القرن الواحد والعشرون ليس أمريكياً.. «الأزمة بعيون عضو اللجنة السرية الأمريكية»
هناك غرضان رئيسيان للدعاية الغربية حول الأحداث في أوكرانيا. أولهما هو التستر، أو تحويل الأنظار عن دور واشنطن في إسقاط الحكومة المنتخبة في أوكرانيا، والآخر هو تشويه صورة روسيا.
ترجمة: جيهان الذياب
الحقيقة معروفة، ولكن الحقيقة ليست هدف التلفزيون والمطبوعات ووسائل الإعلام الغربية. تكشف المناقشة التي جرت بين اثنين من مدبري الانقلاب، في المكالمة الهاتفية التي تم التنصت عليها بين مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية، فيكتوريا نولاند، وسفير الولايات المتحدة في أوكرانيا، جيفري بيات، مسألة أي من عملاء واشنطن سيكون رجل واشنطن في الحكومة العميلة الجديدة. وجاءت المكالمة الهاتفية الأخرى التي تم كشفها بين وزير الخارجية الأستوني، أورماس بايت، ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاثرين أشتون، لتثبت الشكوك حول قيام الجانب المدعوم من قبل واشنطن في الصراع الأوكراني باستخدام نيران القناصة لقتل الناس على كلا الجانبين من احتجاجات كييف، وقد أكدت تقارير مستقلة ذلك في وقت لاحق.
باختصار، عندما دبرت واشنطن «الثورة البرتقالية» في عام 2004، وفشلت الثورة في وضع أوكرانيا في أيدي الغرب، قدمت واشنطن، وفقاً لفيكتوريا نولاند، خمسة مليارات دولاراً لأوكرانيا على مدى السنوات العشر التالية. ذهب المال للسياسيين، الذين رعتهم واشنطن، وللمنظمات غير الحكومية التي تعمل تحت أسماء «منظمات تعليمية ومؤيدة للديمقراطية وجماعات حقوق الإنسان»، ولكن هم في الواقع طابور واشنطن الخامس.
عندما رفض الرئيس يانوكوفيتش، بعد النظر في التكاليف والفوائد، دعوةً لانضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي. أرسلت واشنطن منظماتها «غير الحكومية» التي تتلقى تمويلاً جيداً للعمل. اندلعت الاحتجاجات في كييف مطالبة يانوكوفيتش بتغيير قراره والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وكانت هذه الاحتجاجات سلمية، ولكن سرعان ما ظهر القوميون المتطرفون والنازيون الجدد، وأدخلوا العنف إلى هذه الاحتجاجات. تحولت مطالب المحتجين من «الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي» إلى «إسقاط يانوكوفيتش وحكومته».
أعقب ذلك حالة من الفوضى السياسية. ونصبت واشنطن حكومة عميلة، اعتبرتها واشنطن كقوة «ديمقراطية ضد الفساد». ومع ذلك، فإن القوميين المتطرفين والنازيين الجدد، مثل جماعة «القطاع الأيمن» (جماعة مرتزقة متطرفة نشأت بعد الانقلاب في أوكرانيا في تشرين الثاني 2013)، بدؤوا بتخويف أعضاء الحكومة الموالية لواشنطن. وربما رداً على ذلك، بدأ عملاء واشنطن في إصدار تهديدات ضد السكان الناطقين بالروسية في أوكرانيا.
كان القادة السوفييت قد أضافوا مناطق من جنوب وشرق أوكرانيا، وهي أراضٍ روسية سابقة، إلى أوكرانيا. وأضاف لينين مناطق روسية إلى أوكرانيا في السنوات الأولى من عمر الاتحاد السوفييتي، كما أضاف خروشوف شبه جزيرة القرم في عام 1954.
اندلعت احتجاجات من قبل الناس في هذه المناطق الروسية، بسبب انزعاجهم من تدمير النصب التذكارية للحرب السوفيتية في ذكرى تحرير أوكرانيا من هتلر على يد الجيش الأحمر، وحظر الروسية كلغة رسمية، والاعتداءات الجسدية على الأشخاص الناطقين باللغة الروسية في أوكرانيا. وجرى تصويت في القرم للمطالبة باستقلالها والانضمام لروسيا، تبعها في ذلك مناطق دونيتسك ولوغانسك.
النازيون الجدد:
محرِّرون بنظر أمريكا
تنكر واشنطن ودمى الاتحاد الأوروبي التابعة لها، ووسائل الإعلام الغربية، أن الأصوات في شبه جزيرة القرم ودونيتسك ولوغانسك هي أصوات صادقة وعفوية. وبدلاً من ذلك، تزعم واشنطن أن الاحتجاجات التي أدت إلى التصويت والأصوات نفسها كانت مدبرة من قبل الحكومة الروسية مع استخدام الرشاوى والتهديدات والإكراه. وقيل إن شبه جزيرة القرم هي تعبير عن حالة غزو، لضمها للاتحاد الروسي.
هذه أكاذيب سافرة، والمراقبون الأجانب للانتخابات يعرفون ذلك، ولكن ليس لديهم صوت في وسائل الإعلام الغربية، والتي تعمل كوزارة للدعاية لواشنطن. حتى بي بي سي، المعتدة بنفسها، تنشر الأكاذيب لمصلحة واشنطن. وقد نجحت واشنطن في السيطرة على تفسير «الأزمة الأوكرانية». ووصفت الشعوب الموحدة في شبه جزيرة القرم ودونيتسك ولوغانسك بـ«الإرهابيين».
في المقابل، تم رفع حزب النازيين الجدد الأوكراني إلى عضوية «التحالف الديمقراطي». والشيء المثير أكثر للدهشة، هو وصف النازيين الجدد في وسائل الإعلام الغربية بأنهم «محررو» مناطق الاحتجاج من «الإرهابيين». على الأرجح، إن ميليشيات النازيين الجدد أصبحت ألعوبة واشنطن في الجيش الحكومي ، لأن الكثير من وحدات الجيش الأوكراني غير مستعدة لإطلاق النار على المتظاهرين المسالمين.
والسؤال المطروح أمامنا هو كيف سيلعب زعيم روسيا، الرئيس بوتين، هذه اللعبة. حيث تستخدم وسائل الإعلام الغربية تردده أو امتناعه عن قبول انضمام دونيتسك ولوغانسك، مرة أخرى، إلى روسيا لجعله يبدو ضعيفاً وخائفاً. وهذا ما ستستخدمه «المنظمات غير الحكومية» الممولة من قبل واشنطن والقوميون الروس داخل روسيا ضد بوتين.
يفهم بوتين هذا، ولكنه يدرك أيضاً أن واشنطن تريد تأكيداً لتشويه صورته. إذا قبل بوتين طلبات كلاً من دونيتسك ولوغانسك في العودة إلى روسيا، ستكرر واشنطن ادعاءها بأن روسيا غزت الولايتين وضمتهما إليها. على الأرجح، بوتين ليس ضعيفاً ولا يشعر بالرهبة. ولكن، ولأسباب وجيهة، لا يريد بوتين أن يعطي واشنطن المزيد من الدعاية لتوظفها في أوروبا.
لدى صحافة واشنطن عقبة في ألمانيا في معالجتها لموضوع فرض العقوبات على روسيا. فالمستشارة الألمانية، ميركل، تنفذ أوامر واشنطن، ولكن وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير والصناعة الألمانية لا يريدون هذه العقوبات. بالإضافة إلى اعتماد ألمانيا على الغاز الطبيعي من روسيا، وممارسة الآلاف من الشركات الألمانية أعمالاً تجارية في روسيا، وتوظيف مئات الآلاف من الألمان بناءً على العلاقات الاقتصادية مع روسيا. وقد انتقد المستشاران الألمانيان السابقان، هيلموت شميدت وغيرهارد شرودر، ميركل بسبب تبعيتها لواشنطن. وظهرت ميركل بموقف ضعيف، لأنها وضعت نفسها، بغباء، في موقف المضحية بمصالح ألمانيا خدمةً لمصالح واشنطن.
وربما يرى بوتين، الذي أثبت أنه ليس السياسي الغربي الغبي النموذجي، فرصة حقيقية في الصراع بين ضغط واشنطن على مصالح ألمانيا وألمانيا لبث الفرقة بين حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. وإذا قررت ألمانيا، أن مصالح ألمانيا تكمن في علاقاتها الاقتصادية مع روسيا، وليس في كونها دولة دمية في يد واشنطن، هل ستقوم واشنطن بإسقاط حكومة ألمانيا وتثبيت دمية يمكن الاعتماد عليها أكثر؟
المواجهة الاقتصادية أو العسكرية مع روسيا، هي آخر شيء تريده ألمانيا. وقال نائب مستشار ألمانيا، زيغمار غابرييل، إن ميركل «لم تتصرف بذكاء عندما خلقت انطباعاً بأن على أوكرانيا أن تقرر بين روسيا والاتحاد الأوروبي».
ينتمي القرن الواحد والعشرون إلى الشرق، إلى الصين والهند. وتتربع روسيا على عرش هذه البلدان الأكثر اكتظاظاً بالسكان بين دول العالم.
المصدر: strategic-culture.org
*حول الكاتب: كان السيد بول كريغ روبرتس مساعد وزير الخزانة الأمريكي للسياسة الاقتصادية في إدارة ريغان. عينته الرئاسة الأمريكية كعضو في اللجنة السرية، ليلعب دوراً في تفاوض ريغان/غورباتشوف في نهاية الحرب الباردة. في عامي 1989 و 1990، وجه روبرتس خطابات لأكاديمية العلوم السوفيتية في موسكو حول موضوع الحرية. وانتشر كتابه: «الاغتراب والاقتصاد السوفياتي 1971 و1990»، على نطاق واسع كشرح للأساس الإيديولوجي للتجربة السوفييتية وأسباب تراجعها. وقد عمل روبرتس كمحرر في صحيفة «وول ستريت جورنال» ولديه العديد من الوظائف في الجامعة، بما في ذلك منصب وليام سايمون في الاقتصاد السياسي، في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وجامعة «جورج تاون» حيث كان زملاؤه هنري كيسنجر وزبيغنيو بريجنسكي، وجيمس شليزنجر.
معلومات إضافية
- ترجمة:
- شيرين الذياب