رأسماليوهم يهوّدون القدس... ورأسماليونا مقصرون في دعمها !؟
مرة ثالثة أتناول القدس على صفحات العزيزة «القدس العربي» خلال شهور قليلة فقط، لما تعنيه «مدينة الله» لوطننا الفلسطيني وشعبنا وأمتنا العربية من المحيط إلى الخليج، من أهمية، فهي أحد رموز الصراع الاساسية (التي تشملها فلسطين) مع العدو الصهيوني.
في مرة سابقة، كتبت وقارنت بين دعمين: صهيوني لأورشليم.. وعربي للقدس. بيّنت الفرق الهائل بين اتساع دعمهم لمن يدعونها "عاصمة دولتهم ومستقر هياكلهم" المزعومة، وبين تقصيرات أمتنا في دعمها: لأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، مع أننا والأمة الإسلامية دائمو التغني بالقدس! إنه تغني الخواء الأجوف، الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، سوى المحاولة لسد تعويض شعور تقصير صاحبه، والذي لا يغير من واقع الأمر شيئا .في هذه المقالة سأفارق بين الرأسمالة اليهودية ودعمها للكيان وتهويد القدس والمسجد الأقصى، وبين الرأسمالية الفلسطينية والعربية، وتقصيرات دعمها لفلسطين ولصمود أهالي القدس في وجه ما يستهدفها من مخططات تهويدية، تآمرية، بشعة، ولكن، من دون ذكر أسماء.
لقد هُدمت أحياء في البلدة القديمة: حي المغاربة هدم وتحول ساحة للمبكى، كما جرى هدم حارة الشرف(وتحولت إلى حي استيطاني) إضافة إلى مصادرة عقارات كثيرة داخل البلدة. لقد بدأت إسرائيل بانتزاع حجارة من أسوار القدس القديمة واستبدالها بحجارة نقشوا عليها رموزا دينية يهودية لإثبات الحق التاريخي لليهود في فلسطين، وبدؤو في دفن قبور وهمية في الأرض، واستخراجاها، لإثبات وجود آثار لهم في القدس. الاقتحامات الإسرائيلية الحالية التي تتم للأقصى هي عملياً اختبارات لردود الفعل العربية والإسلامية، وإذا بقيت ردود الفعل باردة كما هي عليه الآن فسيجري إقامة ما يسمونه "بالهيكل الثالث" بعد هدم المسجد الأقصى (بفعل الأنفاق التي حفروها تحته). هذا وقد أقرت الحكومة الإسرائيلية مؤخرا بناء 1200 وحدة استيطانية جديدة في القدس .
إلى جانب الميزانية الكبيرة التي خصصتها إسرائيل لتهويد المدينة المقدسة والاستيطان فيها ومحيطها سنويا( من قلنديا شمالا إلى صور باهر جنوبا، ومن معاليه أدوميم شرقا، الجزء الغربي متصل بما يسمى القدس الغربية التي استولى عليها الكيان عام 1948 ) والبالغة 600 مليون دولار، وإضافة إلى ما تقدمه كل من: الوكالة اليهودية، المنظمات الصهيونية المختلفة، الكيرين كايمت وغيرها وغيرها من الهيئات غير الحكومية، هناك الدعم الصهيوني من الرأسمال الصهيو- مسيحي، والرأسمال اليهودي الذي يقدر بمئات الملايين من الدولارات سنوياً، فعلى سبيل المثال لا الحصر: فإن الملياردير الأمريكي اليهودي الصهيوني رون لاودر تبرع لمشاريع تهويد القدس على مدار السنوات الأخيرة: مليار ونصف المليار دولار، الملياردير اليهودي أهرون بيزوفيتش تبرع بمليار دولار، الملياردير ايرفنج موسكوفيتش تبرع ب 5 مليار دولار، فهو يمول لوحده أحياء استيطانية بكاملها، إضافة إلى الاستيلاء على عقارات جديدة للمقدسيين بطرق التفافية خداعية. مؤخراً قام بتمويل الاستيلاء على 70 عقاراً في البلدة القديمة من القدس و 4 عقاراً في سلوان وغيرها. في إسرائيل جمعيات استيطانية كثيرة تعمل على تمويل المتسوطنات وتتلقى الدعم الخارجي، وأشهرها "عطيرات كهانيم" و"شوفوبنيم" و"ألعاد" وغيرها. المشروع الأهم الذي مولهُ موسكوفيتش قبل عدة أعوام هو: بناء حي استيطاني في رأس العمود أطلق عليه اسم "معالييه هزيتيم" وهو لا يبعد سوى 150 متراً هوائياً عن المسجد الأقصى، ويشتمل على 132 وحدة استيطانية، إضافة إلى إعلانه تمويل بناء حي استيطاني في ذات المكان سوف يحمل اسم "معاليه ديفيد" ويشتمل على بناء 104 وحدات استيطانية سترتبط بمعالييه هزيتيم بجسر، ما سيرفع عدد المستوطنيين في القدس 200 عائلة إضافية(منيب أبو سعادة: منظمات أمريكية - صهيونية تمول الاستيطان مركز القدس 2009/9/12).
كذلك، فإن موسكوفيتش والمليونير اليهودي رينيرت شاركا سوية في تمويل وشق نفق البراق أسفل المسجد الأقصى (تصوروا المهمات السنوية للمليونيرات اليهود!).يرى غرشون غورينبرغ مؤلف كتاب :"الإمبراطورية العرضية: إسرائيل وولادة المستوطنات" : أن "المالكين أمثال موسكوفيتش يريدون منع أية تسوية قد تؤدي إلى سلام في المنطقة " . للعلم، قامت جمعية "عيتريت" الصهيونية بشراء مبنى البريد القديم ( لأنه مبنى حكومي أردني قبل احتلال عام 1967)، وكانت قد استولت عليه آنذاك شركة "بيزك" البريدية الإسرائيلية. المبنى كتبت عليه يافطة للبيع ،واستمر تعليقها فترة بلغت سبعة شهور، ولم يجر شراؤه لا من الفلسطينيين أو العرب. المبنى يقع مقابل باب الزاهرة وفي أول الشارع التجاري المهم (شارع صلاح الدين، ويذلك يتحكم في مدخله). الجمعية حولته إلى مدرسة دينية. من قبل كانت قد امتلكت المكان المسمى (بحديقة الروس) بمساحة 4 دونمات وأقامت عليه مبنى سكنيا للمستوطنين، الآن تقوم بحفر نفق تحت الأرض يوصل ما بين المبنى الإستيطاني والبريد .
الجانب الثاني من الصورة يتمثل في التقصير الفلسطيني والعربي والإسلامي والمسيحي إلى حد كبير تجاه تهويد القدس، والمحافظة على عروبتها، للأسف هذا ما يحصل وحول ذلك نقول: إن مستشفى المقاصد الإسلامية(على سبيل المثال لا الحصر)في القدس الشرقية بحاجة إلى مبلغ 10 ملايين دولار ونتيجة لعجزه، فهو مهدد بالإغلاق وهو أشهر مستشفى في الضفة الغربية. من المؤسسات التي في أمس الحاجة إلى الدعم: جامعة القدس، مدارس دار الايتام الإسلامية، مركز مكافحة الإدمان والمخدرات ( فالعدو الصهيوني يغرق القدس بالمخدرات لإفساد شبابها ) وغيرها وغيرها من المؤسسات .
التقصير العربي يتمثل في عدم الوفاء من قبل الدول العربية بالمبالغ التي تقررها لدعم القدس، ففي عام 2010 تقرر دعم القدس بمبلغ 500 مليون دولار سنوياً، وفي عام 2013 تقرر إنشاء صندوق لدعم المدينة بمبلغ مليار ونصف المليار دولار سنوياً، مجموع ما تم تقديمه من مبالغ 35 مليون دولار(أي ما نسبته 2.3% من المبلغ المقرر!). للأسف، لم نسمع عن مليونير أو ملياردير فلسطيني أو عربي (وما أكثرهم !)قام بدعم مشاريع عربية في القدس!. قد يتذرعون بان الأموال سيجري تبذيرها ! هذه شماعة لتعليق التقصير عليها، فتصرفات البعض السيء لا تلغي ثورة عموم الشعب ونضاله المستمر منذ قرن زمني، وبإمكان هؤلاء التبرع مباشرة للمؤسسات دون وسطاء، وليس لأفراد وإنما لمجموع المسؤولين عن هذه المؤسسات. إذا كان أحد يمتلك معلومات معاكسة لما أقول، فليتفضل بالتعليق على مقالتي هذه، بعد نشرها، وليورد حقائقه، وسأعتذر حينها عما كتبت حول هذه القضية! .
على الصعيد الإسلامي: في أعقاب حريق المسجد الأقصى عام 1967، قررت قمة المؤتمر الإسلامي التي عقدت في المغرب إنشاء صندوق إسلامي لدعم القدس. الغريب أنه لم يعقد أي اجتماع لهذا الصندوق منذ أكثر من خمسة عشرة عاماً، وبالتالي لم يقدم الصندوق أي دعم مالي للقدس.
معروف ان العدو الصهيوني يقوم بفرض ضرائب باهظه على سكانها العرب (على البيوت والمحلات التجارية )، ويقوم بنزع هوياتهم، وإعطائهم بطاقات إقامة لمدة عشر سنوات (بدلا من الإقامة الدائمة)، ويقوم بإبعاد العديدين منهم، والتضييق عليهم وصولا إلى خنقهم، ويشتري البيوت في المدينة القديمة بكل الوسائل القذرة، وبيع "حق الإيجار" من قبل (المستأجر)، لذا أصبح من الطبيعي رؤية الأعلام الصهيونية ترفرف على مبان كثيرة في المدينة القديمة من القدس .
في الوقت الذي يستحيل فيه تجييش الجيوش لتحريرها من المحتل الصهيوني، فلا أقل من دعمها ماليا ودعم صمود أهلها ... وذلك أضعف الإيمان !... وليكن الشعار: ساهموا في منع تهويد الأقصى والقدس... ادعموا عروبتها وصمود أهلها .