ربّ ضارة تنفع لإنشاء «منطقة عازلة» مع غزة
اتت المذبحة التي شهدتها الشيخ زويد سبباً ملائماً للسعي إلى تنفيذ عملية إخلاء في منطقة الشريط الحدودي الفاصل بين مصر وغزة من بيوتها وسكانها، بعدما كانت مجرد «عرض إغرائي».
قبل العمليات الأخيرة التي أودت بثلاثين جندياً مصرياً، كان هناك حديث في الخفاء وصل إلى «الأخبار» تفاصيل بشأنه، وهو عروض وإغراءات للقاطنين من أهالي شمال سيناء على الحدود مع رفح الفلسطينية من أجل إخلاء بيوتهم تمهيداً لإقامة منطقة عازلة، وآنذاك لم يمكن التعاطي مع تلك الأنباء رسمياً لأنه لم تجر الاستجابة مع العروض.
ويبدو بعد القرارات الكبيرة التي حملتها النبرة العالية للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أن الأيام المقبلة سوف تشهد إقامة منطقة عازلة على الشريط الحدودي الفاصل بين الأراضي المصرية وغزة إن بالإجبار أو الترغيب. وذكرت مصادر أمنية أن هذا الشريط قد يصل عمقه من 500 متر إلى 1500، والهدف منه كشف الاتجاه الاستراتيجي، الشمالي الشرقي، أمام القوات المسؤولة عن تأمين الحدود لإحباط أي محاولة للتسلل.
وأوضحت المصادر نفسها أن الهيئة الهندسية للقوات المسلحة سوف تبدأ بتنفيذ تكليفات السيسي بإقامة المنطقة العازلة على طول 14 كلم (مسافة الحدود بين مصر وغزة)، مشددة على «اتخاذ إجراءات صارمة فى التعامل على الأرض مع أي اعتداءات هدفها منع إخلاء المنطقة الحدودية».
وفي سبيل إقناع السكان بالإخلاء، أفاد سكرتير رئيس مدينة رفح المصرية ورئيس لجنة تلقي طلبات الإخلاء، عبد الحميد الحبشي، بأن اللجنة الخاصة بتلقي طلبات تعويض أصحاب المساكن المقرر إخلاؤها «لا تزال تتواصل مع القاطنين لتعويضهم مالياً أو تسليمهم أراضي بديلة».
وذكر الحبشي لـ«الأخبار» أن اللجنة التي بدأت أعمالها، صباح أمس، تلقت نحو 200 طلب من إجمالي 680 منزلاً تقع في نطاق 1500م على الحدود مع غزة، وطلبت السلطات الأمنية إخلاءها نظراً إلى «تعرض قاطنيها لمخاطر لأنها في نطاق تحركات أمنية وعمليات هدم أنفاق».
كذلك، قال محافظ رفح، اللواء محمد السعدني، إن محافظ شمال سيناء، عبد الفتاح حرحور، كوّن لجنة هندسية لتحديد خيارات التعويض. لكنه أشار، في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أنه لم يحدد نطاقاً زمنياً لانتهاء موعد تلقي الطلبات، «فيما تتواصل حالة الانعقاد والتواصل مع الجهات التنفيذية والأمنية».
أما المواطنون، فيرون أن إخلاء بيوتهم «قرار ظالم بحق كل الذين يعيشون في سيناء، وليس الشريط الحدودي فقط»، وينفون صحة تجاوبهم مع القرار.
وفي السياق، قالت الناشطة السيناوية، منى برهوم، وهي مقيمة على بعد 700م من الشريط الحدودي، إن قرارات كثيرة سبقت القرار الأخير منذ عام 1979، «لكن أهل سيناء البسطاء يقفون ضد هذه القرارات بقوة». وأشارت برهوم إلى أن هذا القرار صدر بعد وقوع مذبحة حاجز كرم القواديس في الشيخ زويد، «لكن التأصيل له جرى مع الشائعات التي ترددت في الآونة الأخيرة عن أنه سيجري توطين الفلسطينيين في منطقة شرق العريش التي تشمل رفح والشيخ زويد والطويل والسكاسكة»، مضيفةً إن «الضجيج والصراخ في وسائل الإعلام هوَّل حجم القرار».
وغزت شائعات كثيرة سيناء خلال اليومين الماضيين، خلاصتها أن الدولة تستغل الموقف لتطبيق خطط سبق أن أعدت لها، كما أنكر أهالي سيناء حديث مجلس مدينة رفح عن تلقيهم 200 طلب من المواطنين لإخلاء منازلهم، نافين وجود «عمليات توطين للفلسطينيين، لأن العائلات الفلسطينية شمال سيناء مقيمة منذ عام 1948 بعدما هجرت من أراضيها».
جزء كبير من المشكلة يشرحه أحد سكان رفح، ويدعى محمود برهوم، قائلاً إنه منذ عام 1979 لم تصدر قرارات تمليك الأراضي لأهل سيناء وخصوصاً سكان المنطقة الحدودية في رفح. ولفت إلى قرار أصدره السيسي، عندما كان وزيراً للدفاع، وحظر فيه التمليك في عمق 5 كلم غرباً من دون تحديد الطول، «وشمل مدينة رفح بمساحة 633 كلم مربعاً، أي ما يتضمن 11 قرية بعقاراتها وأراضيها الزراعية، وكل قرية من هذه القرى تضم 300 أسرة».
وقال برهوم إنه كان عام 2009 عضواً في المجلس المحلي لرفح، ومن الأساس لا توجد خرائط لمدينتي رفح والشيخ زويد، كما قدمنا أكثر من طلب لحل المشكلة وتصميم خريطة للمناطق المذكورة باستثناء الشريط الحدودي، "وكل تلك الطلبات رفضت دون إبداء السبب".
ويرى آخرون أن قرار الإخلاء ظلم فوق ظلم آخر كانوا يعيشونه، إذ إن المادة الثالثة من القرار203 لسنة 2012 تمنع تملك الأرض والمباني في تلك المناطق، وهذا القرار اعتبره السيناويون رفضاً من الدولة بالاعتراف بهم منذ ذلك الوقت.
ووفق قولهم، فإن من بين المشكلات التي يعانون منها صعوبة الحصول على تراخيص للمباني في المناطق القريبة من الحدود منذ سنوات، كما صار مصير من يهدم منزله بسبب الأنفاق أنه لا يستطيع إعادة بنائه مجدداً.
جراء ذلك كله، يصبح الاتهام موجهاً إلى السلطات بأنها تسعى إلى تفريغ المنطقة، وهو ما يريح إسرائيل قبل كل شيء، لأن ذلك لن ينهي «الإرهاب» الذي «يعشش» داخل سيناء نفسها، وعلى الدولة محاربته دون محاربة الناس. هذا ما يقوله أحد الناشطين ويدعى مصطفى الأطرش، الذي يؤكد أن تدمير قرابة 680 منزلاً «قرار لخدمة إسرائيل والحفاظ على أمنها القومي»، لافتاً إلى استيائهم من «تفرقة عنصرية في كل شيء بين أبناء سيناء وباقي أبناء الجمهورية».
المصدر: الأخبار