افتتاحية قاسيون 1024: رهان الوطنيين السوريين
لم تكشف قمة 16 حزيران الروسية- الأمريكية حتى الآن عن النتائج التفصيلية بما يخص سورية، إلا عبر حديث عن بحثٍ مشترك لإيجاد مخرج في القضايا الإنسانية، إضافة إلى توضّح أن هنالك عملاً مشتركاً حول آلية تنفيذ القرار 2254. رغم ذلك، فإنّ الحركة النشيطة التي تجري هذه الأيام، وستجري خلال الأسابيع القليلة القادمة بما يخص سورية، تشير بوضوح إلى أنّ القمة نفسها هي من قدحت زناد هذا النشاط.
بين الأحداث التي شهدتها وتشهدها هذه الفترة، هنالك اجتماع المجموعة المصغرة الغربية الذي سيجري يوم الإثنين 28 من الجاري، وسيجري موسّعاً هذه المرة؛ بإضافة أعضاء من مجموعة السبع وتركيا وقطر الذين يحضرون معاً مؤتمر التحالف ضد داعش. وهنالك أيضاً اجتماع أستانا الذي سيجري في العاصمة الكازخستانية (نور سلطان) في الفترة من 6-8 من الشهر القادم... إضافة إلى جملة من اللقاءات والتحركات والتصريحات التي توحي بأنّ هنالك ما يشبه سباقاً أو تنافساً بما يتعلق بتطبيق القرار 2254، بالتوازي مع عملية الحوار الثنائي الجارية.
إنّ القمة الروسية الأمريكية نفسها، لم تأت إلا في سياقٍ محددٍ -من وجهة النظر الأمريكية- هو محاولة واشنطن إدارة عملية تراجعها بالمعنى الدولي، ومحاولة تأخير أو إيقاف ذلك التراجع إنْ أمكنْ، وذلك ضمن ثلاثة محاور أساسية:
أولاً: محاولة الوصول إلى صفقات تؤمّن لها أقل الخسائر ضمن عمليات الانسحاب التي تقوم بها، والتي ستقوم بها خلال الفترة القادمة، وخاصة من منطقتنا. والأفضل –من وجهة النظر الأمريكية- أن يكون في كلٍ من تلك الصفقات «مسمار جحا» يمكّن الأمريكي من العودة لاحقاً، حين يصبح قادراً على ذلك (ضمن افتراضه أنه سيتغلب في وقت ما على أزمته وتراجعه العام).
ثانياً: عمليات الانسحاب غرضها هو تركيز القوى صوب الصين التي تمثّل «الخطر الأكبر».
ثالثاً: في سياق عمليات الانسحاب - الاضطرارية بالمعنى التاريخي- تحاول واشنطن عقد صفقات مع الروس خاصة، ضمن أملٍ عبثي هو أن تضعف التحالف الروسي- الصيني أو على الأقل أن تحيّد الروس في صراعها مع بكين، بل ويصل الحلم الهذياني ببعض المحللين الأمريكيين إلى الحديث عن الوصول بالدول الثلاث إلى حالة تقف فيها على مسافات متساوية من بعضها البعض...
ينطبق المنطق العام السابق على التعامل الأمريكي مع الملف السوري أيضاً، ومع تطبيق القرار 2254؛ حيث تحاول واشنطن نسف جوهر القرار المتمثل بإنفاذ حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه، عبر الوصول إلى صفقةٍ تتضمن مسمار جحا أو أكثر، لعلمها أنّ الحل في سورية بات ضرورة سواء بالمعنى الداخلي، أو الإقليمي، أو حتى الدولي (ضرورة بالنسبة للروس والأمريكان على حد سواء، وكلٌ لأسباب تختلف عن الآخر حد التناقض).
بهذا المعنى فإنّ احتمالات انفتاح الباب أمام تطبيق القرار 2254 في آجال قريبة، هي احتمالات قائمة. والرهان الأمريكي-الصهيوني، وبالتخادم -المباشر وغير المباشر- مع المتشددين وتجار الحرب من الأطراف السورية، هو أن يُطبّق 2254 بالطريقة الأمريكية، أي بطريقة تنسف جوهره عبر إفراز بنية مفخخة لسورية القادمة؛ بنية ضعيفة وفاسدة وتابعة اقتصادياً ومهيئة للتفتت اللاحق.
بالمقابل، فإنّ رهان الوطنيين السوريين على الشعب السوري بالدرجة الأولى، وعلى أنفسهم، وعلى تقاطع مصالح الشعب السوري مع مصالح القوى الصاعدة دولياً والتي تتكثف بضرورة استقرار سورية استقراراً حقيقياً... الرهان هو تطبيق 2254 بنصه وجوهره، وبطريقة يتم فيها نزع كلّ الألغام، أو تقليلها للحد الأدنى. وهذا الطريق هو الذي على الوطنيين من كل الجهات تجميع جهودهم لشقه والسير عبره حتى النهاية لمصلحة سورية والسوريين، ولن يكون هذا أول اختبارٍ يجتازه الشعب السوري بنجاح ضمن تاريخه الوطني...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1024