افتتاحية قاسيون:متطلبات نجاح الحل السياسي
تمضي تحضيرات «جنيف-2» قدماً باعتباره مدخلاً لحلٍ سياسيٍ للأزمة السورية. وإذا كان من الثابت أن لا مخرج من الأزمة السورية إلا عبر حلٍ سياسي، فإن مجرد الاعتراف بهذه الحقيقة ليس كافياً لإنجاح ذلك الحل، بل إن إنجاحه يحتاج إلى جملةٍ من المسائل التي يتطلب إنجازها تثبيت مجموعة من الحقائق التي تشكل مقدمات ضرورية لعلاج القضية:
أولاً، إنّ تغييرات عميقة وجذرية في بنية النظام، سواء فيما يتعلق بسياساته في القضية الاقتصادية-الاجتماعية أو في القضية الديمقراطية، هي استحقاق موضوعي تأخر تحقيقه لسنوات عديدة. وإن أي خروج حقيقي من الأزمة الراهنة لا يعيد توليدها لاحقاً، يتطلب من جميع الأطراف مواجهة جدية لاستحقاق التغيير الجذري، سواء لما كان سائداً قبل تفجر الأزمة أم خلالها. وبهذا الفهم فإنّ وظيفة المرحلة الانتقالية ليست «تسليم السلطة» لطرف أو «نزعها» من طرف آخر أو «تحاصصها» بين الطرفين، ولكنها تتركز في إعادة مركز ثقل القضية السورية إلى الداخل السوري والتمهيد للتغييرات المستحقة.
ثانياً، إنّ العنف والعنف المضاد وتأجيل استحقاقات التغيير، جميعها عوامل وفَّرت المدخل الأساسي لتدويل المسألة السورية، وسمحت بتطور التدخل الخارجي إلى حدوده القصوى التي نشهدها حالياً. وعليه فإنّ إعادة مركز الثقل إلى الداخل السوري- إن كان يبدأ بوقف التدخل الخارجي فإنه- لا يكتمل دون وقف العنف الذي يمارسه السوريون ضد بعضهم البعض وتوحيد جهودهم في محاربة الإرهاب، لأن استمرار العنف سيعيد مركز الثقل إلى الخارج مرة أخرى ولكن بتكاليف أعلى.
ثالثاً، فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب، فإن نقطة الانطلاق هي في كون الإرهاب فعلاً دولياً ترعاه مجموعة من مراكز القوى الدولية والإقليمية الفاشية والرجعية بغية خلق نقاط توتر دائمة في بقاع مختلفة من العالم ضمن سياسة «الحرب الشاملة» التي تشكل المخرج الافتراضي الوحيد من الأزمات البنيوية العميقة للنظام الرأسمالي العالمي. ولذلك فإن أي مواجهة مع الإرهاب– وفي سورية ضمناً- لا بد أن تقود إلى صدام دولي مع القوى الداعمة له، ما سيساعد في التضييق على الإرهاب داخل سورية، تمهيداً لإخراجه من المعادلة السورية الداخلية.
رابعاً، في الخصوصية الإقليمية، وبالتحديد في سورية والعراق، فإن محاربة الإرهاب تتخذ طابعاً وطنياً عاماً، لأن مشاريع رعاة الإرهاب تتعارض مع بقاء هذه الدول بحدودها القائمة. ولذلك فإن محاربة الإرهاب من وجهة النظر الوطنية العامة ينبغي أن تجري بصف وطني موحد من «المعارضين» و«الموالين»، ليس دفاعاً عن نظام ما أو معارضته، ولكن دفاعاً عن الكيانات الوطنية للبلدان المعنية. وعند هذا الحد يصبح وقف العنف السوري البيني الداخلي ضرورة وطنية وموضوعية بآن معاً، مرة أخرى.
وانطلاقاً من الحقائق السابقة، فإنّ متطلبات إنجاح الحل السياسي الأساسية تتركز فيما يلي:
أولاً، توظيف التراجع الأمريكي المستمر في انتزاع تعهد دولي عبر مؤتمر «جنيف-2» بوقف التدخل الخارجي بجميع أشكاله.
ثانياً، نبذ العنف من جميع الأطراف، والاحتكام إلى عملية سياسية سورية تديرها حكومة وحدة وطنية تضم المعارضة والموالاة وتقوم بإطلاق سراح المعتقلين، والمباشرة بحل قضايا المخطوفين والمفقودين، والنازحين واللاجئين وعموم المتضررين، وتعمل ضمن برنامج زمني متوافق عليه لصياغة دستور جديد مع تعديل جملة القوانين انسجاماً معه وإجراء انتخابات محلية ونيابية ورئاسية.
وإذا كان من شأن ذلك كله التمهيد نظرياً لولادة سورية الجديدة، المحافظة على وحدة ترابها وشعبها، وسيادتها، ومواقفها الوطنية، فإنه لن يكون إلا عبر معركة وطنية شاملة تخاض عملياً لمصلحة الأغلبية الساحقة من أبناء سورية، أي عموم المنهوبين المطلوب منهم إنجاز تحالفاتهم ذات الطابع الوطني بوجه كل ناهبيهم والمتلاعبين بوعيهم ومصيرهم، في داخل سورية وخارجها.