الولايات المتحدة الأميركية والإرهاب
جبران الجابر جبران الجابر

الولايات المتحدة الأميركية والإرهاب

لقد ترافق ذلك مع حملة سياسية وإعلامية تمركزت على خطر الإرهاب على شعوب المنطقة ودولها، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل جرى تكثيف لإظهار خطر الإرهاب على الولايات المتحدة والدول الأوربية. وهكذا فولادة التحالف ترافقت بضرورة حماية شعوب عديدة من خطر الإرهاب.

لقد قدمت جرائم «داعش» ما احتاجت إليه الولايات المتحدة لإعلان التحالف الذي من مهامه تأمين الأمن والاستقرار في المنطقة. ظلت «داعش» سنوات عديدة تصول وتجول في سورية والعراق وأصبحت تمتلك الجيوش لإقامة دولة «الخلافة» وقد استولت على مساحات واسعة من سورية والعراق وأمنت موارد مالية إضافية من ثروات النفط والحبوب وجندت الألاف من الشباب وظل الأكثر خطرا أنها سعرت الطائفية في مختلف الدول العربية. ورغم كل ذلك فلم تحرك الولايات المتحدة وحلفاؤها ساكناً ضد إرهاب «داعش» بل دعمتها بصورة مباشرة وغير مباشرة وتتكشف في أيامنا فضيحة تبادل الاتهامات المتعلقة بأشكال الدعم التي قدمتها دول التحالف لتنظيم داعش.
بات واضحاً هشاشة وسطحية الآراء التي تزعم أن سياسة أوباما أصابها الضعف، وبات واضحاً أن سياسة دعم الإرهاب وإقامة العلاقات مع المنظمات الإرهابية وتسهيل كل ما يقويها ويدعمها ليس مزاجاً سياسياً عابراً، إنه تعبير عن ضرورات تتطلبها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها القريبون ومازالت في الاذهان أنه في مرحلة سابقه تطورت فيها وما زال، العلاقات بين الولايات المتحدة والقاعدة ووصلت إلى تحالفات عسكرية وسياسية. واليوم أنضجت جرائم داعش مناخاً حفز الولايات المتحدة على إعلان حلفها الذي سعت إليه منذ عشرات السنوات وقدمته بوصفه ضرورة لإنقاذ الشعوب العربية وغيرها وتخليصها من مخاطر الإرهاب وجرائمه ضد سائر الشرائح الاجتماعية في هذا البلد أو ذاك.
جاء الإعلان عن التحالف وفي طياته الأهداف المباشرة وغير المباشرة للولايات المتحدة، إنه ركن أساسي في تنفيذ استراتيجية إقامة الشرق «الأوسط الجديد»، وهو يعيد إلى الواجهة الدور القيادي للولايات المتحدة على المستوى العالمي بعد أن زعزعت الأوضاع الدولية موضوعة القطب الواحد، كما أنه يشدد روابط الجيوش بالقيادة العسكرية الأميركية ويضعها تحت أمرتها، ويستخدم التحالف لأضعاف تأثير روسيا الاتحادية في المنطقة وعلى المستوى الدولي. وتشدد أليات التحالف من السيطرة على مقدرات المنطقة الاقتصادية التي يراد لها أن تشكل عوامل لإضعاف تأثيرات الأزمة الاقتصادية المستمرة.
جاءت واجهة إعلان التحالف حاملة أهدافاً تخص الداخل الأمريكي والأوربي ولم يكن أبرز قدرات «داعش» وخطرها الذي بات يهدد الشعب الأميركي والشعوب الأوربية، لم يكن بعيداً عن تأمين السبل التي تسهم في إضعاف الاحتجاجات الاجتماعية المتزايدة في ظروف استمرار الأزمة، كما أنها تخدم موضوعة ضرورة «التراص الاجتماعي» لمواجهة خطر الإرهاب ويجري يومياً الإعلان عن سيل من الأخبار التي تتحدث عن الخلايا والمنظمات والخطط الإرهابية التي تهدد هذه الدولة الأوربية أو تلك. إن ذلك التحالف يخدم جهود الإدارات الإمبريالية التي تسعى أن لا تتكرر الاحتجاجات الطلابية والعمالية التي اجتاحت أمريكا والدول الأوربية أثناء أزمة ستينات القرن الماضي. إن ما يجري يؤكد أن الدول الامبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة تحتاج باستمرار إلى سياسة في طياتها غض النظر عن جرائمه حتى يتكون المناخ الضروري لإخراج الصيغ العملية التي تخدم وتنفذ وتحقق مصالح الامبريالية الأميركية، وليس جديداً أن توظف الإدارة الأميركية نتائج السياسات الداخلية السيئة التي تمارس في العديد من الدول الاقليمية والدول العربية، خاصة وقد بات واضحاً أن الدول الاقليمية تعتمد تنشيط الطائفية لتأمين نفوذها ومصالح الطبقات الحاكمة فيها، كما لم تعد موضع رهان، الممارسات الطائفية المستشرية في المنطقة والتي اسهمت في إنضاج المناخ الضروري لتأييد التحالف تحت ستار محاربة «داعش» ولم تتوقف عند أهدافه البعيدة بحكم ظروف التهجير والنزوح والتكفير، ومحاولة إكراه الناس على المطالبة  بالتدخل الخارجي لإنقاذ عين العرب «كوباني» على حدود السورية التركية.
واهم من يظن ان قطيعة ستحصل بين الولايات المتحدة والمنظمات الارهابية، وأن سياسة التجاذب حينا أخر قد انتهى أمرها إلى غير رجعه، إن وضع الرأسمالية في مراكزها يظل العامل المؤثر والموجه للسياسات الاستعمارية المركبة، وهو يتطلب تنفيذ استراتيجيات الحروب المحلية والداخلية التي بدورها تدفع بشدة نحو تفجير التناقضات الداخلية بحلل تؤمن التفتيت الوطني وتشدد من مفاعيل العلاقات الاجتماعية المتخلفة ويبدو أن وجود المنظمات الإرهابية سيستمر تحت تأثير السياسات الداخلية المعادية لمصالح الجماهير الشعبية وحقوقها السياسية والاقتصادية والثقافية، ناهيك أن الفساد المستشري والواسع الانتشار هو في العوامل التي تسعر الطائفية نتيجة تداعيات ناجمة عن الفساد ومعاداة الحريات الديمقراطية وإهمال مصالح الشعب وإضعاف العلاقات السياسية الديمقراطية وتنحية الفكر السياسي والثقافي وجعل كل ظاهرة شأناً خاصاً بالفكر الأمني وتدابيره. والمهم قطع السبل كي لا يتحول التحالف إلى امتداد لحلف الأطلسي في المنطقة العربية، وسيظل ديالكتيك التجاذب والتنافر مشكلا لجوهر العلاقة بين الولايات المتحدة والإرهاب الذي لم يعد ممكناً انفكاكه عن الرأسمالية في أزمتها المستمرة.