أن اليسار في المغرب يلعب دورا مهما وأساسيا وهو حاليا طرف مساهم وبشكل فعال في السلطة ومن خلالها يقدم منجزات للكادحين المغاربة على مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية.
واليسار في العراق رقم مهم وصعب ويلعب دورا هاما وأساسيا في المعارضة وتعبئة الجماهير خصوصا وسط الطبقة العمالية وعمال النفط تحديدا، وكذا الأمر بالنسبة لليسار في لبنان فهو يلعب دورا أساسيا، أي هناك دور حقيقي وقوي ومتصاعد لليسار.
تحدثتم في الندوة الفكرية للقاء الرباط عن التجربة التونسية، لكن هناك من يعتبر أن عناصر نجاح التجربة التونسية تمكن في أنها قامت بثورة ثقافية عميقة في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة، وهذا لا ينطبق على تجارب البلدان الأخرى، ألا تشاطرون هذا الرأي؟
الموضوع ليس فقط موضوع ثورة ثقافية بل هو موضوع صراع متعدد الأوجه له علاقة بالإيديولوجية والثقافة وحقوق المرأة وقضايا النقابات، ففي مصر مثلا الحركة الثقافية رغم اتفاقية كامب ديفيد فإن مثقفين مصريين اتخذوا موقفا ثابتا من مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني، فتونس قد تتميز في بعض الجوانب، ومصر قد تتميز في جوانب أخرى، وكذلك المغرب، لكن هناك جوانب مشتركة على صعيد مواجهة الصراع وطبيعة القوى المشتركة في هذا الصراع.
إلى متى ستطول النقاشات داخل اللقاء اليساري العربي، في حين أن القوى الظلامية تعمل في الميدان على تنزيل مخططاتها، ألا تعتقد أن الظرفية باتت تتطلب تسريع وتيرة اشتغال هذا اللقاء اليساري العربي؟
الحوارات التي تجري بين قوى اليسار العربية سواء عبر اللقاء اليساري العربي أو عبر اللقاءات الانتمائية المتعددة، هي في الحقيقة حوارات ولقاءات متابعة لما يجري على الأرض من نضالات اليسار العربي، فاليسار العربي كما أسلفت يخوض نضالا على الأرض لمواجهة القوى الإمبريالية والرجعية.
لكن ليس بذلك الزخم المطلوب
ما يجب أن أشير إليه أن ما يتم خلال هذه اللقاءات هو محاولة إيجاد شكل من أشكال النضال والخطوات المشتركة، مثلا على المؤسسات الإعلامية المشتركة العمل على مواجهة هذا الكم الهائل من الإعلام المضاد، والقيام بخطوات مشتركة على الأرض كما هو الأمر مثلا بالنسبة لسوريا والعراق اللذين يخوضان حربا متشابهة ضد عدو مشترك كداعش وضد الفساد، فهناك تنسيق كامل وشامل في المعركة وبشكل يومي بين اليسار السوري والعراقي، سواء على المستوى الإعلامي، وتبادل المعلومات، أو على مستوى إحداث اختراقات في التحالفات الموجودة على أرض المعركة، وهناك تعدد في الجبهات في الصراع ونخوض معركة سوية كأننا حزب واحد، أقصد تيار اليسار الوطني العراقي وحزب الإرادة الشعبية.
وحتى عبر تواجدنا في اللقاء اليساري العربي كانت هناك خطوات مهمة كثيرة، مثلا تم بحث إيجاد فرص لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين تونس وسوريا، وهذه الخطوة كان يشترك فيها طرف يساري تونسي، وطرف يساري سوري المعني بالأمر، واليسار العراقي أيضا، فلدينا عمل مشترك ميداني على كل الجبهات، وهذا الأمر ينطبق على اليسار اللبناني والسوري اللذين يتواجدان في منطقة واحدة، كما أن هناك عملا مشتركا بين اليسار الفلسطيني والتونسي .
فما نقوم به داخل اجتماعات اللقاء اليساري العربي هو تقييم لما جرى طيلة سنة، والوقوف على ما تم تحقيقه من نجاحات في المعركة الميدانية على الأرض، وكيفية العمل من أجل تطوير بعض جوانب العمل المشترك الأخرى، وبالتالي فالحوار سيبقى مفتوحا وهو يشمل الجانب الإيديولوجي والرؤى والتصورات المتعددة، وهذه ظاهرة صحية، وستبقى مستمرة. فنحن ليست لدينا أوهام أن هذه اللقاءات ستؤدي إلى نوع من التطابق في الرؤى، وأننا أصبحنا حزب واحد فليس هذا هو المطلوب.
المصدر: بيان اليوم