نتنياهو يهدد «حماس».. وغارات فجراً على غزة
كانت ساعات مساء أمس بالغة الإثارة. فقد تعاظمت التقديرات بشأن احتمالات التصعيد في قطاع غزة، وهو ما بدأ فجراً، بعد اتهام إسرائيل لحركة «حماس» بالمشاركة في إطلاق صواريخ «غراد».
واشتدت عمليات التفتيش مساء أمس في منطقة الخليل بحثا عن المستوطنين الثلاثة المفقودين إلى أن أُعلن عن العثور على جثثهم.
وكانت أنباء قد تحدثت عن تطورات «مثيرة» في التحقيقات بشأن مصير المفقودين الثلاثة، وأن المجلس الوزاري المصغر سينعقد في جلسة مهمة.
وأعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في بيان قبيل اجتماع الحكومة الأمنية المصغر، «حماس مسؤولة، وحماس ستدفع الثمن»، فيما حذر المتحدث باسم الحركة سامي أبو زهري من انه «إذا أقدم الاحتلال الإسرائيلي على أي تصعيد أو حرب فإن أبواب جهنم ستفتح على المحتلين». وقال إن «قصة اختفاء ومقتل المستوطنين الثلاثة تعتمد على الرواية الإسرائيلية فقط، وان الاحتلال الإسرائيلي يحاول أن يستند لهذه الرواية لتبرير حربه الواسعة ضد شعبنا وضد المقاومة وضد حماس».
ومن جهته، دعا القيادي في حركة «الجهاد الاسلامي» خالد البطش «الفلسطينيين للاستعداد لمواجهة الجولة المقبلة من الصراع مع المحتل الصهيوني، والذي قد يأخذ أشكالاً تصعيدية خطيرة». وأضاف «تهديدات الاحتلال لا تخيفنا، ولن تغير من قناعاتنا، وفي كل الأحوال نحن ثابتون، مرابطون، صامدون، وسنواجه أي تصعيد صهيوني بما نملك من أدوات مقاومة متواضعة في وجه ترسانة الكيان، ونحن في ذلك نمتلك الحق الكامل في الرد على جرائمه».
وبعد كيل التهديدات الإسرائيلية، والتي لم تترجم قرارات في الاجتماع الوزاري المصغر، شن الطيران الحربي الإسرائيلي فجراً نحو 20 غارة على أهداف في قطاع غزة، وأطلق سبعة صواريخ على مواقع للمقاومة الفلسطينية في مدينتي رفح وخانيونس، بالتزامن مع انقطاع التيار الكهربائي عن مناطق واسعة في القطاع.
وفي هذا السياق، دعا المتحدث باسم وزارة الصحة في حكومة حماس السابقة أشرف القدرة المواطنين كافة إلى عدم التنقل وأخذ أقصى درجات الحيطة والحذر.
وقد عثرت إسرائيل على جثث المفقودين الثلاثة، في اليوم التاسع عشر لاختفائهم، في حفرة قرب بيت كاحل في جبل الخليل، بعد أوسع عملية تفتيش. ويفتح العثور على هذه الجثث الباب واسعا أمام تصعيد عقابي كبير في الضفة الغربية، وربما في قطاع غزة، خصوصا في ظل اجتماع، حتى ساعة متأخرة من ليلة أمس، للمجلس الوزاري الأمني المصغر.
وفاجأت هذه النتيجة الإسرائيليين الذين كانوا يؤمنون بأن جيشهم وأجهزتهم الأمنية قادرة على استعادة المفقودين أحياء بعد اتهام أفراد من «حماس» باختطافهم. وأطلق العثور على الجثث عنان قادة اليمين المتطرف لإطلاق أشد التهديدات ضد الفلسطينيين عموما، و«حماس» خصوصا.
وأُعلن رسمياً أن قوات من الجيش الإسرائيلي عثرت على الجثث الثلاث، في الساعة السادسة من مساء أمس، في حفرة غير عميقة دفنهم فيها الخاطفون بعد وقت قصير من اختطافهم. وتتحدث التقديرات الأولية عن أن الثلاثة قتلوا بإطلاق الرصاص عليهم بعد وقت قصير من اختطافهم، وهذا يفسر عدم إعلان أية مطالب للإفراج عنهم.
وكان التطور المثير بعد عصر أمس هو اندفاع قوات هائلة من الجيش الإسرائيلي إلى منطقتي حلحول وبيت كحيل في جبل الخليل في إطار حملة التفتيش عن الثلاثة. وتركز البحث، الذي شاركت فيه أيضا قوات من الشرطة و«الشاباك»، في منطقة محددة تم سد كل الطرق المؤدية إليها. وجاءت هذه التطورات بعد مرور 18 يوما على اتهام إسرائيل لأفراد من «حماس» باختطاف المستوطنين الثلاثة قرب مستوطنة «غوش عتسيون». وعادت إسرائيل وحددت أن المسؤولين عن الاختطاف هما مروان القواسمي وعامر أبو عيشة الناشطان في الذراع العسكرية لـ«حماس». وقد اعتقلت إسرائيل أكثر من 500 من نشطاء «حماس» و«الجهاد الإسلامي» وفصائل أخرى، فضلا عن إعادة اعتقال أكثر من 50 من محرري صفقة جلعاد شاليت.
وشهدت حملة التفتيش والتمشيط في منطقة حلحول صدامات مع الجماهير الفلسطينية التي اعترضت على اقتحام المنطقة وتفتيش البيوت. واستخدم الجيش الإسرائيلي في صد المتظاهرين الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع. وشددت أوساط عسكرية إسرائيلية على أن تصعيد التفتيش جاء إثر اعتقال الكثير من أقرباء القواسمي وأبو عيشة. وهذا ما دفع البعض للاعتقاد أن حملة التفتيش هي في الأصل لأجل البحث عن القواسمي وأبو عيشة أكثر منها بحثا عن المفقودين. وقال مصدر عسكري آخر إن الوجود المكثف للجيش ضم وحدات تدخل خاصة «تأهبا لاحتمال اقتحام مكان اختفاء الخاطفين حين تصل المعلومة الاستخبارية الحيوية».
وكانت الأنظار قد توجهت من الضفة الغربية إلى قطاع غزة في الأيام الأخيرة، بعد إعلان الجيش الإسرائيلي عن «تقليص» حملته في الضفة الغربية. وشهدت هذه الأيام عمليات اغتيال لنشطاء في فصائل المقاومة وقيام هذه الفصائل بتنقيط الصواريخ على مستوطنات غلاف غزة. ولكن في اليومين الأخيرين، وبعد اغتيال نشطاء ألوية «الناصر صلاح الدين» واستهداف مواقع لحركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» توسعت عمليات إطلاق الصواريخ، وباتت تستخدم فيها صواريخ «غراد» التي يزيد مداها عن 20 كيلومترا. وقد خلق هذا واقع تصعيد جديد لا يبدو أن الأطراف الرئيسية ترغب فيه حاليا، لكنها تتدحرج نحوه.
فمن ناحية حاولت إسرائيل إثبات أن لديها سياسة ردعية جديدة أساسها الرد بقسوة على أي إطلاقات من غزة وفق شعار «صفر ضبط نفس». ولكن وقوع ضحايا في الجانب الفلسطيني يزيد من إصرار الفصائل، وبينها «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، على منع إسرائيل من الانفراد بأي فصيل فيأتي الرد سريعا وبعنف متزايد. وهكذا بدلا من الصاروخين أو الثلاثة التي كانت تطلق في الأيام الأولى للحملة الإسرائيلية، أصبحت تطلق 20 أو 30 صاروخا يوميا.
ومع ذلك بدا أن إسرائيل تحاول في الساعات الأخيرة خفض منسوب التصعيد، إذ أعلن وزير الدفاع موشي يعلون، خلال زيارة الى مستوطنات غلاف غزة وخصوصا في مصنع سديروت الذي احترق، أن «حماس غير معنية باستمرار التصعيد وهي تنقل هذه الرسائل عبر المصريين». وأضاف أن «الطرف الثاني دفع وسيدفع ثمنا باهظا إلى أن يقول كفى. ونحن نستعد للاحتمال الأخطر، ولكن الطرف الثاني غير معني بذلك. ففي القطاع تيارات وتنظيمات كثيرة. وتنقيط الصواريخ غير مقبول لدينا. وحماس تعمل في معظم أيام العام ضد الجهات التي تطلق الصواريخ، وتفرض تفاهمات عمود السحاب. لكن في غزة هناك من يعتقد أن نشاطنا الكبير في يهودا والسامرة (الخليل) يعني أن ليست لدينا قوات كافية في غلاف غزة، وهؤلاء يخطئون». عموما شدد على أن «حماس هي السيد والمسؤول في قطاع غزة، ولكن أيضا صارت لـرئيس السلطة الفلسطينية (محمود عباس) أبو مازن مسؤولية تجاه ما يجري في القطاع».
وكانت أوساط أمنية إسرائيلية قد أبدت تقديرها بأن الوضع في غزة يتجه نحو التصعيد، خصوصا بعد مشاركة حماس في إطلاق الصواريخ إثر اغتيال أحد أفرادها شرقي خان يونس. وهددت هذه الأوساط بأنه إذا استمر إطلاق صواريخ «غراد» من القطاع فإن «هذا يعني أن وجهتهم هي التصعيد» وهذا سيخلق مواجهة واسعة. وأضافت أن «حماس» تطلق للمرة الأولى منذ «عمود السحاب» نهاية العام 2012 صواريخ باتجاه إسرائيل من دون تحمل المسؤولية عنها رسمياً.
المصدر: السفير