«دولة» قطر.. الانطلاق مجدداً

«دولة» قطر.. الانطلاق مجدداً

تسلم الأمير «حمد بن خليفة آل ثاني» السلطة في قطر عام 1995 بعد «انقلاب أبيض» على والده، والإمارة التي يوجد فيها أكبر وأهم القواعد العسكرية الأمريكية ترتبط أصلاً بالسياسة الأمريكية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً تماماً كباقي دول الخليج،

لكن الدور الذي أعطي لدولة قطر في السنوات العشر الأخيرة جعلها حاملاً هاماً للسياسة الأمريكية في المنطقة، بدءاً من تونس ومصر حتى العراق وسورية وإيران وباكستان.

لنراجع التاريخ قليلاً، منذ عام 2006 سنة العدوان «الإسرائيلي» على لبنان برز دور دولة قطر إلى جانب المقاومة، وأخذت موقفاً متقدماً على باقي دول الخليج، وبدأت «الشقيقة الحبيبة» قطر بشق طريقها إلى قلب «محور المقاومة» وتحديداً سورية وحزب الله والفصائل الفلسطينية، لتخلق تناقضاً عظيماً بين واقع أنها الدولة الخليجية الوحيدة التي يوجد فيها سفارة «للكيان الصهيوني» وبين كونها الدولة الخليجية الوحيدة التي تقف إلى جانب سورية وحزب الله في حينه..!، ودخلت قطر بكل ثقلها الاقتصادي والثقافي والسياسي إلى سورية تحديداً، اسأل الشعب السوري كيف «زيّنت» المشاريع القطرية شوارع دمشق ورسائل الشكر والمحبة «للأمير القومي»..!
2011 ..حان وقت العمل
شاركت قطر بشكل مباشر في القوات التي أرسلت إلى ليبيا لإسقاط «القذافي» ودعمت «حركة النهضة» علنياً في تونس، وطبعاً وقفت إلى جانب الإخوان المسلمين في مصر وتسلّمت ملف «حركة حماس» بشكل مباشر وحققت الانحراف الكبير في التوجه العام للحركة، وكان الاختراق في الداخل السوري قد أنجز بالفعل ومن هنا تم الالتفاف على مشروع المقاومة من الداخل وأخذت دولة قطر مكانة العدو العلني الأشرس في وجه حزب الله والمشروع عموماً. كما يتحدث «فنيان كوننغهام»* عن دور قطر كوسيط للولايات المتحدة لاستكمال مشروع الفوضى الطائفية في العراق واحتضان نائب الرئيس السابق «طارق الهاشمي» الهارب من العراق بعد اتهامه بترؤس «فرق موت» طائفية خلال الاحتلال الأمريكي ويربط هذه الحادثة مباشرة مع انطلاق مظاهرات مناهضة لحكومة المالكي صاحبة الاتهام الموّجه للهاشمي.
هذا الدور الكبير لم يؤت ثماره كلياً، الحركات الإسلامية في تونس ومصر تعاني الأمرين وهي على محك الفشل، كما أن الحامل الأبرز للإسلام السياسي عموماً وهو حزب «العدالة والتنمية» في تركيا مأزوم بمشاكله الداخلية المستعصية عن الحل كما يبدو جلياً، وقبل كل ذلك فالضربة الكبرى في سورية لم تؤتِ ثمارها المنشودة بفعل التوازن الدولي وبالتالي لم تنجح قطر في تصفية المقاومة وإن نجحت جزيئاً في تطويقها وإدخالها في معارك ثانوية، يصبح السؤال ماهو الدور القطري الآن أمام هذا الاستعصاء؟
الشكل الجديد
لنضع المعطيات التالية أمامنا:
- الولايات المتحدة الأمريكية مجبرة على الخروج تدريجياً من الملف السوري والتحرك سريعاً باتجاه الشرق «إيران – باكستان – الهند – الصين» ومتابعة المنحى العام لحركتها لمحاولة تطويق روسيا -بوصفها الجائزة الكبرى والمخرج الوحيد من الأزمة الرأسمالية لما تحويه من ثروات بنظر الأمريكيين. ولا ننسى هنا مشروع خط الغاز من إيران إلى باكستان-ينتهي تنفيذه نهاية 2014-  والمرجح أن يمتد إلى الهند وبعدها ممكن إلى الصين وما يفرض ذلك من تحول جيوسياسي جوهري يعاكس مصلحة الولايات المتحدة ويضرب وزنها بشكل كبير في منطقة ما يسمى «قوس التوتر».
- دور قطر المطلوب أمريكياً في التحرك شرقاً وإبقاؤها كبديل أساسي للطاقة في المنطقة، بديلاً عن إيران وروسيا.
- بدأت قطر العمل على افتتاح مكتب للتنسيق مع حركة «طالبان» منذ عام 2010، والتنسيق كان برضى الأمريكيين وأعلن رسمياً عن افتتاح المكتب منذ أيّام، وهنا تكون ضرورة دور قطر كمنسق مباشر ينوب عن الأمريكيين مع حركة «طالبان» وامتدادتها في القاعدة والقبائل الأفغانية للإبقاء على التوتر في المنطقة الممتدة بين باكستان وأفغانستان وإيران والهند ومحاولة حرف التوجه العام القائم حالياً.
- الدور المحوري لقطر بالإضافة للدور السعودي الكبير في مسك الخليج العربي ومنع أية «تحولات غير مرغوبة»، البحرين واليمن نموذجاً..
- في هذا السياق جرى خلال الأسبوع الماضي تسليم السلطة للشيخ «تميم بن حمد» نجل الأمير «حمد بن خليفة آل ثاني» وأيضاً ترك «حمد بن جاسم بن حمد آل ثاني» منصب رئيس الوزراء، وتم التعاطي مع هذا التغيير كونه «نقلة نوعية في الخليج العربي» باتجاه الديموقراطية!
لكن الاستنتاج البسيط بعد المعطيات السابقة: هو أن دوراً ما لدولة قطر سيستمر وإن تغيّرت نقاط الارتكاز، ومن هنا فإن ما يدور عن «سحب البساط» من تحت القطريين وتسليم القيادة –مجدداً- للسعوديين ما هو إلا تحليل كلاسيكي وشكلي إذ إن الذي يحصل عملياً هو تغيير وتكامل في أدوار الأدوات الأمريكية، إن كانت قطر أو السعودية، ومن هنا أيضاً يظهر أن لا علاقة للديموقراطية أبداً بما يحصل من تغيير لوجوه السلطة في قطر الآن، وهو في الواقع لا يتعدى تغييراً ضرورياً في الشكل ليخدّم المهام الجديدة، كما حصل تماماً في «الانقلاب الأبيض» المفاجئ الذي قاده الابن على الأب عام 1995.
* فنيان كوننغهام: محلل شؤون الشرق الأوسط في مركز دراسات العولمة.

آخر تعديل على الإثنين, 01 تموز/يوليو 2013 10:55