د. قدري جميل لروسيا اليوم:  المهمة الكبرى أمام كل السوريين هي إيقاف نزيف الدم والوصول إلى المصالحة الوطنية  الحكومة الحالية ليست حكومة وحدة وطنية بالمعنى الذي نريده
روسيا اليوم روسيا اليوم

د. قدري جميل لروسيا اليوم: المهمة الكبرى أمام كل السوريين هي إيقاف نزيف الدم والوصول إلى المصالحة الوطنية الحكومة الحالية ليست حكومة وحدة وطنية بالمعنى الذي نريده

أجرت قناة روسيا اليوم لقاء مع د قدري جميل أمين حزب الإرادة الشعبية وعضو رئاسة الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير، تطرق فيه الى ظروف تشكيل الحكومة والمهام الملحة ورؤية الجبهة لذلك.. وفيما يلي اللقاء كاملاً:

• د. قدري؛ هل حققت تشكيلة الحكومة الجديدة تطلعات المعارضة السورية بشكل عام؟

إن وضع المعارضة السورية معقد، إذ ليس هنالك رأي موحد، وفيما يخصنا نحن في الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير فلدينا رأي محدد منذ البداية في موضوع حكومة الوحدة الوطنية، فطموحاتنا كبيرة وأهدافنا التي وضعناها في برنامج الجبهة ليست قليلة، لقد طرحنا بنهاية الشهر الحادي عشر من العام الماضي فكرة حكومة الوحدة الوطنية الشاملة التي تضم طرفي المعارضة والنظام، وفي الأحوال الاعتيادية تكون الحكومة حكومة أكثرية نيابية على أساس انتخابات ديمقراطية، ولكن في أوقات الأزمات يتداعى الطرفان؛ المعارضة والأكثرية، إلى تشكيل حكومة أزمة، وهذا المثال معروف في التاريخ وفي كل بلدان العالم، لذلك تقدمنا باقتراح حكومة وحدة وطنية، وهذه الحكومة تكون الأمثل حين تشارك فيها كل أطياف المعارضة الوطنية، ونحن طيف من الأطياف ولسنا كل الأطياف، فمع الأسف الشديد ما تزال الظروف غير ناضجة لمشاركة كل أطياف المعارضة الوطنية في حكومة وحدة وطنية كاملة، ولكن السؤال الذي توقفنا عنده: هل من الضروري انتظار توفر الظرف والأزمة تتطور وتتعقد؟ أم أننا ممكن أن نلجأ إلى خيار جديد هو أن نذهب إلى حكومة تشبه حكومة الوحدة الوطنية؟ إن الحكومة الحالية ليست حكومة وحدة وطنية بالمعنى الكلاسيكي الأمثل الذي نريده.. قررنا أن نذهب إلى حكومة بمن حضر وأن نترك الباب مفتوحاً لمن سيحضر لأن التجربة هي معيار الحقيقة، وإذا نجحت تجربة الذاهبين إلى الحكومة المشتركة فيمكن أن تتحول هذه التجربة إلى مقياس وحافز لقدوم باقي أطياف المعارضة إلى حكومة وحدة وطنية شاملة، أي إننا استعجلنا الأمر قليلاً لأن الأزمة تستعجلنا وخسائرها المادية والبشرية كبيرة، ويجب إيقاف نزيف الدم السوري وإيقاف الخراب والتدمير الذي يصيب البلاد، ومن هنا قلنا إنه لا بأس من الذهاب إلى حكومة وحدة وطنية غير كاملة لا تضم كل أطياف المعارضة الوطنية، على أساس أن يكون ذهابنا مقدمة لقدوم الأطراف الأخرى.

• كنتم من معارضي سياسة الحكومة السابقة، ولكم تحفظات عليها، ما الجديد الذي تحملونه إلى الحكومة الجديدة؟

نحن معارضون ليس لسياسات الحكومة السابقة بل لسياسات الحكومة الأسبق، فالحكومة الأسبق بفريقها الاقتصادي كرست السياسات الليبرالية ووسعت دائرة الفقر والبطالة في البلاد، وأسست للتوتر الاجتماعي في البلاد ولاحقاً للأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ عام ونصف تقريباً، والحكومة الأخيرة المستقيلة عملياً لم تأت بشيء جديد وإنما ذهبت بقوة العطالة في المسار نفسه الذي عملت به الحكومة السابقة. لقد كنا ضد السياسات السابقة منذ عام 2005 وطالبنا بالتوقف عنها في حينه، وحينما استشرت وبدأت تظهر أضرارها طالبنا بالقطع النهائي مع السياسات الاقتصادية والاجتماعية وإحداث انعطاف جذري في هذه السياسات. إن حزبنا والقوى التي نمثلها اليوم كانت في أوائل المتصدين لهذه السياسات، ومع الأسف الشديد أكدت الحياة صحة وجهة نظرنا في ذلك الحين، وأقول مع الأسف الشديد لأنه لم يكن ضرورياً نهائياً الخوض في هذه التجربة للتأكد من أن هذه السياسات ستفشل لأن بلداناً أخرى وشعوباً أخرى جربتها ولم يكن ضرورياً أن تخوض سورية في المسار نفسه، ولكن الذي جرى جرى، واليوم نعتقد أن تكليفنا في إطار هذه الحكومة بهذا الملف إنما يعني- حسب فهمنا لها- رسالة سياسية قوية إلى المجتمع السوري وإلى العالم بأجمعه بأن سورية ستغير الاتجاه العام لسياساتها الاقتصادية- الاجتماعية، وأصلاً الرأسمالية العالمية تعيش أزمة عظمى اليوم، وليس هنالك خيارات كثيرة من أجل التعامل مع المتطلبات الحقيقية للشعب السوري الذي يريد العيش بكرامة في حياته ولقمته وكلمته إلاّ التوجه نحو سياسات اجتماعية قوية، هذه السياسات الاجتماعية القوية تتطلب سياسات اقتصادية ذكية تؤمن دور الدولة الذكي الذي تظهر قوته وتشتق من ذكائه وليس من قوته البحتة كما كان يجري تاريخياً وكما فرضت ظروف تاريخية سابقة.

• لماذا لم يتم المساس بالحقائب السيادية في هذه الحكومة؟

أعتقد لأننا بمرحلة انتقال من نظام سياسي قديم مبني على أساس المادة الثامنة القديمة في الدستور القديم، إلى نظام سياسي جديد حسب المادة الثامنة الجديدة في الدستور الجديد، وقد أفرزت انتخابات مجلس الشعب أكثرية لحزب البعث العربي الاشتراكي ومن الطبيعي أن تبقى الحقائب السيادية في الحكومة لممثلي الأكثرية، ولكن الخطوة الهامة والتي يمكن أن تتحول إلى خطوة تاريخية هي مشاركة ممثلي المعارضة ضمن هذه الحكومة، علماً أن التحاقهم في هذه الحكومة لا يعني أنهم تخلوا عن كونهم معارضة، ولكنهم سيمارسون رؤيتهم وقناعاتهم عبر الحكومة نفسها لكونهم لديهم سياسات محددة من أجل الخلاص من الأزمة عبر برنامج المصالحة الوطنية ومن أجل الذهاب بشكل جدي نحو برنامج اقتصادي- اجتماعي جديد يؤسس لسورية الجديدة.

• أصبحت ظاهرة الفساد متفشية حسب اعترافات جميع الأطراف على الساحة السورية، أنتم في الحكومة الجديدة كيف ستتعاملون مع هذه الظاهرة ومحاربتها؟

تنتصب أمام سورية اليوم موضوعياً مهمة محاربة الفساد الكبير بالدرجة الأولى، فهناك متطلبات لدى الشعب السوري بموضوع لقمته وعيشه الكريم، والسياسات السابقة كانت تحمل شعاراً غير معلن هو «دع الأغنياء يغتنوا فهم قاطرة النمو»، وأعتقد أن شعارنا يجب أن يكون اليوم «دع الفقراء يعيشوا بشكل كريم فهم قاطرة النمو».. وإذا اعتمدنا على هذا المنطق يجب علينا أن نحارب الفقر وأن نحدد الحد الأدنى للأجور بشكل حقيقي، وأن نحارب البطالة وأن نحل مشكلة السكن والغاز والمازوت والنقل وعشرات المشاكل المشتقة من المشكلة الأساسية المتعلقة بمستوى معيشة المواطن والذي تدهور كثيراً خلال السنوات الماضية، وتسارع تدهوره خلال الأزمة مع الأسف الشديد. ولكي نحل هذه القضايا نحن بحاجة لموارد، وفي ظل الظرف الدولي المتعرض إلى أزمة دولية رأسمالية عظمى، وفي ظل الظرف الإقليمي حيث الدول التي كانت تضخ استثمارات إلى سورية أصبحت اليوم تضخ دعاية معادية وأسلحة وأموالاً من أجل إحداث عدم استقرار داخلي للوصول بسورية إلى حرب أهلية لا سمح الله، في ظل هذا كله لا يبقى أمام سورية مخرج سوى البحث عن موارد داخلية والمورد الداخلي الوحيد القادر على حل مشكلة النمو اللاحق ومشكلة الاستهلاك الشعبي الواسع هو الفساد الكبير، الذي يسبب- بحسب الاقتصاديين المختصين وفي أكثر تقديراتهم تواضعاً- فاقداً اقتصادياً بحدود 30% من الدخل الوطني أي من الناتج المحلي الإجمالي، ولذلك فإن ضرب الفساد الكبير الذي يستولي على 80% من حجم الفساد العام هو حسب اعتقادي مهمة سياسية واقتصادية واجتماعية كبرى في ظروف اليوم، وهذه القضية ليست سهلة فهي معقدة ومتشعبة وخطيرة أكاد أقول، لأن حلها لا يمكن أن يتم دون دعم قوى المجتمع النظيفة المتضررة والحية لهذه العملية، ما يتطلب أعلى مستوى ممكن من الحريات السياسية حسب ما قرره الدستور الجديد.

• في الحكومة الجديدة وزارة جديدة معنية بمسألة المصالحة الوطنية، حسب رؤيتك هل ستستطيع هذه الوزارة جمع جميع أبناء الوطن الواحد تحت سقف الوطن وتحقيق الهدف المنوط بها؟

أعتقد أنه شرف كبير لنا في الجبهة الشعبية أن يكلف د. علي حيدر عضو رئاسة الجبهة ورئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي بهذه الوزارة، وهذا تأكيد على  أن الجبهة قادرة على لعب دور هام في قضية المصالحة الوطنية، والمصالحة الوطنية بالنسبة لنا لها مفردات، فهي برنامج واضح المعالم متعدد الجوانب وله علاقة بالمعتقلين على خلفية الأحداث والذين لم تتلوث أيديهم بالدماء السورية، وله علاقة بتعويض المتضررين بشكل سريع ودون تعقيدات بيروقراطية، وله علاقة بقضية المهجرين وتسوية أوضاعهم بالسرعة المطلوبة، وبمحاسبة كل من تسبب بالأزمة وعقدها وكذلك بتأمين ظروف الحوار الوطني الشامل الذي لابد منه لإيقاف نزيف الدم السوري والوصول إلى سورية الجديدة بعد هذه الأزمة والمحنة التي إن استمرت يمكن أن تودي بسورية كلها، لذلك فإن المهمة الكبرى أمام كل السوريين هي إيقاف نزيف الدم والوصول إلى المصالحة الوطنية التي تتطلب حسب رأينا تنازلات على المواقف الأولى لجميع الأطراف، فكل الأطراف يجب أن تكون قادرة على الوصول إلى توافق، والتوافق يعني سماع الآخر والوصول إلى كلمة سواء معه.