الافتتاحية العالم بين عامين..

في نهاية عام 2006، أكدت افتتاحية قاسيون في ذلك الحين أن العام القادم 2007 والذي كان على وشك الحلول، سيكون عام الانتقال من الدفاع إلى الهجوم المعاكس.. ونعتقد أن الأحداث التي جرت خلال هذا العام أكّدت صحة هذا الاستشراف من حيث المبدأ..

فالأزمة الاقتصادية ـ المالية للرأسمالية العالمية قد بلغت درجة غير مسبوقة تاريخياً، مؤكّدة من خلال سعر صرف الدولار وارتفاع أسعار النفط والذهب إلى مستويات كان البعض يعتبرها إلى حين خيالية، على أزمة بنيوية عميقة لا مخرج منها حسب التحليل الماركسي، وناسفة استنتاج البعض الذي يقول إن الرأسمالية قادرة على تجديد نفسها.. نعم، لقد برهنت أنه لا مخرج لديها إلا بالمزيد من الحرب، وبالمزيد من استغلال شعوب العالم ومستضعفيه الذين يهبّون اليوم لقطع الطريق عليها..

في 2007 تعثر الهجوم الأمريكي على العالم بحجة الحرب على الإرهاب والذي بدأ بعد 2001.

ـ فقد ازدادت صلابة المقاومات في منطقتنا من العراق إلى فلسطين مروراً بلبنان مانعةً الإمبريالية الأمريكية وحليفتها إسرائيل الصهيونية من التقدّم بوصة واحدة إلى الأمام، وهي اليوم تتخبط باحثة عن مخارج من مستنقعها الذي غاصت فيه والذي ينبئ ببداية فشل مشروعها الإمبراطوري في المنطقة.

ـ واستطاعت إيران وسورية حتى الآن عرقلة الهجوم الأمريكي عليهما، ووضعتا السياسة الأمريكية أمام خيارات صعبة جداً...

ـ ويتغير كماً ونوعاً الدور الروسي، وإلى حدّ ما الصيني في التأثير على الأحداث العالمية ولم تعد هناك نقطة اتفاق واحدة بينهما مع السياسة الأمريكية حول أي ملف دولي، بل ترتفع حدة المشاحنات منبئة بخطر المواجهة في موضوع الدرع الصاروخي في أوربا الشرقية.

ـ أما أمريكا اللاتينية فماتزال توجه الضربات المتلاحقة للإمبريالية الأمريكية وتبحث عن حلول خارج المنظومة الرأسمالية العالمية، بما اصطلح على تسميته «اشتراكية القرن الواحد والعشرين».

ولكنّ كل هذه المؤشرات لا تعني أن إجبار الإمبريالية الأمريكية وحلفائها المختلفين على التراجع هي عملية بسيطة، وستجري بشكل سلس ومستمر. لاشك أن المحصلة العامة هذا العام لم تكن لصالح قوى الأعداء، ولكن هذه المحصلة تكونت خلال جملة من المعارك جرى في بعضها تقدّم هام، وجرى في بعضها هجوم معاكس من العدو، ولكن نتيجة المحصلة العامة تبقى كما قلنا، أي ليست لصالح قوى العدو الأمريكي ـ الصهيوني..

وهذا يقودنا إلى استنتاج أهم، وهو أن العدو خلال إجباره على التراجع سيزداد شراسة، فالمعركة بالنسبة له في منطقتنا، ليست معركة استيلاء على المنطقة وامتلاك ثرواتها، بقدر ما هي معركة حياة أو موت بما يمثله من نظام اقتصادي ـ اجتماعي ـ سياسي في بلدانه الأساسية، وعلى المستوى الكوني.

لذلك فالأيام القادمة، رغم التغيرات الإيجابية في ميزان القوى العالمي، ستكون أصعب من التي سبقتها، ولكنها ستكون أكثر إنتاجية وعطاء في عملية تغيير ميزان القوى وإجبار العدو على وضعية الدفاع بحيث تصبح هذه العملية لا رجعة عنها..

ستكون أصعب لأن العدو المثخن بالجراح سيكون كالثور الهائج، وسيزداد شراسة، مع كل المخاطر التي تحملها هذه العملية..

فهم في إطار الحرب النفسية ـ الإعلامية بدؤوا يلوحون باحتمال القيام بضربات نووية ضد سورية وإيران، ويقومون بحساب الخسائر المحتملة لإسرائيل في حرب بهذا المستوى، التي يمكن أن تصل حسب تقديراتهم إلى 800 ألف قتيل..

إن شعوب المنطقة في حربها العادلة قادرة على أن تتحمل الكثير، بما فيه الملايين من الشهداء، ولكن ماذا سيكون مصير إسرائيل بحجم كهذا من الخسائر؟

لذلك فإن أية مغامرة جديدة تقوم بها الإمبريالية الأمريكية وإسرائيل الصهيونية ستحرقهما بنيرانها، وستغير المعطيات على الأرض في المنطقة والعالم بشكل جذري..

إن هذا الجو المشحون بالتوتر يستدعي من القوى المناهضة للمشروع الأمريكي في الداخل السوري، داخل النظام أو خارجه على حد سواء، كي تحمي ظهرها وتؤمن جبهتها الداخلية، أن تردع السياسات الاقتصادية الليبرالية التي ما هي إلا استمرار للمشروع الأمريكي العام نفسه، وهي استطاعت هذا العام أن تمنعها في معركة هامة وكبيرة، وهي معركة رفع الدعم عن المازوت، من أن تنفذ مآربها وألحقت بها الهزيمة، وهذا يؤكد أنه يمكن إجبار هذه القوى على الانتقال إلى حالة الدفاع التي تحاول تعزيزها بالمناورات المختلفة..

إن إحداث انعطاف نحو مصالح الجماهير الشعبية هو ضرورة قصوى للانتصار في المعركة الوطنية الكبرى التي تخوضها بلادنا، وهذا الانعطاف يتطلب ضرب مراكز الفساد الكبرى وإعادة توزيع الدخل الوطني لصالح أصحاب الأجور والدخل المحدود، ومن أجل تأمين موارد النمو الحقيقي الذي يزيد منعة البلاد وقدراتها على الصمود.

لقد كان 2007 عام بداية الانتقال من الدفاع إلى الهجوم على جميع الجبهات، وسيكون 2008 عام تثبيت هذه العملية وتعميقها واستمراريتها حتى النصر الأكيد.. وفي ذلك ضمانةٌ لكرامة الوطن والمواطن...